د.أحمد دبيان
وفى ذكرى ملطمة ومندبة ٥ يونيو والتى لا يفتأ البعض يعلى من جدرها حائطاً
لمبكى ومساراً لدموع وقحة او ان يرتديها حزام عفة يدارى بها رجس النفس والروح .
معركة ٥ يونيو لا تعدو فى حركة التاريخ الا جولة من جولات الصراع ، ومن
يريدون ان يرسخوا انها سبب ما نحن فيه من بوار اقتصادى وسياسى هم فشلة الاقتصاد
وفشلة السياسة وجهلة الوعى الاجتماعى والنهضوي .
٥ يونيو جولة صراع خاسرة فى معركة ممتدة بدأت منذ امتلكنا إرادة التحرر
الوطنى واعتنقنا مشروعه وفرضنا ارادتنا وانتصرنا فى عام ١٩٥٦ ، وحققنا امتداد
امننا القومى بالوحدة والتنسيق مع سوريا ، وانتبهنا لأمننا القومى الممتد عبر مضيق
باب المندب ، وساندنا ثورة اشقائنا هناك ضد التخلف والتبعية ولنهدد نحن قاعدة
بريطانيا هناك فى عدن والتى تم طردها فى ثورة أكتوبر ١٩٦٧.
المعارك الكبرى لا تحسم أبدا بجولة صراع ، والأمم العريقة لا يصح ابدا ان
تظل فى اسار جولة خاسرة محملة اياها فشل كل الحكام الذين اتوا بعد جمال عبد الناصر
رغم النصر فى حربى الإستنزاف وأكتوبر .
فلمن يٌحَمِّلون رجلاً حاول ونجح فى جولات كثيرة ان تصبح مصر ومحيطها
العربى والأفريقي رقماً فى معادلة القوى .
ولمن يحملونه وزر الصمود فى وجه قوى ، اجتاحت الوطن ولا تزال من بعد رحيله.
لمن يحملونه أوزار خلفائه ، وأخطاء حساباتهم واختياراتهم وانحيازاتهم .
الرجل كان انحيازه لمصر وللمصريين ، الذين ظلوا لا يملكون قرارهم لأكثر من
ألفين وخمسمائة عام .
الرجل صمد فى وجه قوى عاتية .
اصابت حساباته الدولية فى اكثر الأحيان ، ولم تصب كأى تجربة انسانيةً ولم
يكن استثناءاً فى ذلك .
اخطأ تشرتشل حين أعلن الحرب على ألمانيا ، وانهزمت بلاده فى دنكيرك ، وفى
شمال افريقيا وتعرضت عاصمة بلاده للقصف ، ولم يستسلم وصنع الانتصار .
أخطأ روزفلت فى الأحجام عن الدخول فى الحرب العالمية الثانية الى ان تم قصف
أسطول بلاده فى المحيط الهادى ، فى بيرل هاربور .
أخطأ بيتان حين لم يقرأ حركة التاريخ ، فاستسلم للنازى ، وحكم فرنسا محتلة
، بل وشارك المحور بقوات فرنسا وأسطولها مروجا لسلام الشجعان ،
رغم هذا لم يغفر له الشعب الفرنسى سقطته وحاكمه كخائن ، بينما خلد زعيمه
الذى صمد بقوات فرنسا الحرة وجعل فرنسا رقماً فى المعادلة الدولية .
أخطأ ستالين حين عقد معاهدة عدم اعتداء مع هتلر ظاناً بان معاهدات الصلح
ستبقيه بعيداً عن الطوفان ، فكان اجتياح النازى وتدمير اكثر من الفى طائرة سوفيتية
على الأرض ، واستشهاد الملايين الى ان ادرك ان الصمود والمواجهة هو مفتاح أمنه
القومى فكان جيش الجنرال جوكوف هو اول جيوش الحلفاء التى اقتحمت برلين .
فقدان إرادة المقاومة تحت زعم آخر الحروب وسلام الشجعان هو الهزيمة
الحقيقية والتى أخرجت مصر ومحيطها العربى من خارطة التاريخ ، بل وتتعاورها اليوم
فى تهديد مباشر لأمنها القومى ، نفس القوى التى حاربتها فى الخمسينات والستينات ،
بوكلائها ، من جماعات التأسلم السياسى وأذرع الصهيونية ، لتضربها من الغرب ومن
الشرق ومن الجنوب .
وبعد ان كانت مصر ترد الاعتداءات خارج حدودها ، من اليمن و باب المندب
جنوبا وتأمينه وإغلاقه ، الى الغرب الليبى الذى تم طرد قواعده الاجنبية من هويلس
وغيرها والتى شاركت فى عدوان ١٩٦٧ ، الى الجنوب السودانى الذى احتضن اللاءات
الثلاث ، ورسخ للمقاومة وازالة العدوان .
أصبحت مصر المنكفئة على ذاتها تجتاحها مشاكل الاقتصاد الريعى الذى تتحكم
فيه القوى الاجنبية ، ويجتاحها العدوان من الغرب والشرق والجنوب .
خسر جولة ولم يستسلم واعاد بناء الجيش الذى سطر الانتصار .
سلام على ناصر وعلى مصر التى ينبغى ان تكون.
0 تعليقات