آخر الأخبار

أخطاء اردوغان الخطيرة




 

 

 

عمر حلمي الغول

 

 

لم تشهد العلاقات التركية العربية في العصر الحديث تصدعا، كما تعيشه منذ تفرد الرئيس طيب رجب اردوغان بالحكم عام 2014، وبانقلابه على شركاء الأمس عبدالله غُل، واحمد دواود أوغلو وعبد الرحمن غولن من 2013 حتى 2016، واندفاعه المحموم نحو بناء إمبراطورية عثمانية جديدة على أنقاض علاقات الصداقة والتعاون العربية التركية، رغم كل ما أصاب تلك العلاقات من خطايا في أزمان خلت، مازالت آثارها حتى الآن راسخة في الوعي العربي.

 

 

 

بيد أن الرئيس التركي المسكون بنزعة العظمة، وإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، والمتسلح بعقيدة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والمدعوم من قبل الولايات المتحدة والتوافق مع إسرائيل الاستعمارية على اقتسام النفوذ في الوطن العربي، رغم ما شاب العلاقات مع الدولتين من تصعيد إعلامي بعضه شكلي في أكثر من قضية خلافية حول الدور والوظيفة التركية داخليا وفي الإقليم، أبى إلا أن يضرب جذور تلك العلاقات الإيجابية، وينقض على النظرية السياسية الدبلوماسية، التي رفعتها حكوماته المتعاقبة منذ 2002، وهي "تصفير المشاكل" مع دول الجوار الإقليمي والعالم. معتقدا ان الشروط الجيوبوليتكية في الإقليم باتت مهيئة وناضجة لغزو دول الجوار العربي في قارتي آسيا وأفريقيا مع اندلاع شرارات "ثورات الربيع العربي" 2011، التي فتحت شهيته، وأيقظت نزعاته الإمبراطورية، لا سيما وان من قادها فروع جماعة الإخوان في مصر وتونس وليبيا وسوريا والمغرب والسودان، فضلا عن الانقلاب الإخواني في فلسطين 2007، الذي مثل رأس حربة للمشروع الإخوان، وهدف التنظيم الدولي للجماعة من ذلك تحطيم كل المقدسات، وأولها القضية الفلسطينية بهدف تمزيق الورقة الأهم والجامعة بين العرب.

 

 

 

في ضوء ذلك، قام بالتدخل في العراق الشقيق وخاصة في منطقة الموصل وكردستان العراق، ثم اتجه صوب سوريا وتورط فيها من خلال دعمه للقوى التكفيرية في الشمال السوري، وناصب مصر العداء بعد الإطاحة بنظام الرئيس الإخواني، محمد مرسي العياط 2013، وأخيرا في ليبيا من خلال تورطه بدعم فريق ليبي على حساب فريق، ضاربا عرض الحائط باتفاق الصخيرات المغربي بين الأطراف المتنازعة. فضلا عن إقامته قواعد عسكرية في قطر والسودان والصومال وجيبوتي لتوسيع نفوذه الإقليمي وعلى حساب الدول والشعوب العربية. ولن يتوقف عند حدود الدول المذكورة، بل حاول وسيحاول التدخل ومد النفوذ في تونس ودول المغرب العربي الكبير، وذلك لتحقيق هدفين بضربة واحدة، الأول تحقيق الحلم بإحياء الإمبراطورية العثمانية الجديدة، والثاني تقوية النفوذ التركي على حساب العرب ومشروعهم القومي، وفي السياق اقتسام النفوذ مع إسرائيل الاستعمارية، وإلى حد ما مع إيران الفارسية، حيث تتكالب المشاريع الثلاثة على المشروع القومي العربي.

 

 

ومما لا شك فيه، ان حالة التردي والتفكك في المنظومة السياسية العربية الرسمية، والحروب البينية فيما بين الأنظمة، وتغير منطق التحالفات في الإقليم، والارتهان للمخطط الصهيو أميركي سمح لنظام حزب العدالة والتنمية التركي، ونظام الملالي وقبلهما لدولة الاستعمار الإسرائيلية من الاستئساد والتغول على الكل العربي وخاصة قضية العرب المركزية. رغم الخلافات بين أصحاب المشاريع الثلاثة، لكنهم جميعا متفقون على استهداف الشعوب والدول العربية، والأهم الحؤول دون نهوض وصحوة العرب، وصعود رواد المشروع القومي العربي النهضوي، ولكل منهم حساباته ومصالحه وخلفياته الخاصة.

 

 

لذا نرى أن تورط الرئيس اردوغان المباشر وغير المباشر في الدول العربية لا يقل خطورة عن إسرائيل الاستعمارية، ولا عن إيران الفارسية، لأنه أوغل في تدمير وحدة الأراضي العربية في سوريا وليبيا وحاول وسيحاول في العراق، ويهدف بشكل مباشر، وليس غير مباشر بتهديد الأمن القومي المصري، مما حدا بالرئيس السيسي أيضا قبل يومين ومن مشارف الحدود المصرية الليبية بطرح مبادرة جديدة للسلام في ليبيا لكبح جنوح حكومة الوفاق برئاسة السراج من التورط أكثر في المتاهة التركية، واعتبر ان التقدم التركي والجماعات التكفيرية الإخوانية واحتلال مدينتي سيرت ومصراته خطا احمرا، لا يمكن السكوت عنه. وعزز موقفه ما جاء في البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري العربي الأخير قبل يومين حول المسألة الليبية، والذي اكد على رفض التدخل التركي، وطالب كل الأطراف المتورطة بالخروج من ليبيا، والالتزام بالاتفاقات المبرمة وخاصة اتفاق الصخيرات.

 

 

من مصلحة الرئيس رجب طيب اردوغان ترميم العلاقات التركية العربية، وإعادة الاعتبار لمبدأ ونظرية "تصفير المشاكل" لا العكس، ويستطيع تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية وأمنية أفضل ألف مرة من الخيار الذي ينتهجه الآن. فهل يراجع حساباته، ويصحو من حلم لن يتحقق مهما فعل، لإن التاريخ الراهن والمستقبلي، ليس هو ذات تاريخ سلاطين العثمانيين الأوائل، والعرب وان بدا وضعهم بائسا ومهلهلا، غير ان الشعوب العربية ونخبها الوطنية والقومية والديمقراطية حسبما اعتقد، أخذوا يتلمسون طريقهم نحو الخروج من براثن الهزيمة وحسابات أهل النظام الرسمي المتعفن.

 

 

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات