آخر الأخبار

الكاميرا ترمش .. لكنها لا تكذب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عمر حلمي الغول

 

 

 

استعرت العنوان من عنوان فرعي في كتابي " الانتفاضة / ثورة كانون: إنجازات وآفاق" الصادر عن مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، مقرها نيقوسيا / قبرص ودمشق / سوريا الطبعة الأولى آذار/ مارس 1990، ص 362، والذي استوحيته من الإعلامي الأميركي اليهودي "لوسيمون" مراسل (سي بي إس) في وصفه الكفاح الشعبي البطولي الفلسطيني في الانتفاضة الكبرى 1987/1993، حينما قال، إنه "لا يوجد تباين بين ما يحدث، وبين ما تقدمه شبكات التلفزيون، لأن عدسات الكاميرا قد ترمش، ولكنها لا تكذب."

 

 

 

وجاء رده على الحملة المغرضة، التي شنتها حكومة الاستعمار الإسرائيلية آنذاك على وسائل الإعلام في نقلها الحقيقة للعالم عن وحشية جيش الموت الإسرائيلي وسياسة تكسير العظام، التي قادها إسحق رابين ضد الجماهير الفلسطينية المنتفضة.

 

 

 

 

واستوقفني على هذا الصعيد ما يجري في الولايات المتحدة بعد قتل الضحية جورج فلويد الشهر الماضي، وأثر تصوير عملية القتل الجبانة له، وبثها للعالم على الرأي العام الأميركي والعالمي.

 

 

 وللمقاربة أيضا مع عملية القتل الجبانة والعنصرية من قبل جنود وضباط حرس الحدود الإسرائيليين الجبناء للشهيد الشاب إياد الحلاق من ذوي الحاجات الخاصة في العاصمة الأبدية، القدس، التي حدثت تقريبا في نفس الفترة، ولم يسمح قادة الشرطة الإسرائيلية نشر ما صورته الكاميرات، التي وثقت عملية القتل بدم بارد، ومازالت تحول دون تسليمها الوثيقة لأي جهة إسرائيلية أو فلسطينية أو أممية للوقوف على جريمة الحرب الوحشية الجديدة.

 

 

لإدراكهم أبعاد الصورة. ومع ذلك ما زالت عملية اغتيال الشهيد إياد ماثلة في المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني وحتى الأممي، ويتم الربط بينها وبين عملية قتل جورج فلويد باعتبار الخلفية العنصرية واحدة، وحتى ذات الأساليب، لا سيما وان التقارير الأميركية تشير إلى أن الضابط القاتل للضحية فلويد، تدرب على يد القتلة الإسرائيليين، أي ان المدرسة العنصرية واحدة للقتلة.

 

 

 

 

أردت مما تقدم، الحديث عن ضرورة التنبيه والتركيز على إعطاء أولوية للصورة وشريط الفيديو، الذي يوثق الجرائم الإسرائيلية حيثما تحدث في الأرض الفلسطينية من رأس الناقورة حتى النقب ورفح جنوبا، لا سيما وأن كل إنسان فلسطيني إمرأة أم رجل، طفل ام عجوز بات يمثل "كاميرا مان"، لأنه من خلال جواله، واي كانت نوعية الكاميرا فيه يستطيع  إلتقاط الصور والمشاهد الحية لتوثيق جرائم وانتهاكات جيش الموت الإسرائيلي وقطعان المستعمرين ووحدات الشرطة وحرس الحدود القتلة وبحضور وغياب وسائل الإعلام. لإن ما يقوم بتوثيقه يخدم تعرية وفضح الجرائم الإسرائيلية، التي لم تتوقف نهائيا ضد أبناء الشعب الفلسطيني ودون تمييز.

 

 

ولم أتوقف أمام الجانب النظري حول أهمية وسائل الإعلام، لأني تحدثت عنها غير مرة، ولأن المطلوب الآن ولاحقا من كل فلسطيني القيام بمهامه الوطنية في ظل احتدام المواجهة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وكوننا مقدمين على تحديات غير مسبوقة معها، باعتبار نفسه "كاميرا مان"، وجندي في معركة كشف الحقيقة، وتوثيقها، وبثها بشكل مباشر على مواقع اليوتيوب، أو إعطائها لإي وسيلة إعلام وطنية أو أممية لبث الحقيقة أمام العالم. لأننا بأمس الحاجة لكل صوت وموقف قومي أو أممي يقف خلف الكفاح الوطني التحرري

 

 

وكما يعلم الجميع، لو تمكن أي إنسان من توثيق جريمة اغتيال الشهيد إياد، وبثها، لكانت ردود الفعل الوطنية وبين أنصار السلام الإسرائيليين وبين شعوب الأرض أعلى وأعمق. مع ذلك، جرائم إسرائيل الوحشية لم ولن تتوقف نهائيا، لأن الناظم الأساس للمنظومة الأمنية الإسرائيلية بنيت وقامت على قاعدة "الفلسطيني الجيد، هو الفلسطيني الميت." وسنت لمنتسبي المؤسسات الأمنية كل القوانين العنصرية الكفيلة بحمايته، وغرست في وعيه مقولة: أقتل ثم أقتل "الأغيار" الفلسطينيين العرب اينما كانوا، وبغض النظر عن العمر والجنس والدين واللون، ولا تأبه بهم، والدولة الإسرائيلية والقانون فيها يحميك، ولن تسمح ومن خلفنا أميركا بملاحقة اي قاتل أمام المحاكم الأممية.

 

 

مع ذلك، تملي الضرورة توثيق كل جريمة إسرائيلية إن كانت عملية قتل، أو إجتياح لإي مخيم أو قرية أو مدينة، أو هدم، او مصادرة أرض، أو إعتقال مواطن، أو تعذيب والإساءة لإي موقوف، أو ولادة أمرأة على الحواجز، أو إقتحام قطعان المستعمرين للقرى والمدن والأحياء وقطع أشجار الزيتون أو غيرها من المزروعات، او حرق البيوت والأحراش، وتخريب السيارات والكتابة العنصرية عليها، والعبث في المساجد والكنائس والأديرة ... إلخ لإن هذة الوثائق تخدم القيادة السياسية والديبلوماسية الفلسطينية وتؤكد خطابها امام العالم، ولإن العالم يتجه بخطى حثيثة نحو تغييرات دراماتيكية، فما هو جائز الآن، لن يكون ممكنا غدا. والرأي العام العالمي قادر على هدم جدران وقلاع العنصرية المتغطرسة في كل من إسرائيل وأميركا وحيثما وجدت.

 

 

 

أعلم ان بعض المؤسسات الحقوقية توثق الجرائم، ولكن الضرورة تحتم تكليف المؤسسات الإعلامية والحقوقية والإنسانية الرسمية وذات الصلة بتوثيق كل صغيرة وكبيرة من جرائم الموت الإسرائيلية، وبثها بشكل دوري ومستمر على الرأي العام العالمي وفي المنابر الإقليمية والأممية لكشف المستور الإسرائيلي، مع ان الحقيقة تقول لا يوجد مستور في الدولة الفاشية، فالعنصرية الوحشية الإسرائيلية تعمل في العلن، ولا تخشى القانون الدولي، لإنها تعتبر نفسها فوق القانون، وتمارس البلطجة والفجور بصور همجية، ودون اي معيار قيمي أو أخلاقي أو قانوني أو سياسي لإنها تستهدف بشكل مباشر تحقيق هدفين بحجر واحد، تصفية القضية الفلسطينية، وطرد الشعب الفلسطيني من دياره من خلال تصعيد عمليات القتل والخنق والجريمة الإرهابية المنظمة، وايضا تبديد عملية السلام ومرجعياتها الأممية. لذا لنكن جميعنا بمثابة "كاميرا مان"، والكاميرا التي ترمش، ولكنها لا تكذب في نقل الحقيقة للعالم.

 

 

 

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com


إرسال تعليق

0 تعليقات