حسناء محمود
تعد المملكة المتحدة "إنجلترا" أول من قامت
بإنشاء خط سكة حديد على أراضيها بين مدينتى (مانشستر وليفربول) سنة 1830، ونقلت
هذه الفكرة خارج أراضيها وأول دولة ينفذ فيها مشروع سكة حديد هى مصر، فقد ألحت
الحكومة الإنجليزية علي الباب العالي العثماني للموافقة على مد خط سكة حديد في مصر
لتسهيل وتسريع نقل البريد والمسافرين بين أوروبا وخاصة إنجلترا وبين الهند، كبرى
مستعمرات إنجلترا في المشرق، فكانت المواصلات بين أوروبا والهند تمر عن طريق مصر،
فالسفن تأتي من أوروبا إلي ميناء الإسكندرية، ثم تنقل برًا إلي القاهرة ومنها إلى
ميناء السويس لتسير بحرًا في البحر الأحمر ثم المحيط الهندي لتصل إلي الهند.
المؤرخ صالح سليمان الرشندى أحد أبناء البحر
الأحمر، يقول إنه فى عام 1851 تم توقيع وثيقة إنشاء خط سكة حديد يصل بين القاهرة
والإسكندرية، وذلك بين الخديوى عباس الأول والإنجليزى "روبرت ستيفنسن" ابن
مخترع القطار ممثلا للشركة، وبها تفاصيل تشمل تصميم وإشراف وإنشاء المشروع، وذلك
مقابل "56 ألف جنيه " يتم سدادها على 5 دفعات، قيمة كل دفعة 18 ألف
جنية، وبالفعل بدأ العمل فى المشروع عام 1854 في عهد محمد سعيد باشا وتم تسيير أول
قاطرة بين القاهرة والإسكندرية بطول 209 كيلو متر، وكانت العربات تعبر مياة النيل
بواسطة المعديات قبل إنشاء الجسور الحديدية، وكان يقف القطار عند وصولة فرع النيل
وينزل الركاب ويعبروا فى المعديات وينتظرون على الجانب الآخر لحين عبور القطار
والوصول إليهم بعد ساعتين من الزمن يكونوا قد تناولو فى تلك الفترة الطعام والشراب
ثم يصعدون إلية وينطلق بهم من جديد.
وأوضح الرشندى ثم استكملت المرحلة الثانية القاهرة
– السويس، وبدأ العمل فى خط الصعيد وفي عام 1898 وصل القطار إلى مدينة الأقصر،
وحتى يصل إلى أسوان استخدم الإنجليز نوعية مختلفة من القضبان والقطارات بحيث لا
يمكن لقطارات سكك حديد مصر في ذلك الوقت مواصلة الرحلة مباشرة إلى أسوان حيث يضطر
الركاب إلى النزول في الأقصر وركوب قطار آخر، ثم عدل بعد ذلك وأمتد الخط مباشرا
إلى أن وصل وادي حلفا داخل الحدود السودانية عام1926، نفذتة شركة ) قنا/أسوان
للسكك الحديدية) وهي شركة مملوكة لمستثمرين بريطانيين.
كما أوضح الرشندى وأصبح إنشاء السكك الحديدية من
ثقافة إنجلترا، حيث قامت بإنشاء خطوط فى جميع البلاد التى استعمرتها وكونت بها
الإمبراطورية التى لاتغيب عنها الشمس، وكان هذا واضحا فى الهند وبلاد إفريقيا
وأميركا الجنوبية، وكان موقع مصر الجغرافى جعلها حلقة الوصل بين أوربا وأفريقيا
والهند، لذلك أدركت إنجلترا ضرورة إنشاء أول قطار سكة حديد خارج البلاد فى مصر.
وأوضح مؤرخ البحر الأحمر بعد اكتشاف البترول
بمدينة الغردقة (الجمشة) فى العام 1886 اتجهت أنظار العالم إلى المنطقة وخصوصا
إنجلترا فدفعت بشركاتها للبحث والتنقيب حتى بدأ الإنتاج الفعلى من أول بئر فى
العام 1908، وزاد عدد الآبار المنتجة فى مناطق عدة بالغردقة مثل (الجمشة - دشة
الضبعة - نمرة 1 - نمرة 10)، فقامت شركة "آبار الزيوت الإنجليزية"
التابعة لمجموعة شركات ""shell
العالمية صاحبة الإمتياز بعمل البنية التحتية على أرض مدينة الغردقة من العدم ،
التى تتطلب بناء الاستراحات والمخازن وورش الخراطة واللحامات، وتوفير ماكينات
الإنارة والأوناش ... وغيرها، بالإضافة إلى توفير معدات وأجهزة الحفر والتنقيب عن
البترول، فأصبح نقل هذه المعدات الثقيلة يمثل عبأ على عاتق الشركة نظرا لعدم وجود
طرق مسفلتة أوممهدة، فقامت الشركة فى حوالى العام 1912 بإنشاء شريط سكة حديد داخل
المدينة لنقل هذه المعدات الثقيلة بأحجامها الكبيرة بين منطقتى (السقالة والدهار)،
يبدأ من ميناء العبارة حاليا أو"سقالة الزيت" كما كان يسميها أهل
الغردقة قديما، متجها إلى الشمال الغربى مارا على (أرض محطة مياة اليسر – بجوار
الجامع القطرى - خلف موقف أتوبيس الوجة القبلى – خلف البوسطة – خلف البنك الأهلى
وبنك مصر) ثم محطته النهائية (ميدان الدهار) حيث الهنجر الكبير عبارة عن مخازن
للمعدات والمواد التموينية مبنية على الطراز الإنجليزى من الحجر البغددلى والصاج
المموج.
وكشف الرشندى قطار الغردقة ليس كالقطارات الكبيرة
التى نعرفها فهو عبارة عن مجموعة من العربات متوسطة الحجم، واحدة للركاب مقفلة من
الخارج والباقى مسطح لنقل البضائع والمعدات، يقوم القطار كل صباح بنقل العمال وهو
فى طريقة إلى الميناء، ثم يعود محملا بالمعدات الخاصة بأعمال الحفر بالإضافة إلى
المواد التموينية ويتم تفريغها فى مخازن الشركة فى نهاية الشريط بمنطقة الدهار، كل
هذه البضائع تأتى من مدينة السويس على ظهر مركب تسمى "جنيرة" مملوكة
للشركة والتى ترسو على سقالة الزيت، بعد ذلك يأتى تجار المدينة إلى عم "على
حامد" من قبيلة البراهمة المسئول عن المخازن ليأخذوا احتياجاتهم من الحبوب
والمواد التموينية والخردوات والخضار وغيرها، وكان من أشهر هؤلاء التجار فى
السقالة ( الحلوانى - العمدة سعد على سعد ) وفى الدهار ( صلاح قابيل – كحيل – بحر حمدان
– محمد حسين عامر – عبد الباسط – العسال – شحاتة – شفيق جودة – ناشد – جعبص - عبد الله
السميرى – العديسى – أحمد عوض - سرجيوس .... وغيرهم).
وأضاف الرشندى حكى لى الحاج "رشاد
الجعفرى" أنه يتذكر والدة ومحسن بقاص اللذان كانا من ضمن العمال الذين ينقلهم
القطار إلى عملهم فى الميناء كل يوم، ويتذكر أيضا من كانوا يقودون هذا القطار وهم
(أحمد خليل – عابدين سباق - حسن التاية - محمود الترامسى) .
ويقول الحاج رشاد عندما كان تنتهى فترة عمل القطار
ويقف فى محطته الأخيرة، تهرول إلية الأطفال للهو واللعب، ويقول كنا نجرى ونمرح
ونركب وننزل من على ظهرة حتى وقت متأخر من الليل، فتعرض أخى إبراهيم وهو فى سن
المراهقة لحادثة ووقوع من على متن القطار وكسرت زراعة وأصيب بجرح قطعى فى الفخذ
مما اضطرت العائلة السفر به إلى القاهرة للعلاج . .
ومن نوادر هذا القطار، كان الشباب من منطقة
"السقالة" يأتون إلى منطقة "الدهار" لحضور عروض السينما فى
نادى الكلوب وسينما الغسالين، وعند عودتهم بعد إنتهاء العرض يقوموا بفك العربة
الأخيرة من القطار ويدفعوها فى إتجاة السقالة ثم يصعدون على متنها مستغلين انحدار
الطريق وأيضا إتجاة الرياح المواتية التى تساعد فى سرعة العربة، وبما أن هؤلاء
الشباب من عائلات الصيادين كانوا يخلعون جلابيبهم ويرفعونها على هيئة شراع مما
يزيد من سرعة العربة وهم فى غاية الفرح ويغنون الأغانى الخاصة بالبحر حتى تقترب
العربة من نهاية الخط فيقفزون من عليها فى الظلام ويتركوها قبل أن يكتشف أمرهم.
0 تعليقات