آخر الأخبار

الحرب العراقية الإيرانية وثائق أمريكية وعراقية

 

 





 

 

رياض محمد

 

 

 

يلفت نظري تشبث كم هائل منا (عراقيين وعرب ومثقفين وغيرهم) بسردية تكاد تحظى بالإجماع عن بدء الحرب في أيلول 1980.

 

 

 

هذه السردية هي جزء مهم من سردية اكبر تعيد جزء كبير من تاريخنا المعاصر الى ما يسمى بنظرية المؤامرة. وعليه يقتنع هؤلاء أن صدام شن الحرب مع إيران بتنسيق مع الولايات المتحدة ودول الخليج لضرب الثورة الإسلامية الناشئة وإسقاط نظام الخميني.

 

 

 

مشكلة هذه السردية ليست فقط أنها جزء من نظرية المؤامرة (وهي غير علمية) بل إن وثائق نظام صدام حسين قد تم العثور عليها ودراستها ونشر جزء كبير منها وهي متوفرة – ببحث بسيط على الانترنت – باللغة العربية والانكليزية كما أن وثائق إدارة كارتر قد نشر أيضا جزء مهم منها وهي متاحة على الانترنت باللغة الانكليزية. كل هذه الوثائق تثبت بلا جدل أن أسطورة اتفاق صدام مع الولايات المتحدة لشن الحرب مع إيران ليس لها أي أساس.

 

 

 

لازلت رغم مرور قرابة عقدين على إعدام صدام اكرهه أكثر من أي شخص على هذه الأرض لأنه ببساطة المسؤول الأول عن تدمير حياتنا كعراقيين. لكن كرهي هذا له لا يحتاج لان يكون صدام (عميلا) أمريكيا لكي يكتمل. ما الذي يهمني اليوم ان كان صدام عميلا أمريكيا او وطنيا عراقيا؟ ما يهمني هو سياساته وقراراته الغبية التي أدت الى تدمير العراق.

 

 

كما ان مذكرات كثير من شهود تلك الحرب تكاد تجمع على ان حكاية اتفاق صدام مع الغرب لضرب إيران ليس لها أساس. راجع مثلا كتب وفيق السامرائي ومذكرات رعد الحمداني ونزار الخزرجي بالإضافة الى مذكرات الرئيس كارتر التي توضح في العديد من صفحاتها ان الولايات المتحدة لم تكن تريد هذه الحرب وأصرت على تبني موقف محايد (في ظل إدارة كارتر). وشذ حسن العلوي عنهم وقال في كتابه ايديلوجيا الضم ان صدام أوحي له بضرب إيران في مقابل تغاضي الغرب لاحقا عن المطالب العراقية بالكويت أو جزء  من الكويت عبر وزير الخارجية البريطاني الأسبق جورج براون الذي ربطته علاقة جيدة بصدام. لكن هذه الرواية ضعيفة وليس لها أي دليل مادي ملموس.

 

 

وفي محاولة لتصحيح هذه السردية في عقولنا انشر هنا 3 وثائق:

 

 الأولى مذكرة تحذير من مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ستانفيلد تيرنر لأعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي (الرئيس ووزير الخارجية والدفاع وآخرون) من ان المناوشات الحدودية بين العراق وإيران تصاعدت وقد تقود إلى حرب. صدر هذا التحذير في 17 أيلول 1980 قبل 5 أيام من الضربة الجوية العراقية في 22 أيلول 1980. ويوضح هذا التحذير مخاطر هذه الحرب على الأمن القومي الأمريكي (بما فيها عرقلة إمدادات النفط) بما لايدع مجالا للشك ان الولايات المتحدة لم تتفق مع صدام لضرب إيران.  أطلقت هذه الوثيقة (حجبت السرية عنها) في عام 2004 وهي منشورة في موقع ارشيف الأمن القومي كجزء من وثائق أخرى ضمن كتاب عن العلاقات الأمريكية الإيرانية.

 

 

أما الوثيقة الثانية فهي تقييم شامل عن إيران للفترة مابين كانون الثاني 1980 حتى حزيران 1980 أصدرته مديرية الاستخبارات العسكرية العراقية قبل أسابيع قليلة من الحرب. كان هذا التقييم الذي قدر ان القدرات العسكرية الإيرانية تضررت بشكل ملحوظ بعد الثورة الإسلامية احد أهم ما استند إليه صدام حسين في قراره بتصعيد النزاع مع إيران وإلغاء اتفاقية الجزائر وشن الضربة الجوية وبدء غزو الاحواز. استولت القوات الأمريكية على هذا التقرير بعد سقوط نظام صدام في عام 2003 ونشر التقرير في عام 2011 خلال مؤتمر عن الحرب العراقية الإيرانية نظمه مركز أبحاث وثائق النزاع التابع لجامعة الدفاع الوطني بالتعاون مع مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في واشنطون. والتقرير متوفر بالانكليزية والعربية على موقع مركز أبحاث وثائق النزاع.

 

 

أما الوثيقة الثالثة فهي تسجيل صوتي لاجتماع مشترك لمجلس قيادة الثورة والقيادتين القومية والقطرية لحزب البعث في 16 أيلول 1980. يتحدث فيه صدام وآخرون عن قرار إلغاء اتفاقية الجزائر والمواقف الدولية والإقليمية المتوقعة في حالة اندلاع الحرب مع إيران. والاجتماع يوضح أن الأعضاء العرب في القيادة القومية (مثل شبلي العيسمي) حذروا صدام من تبعات هذه الحرب رغم ان نبرة الاجتماع النهائية كانت في دعم صدام في قراره. ونشر التسجيل ومحضره المترجم في نفس المؤتمر المشار اليه في الوثيقة الثانية في واشنطون عام 2011. كما أعيد نشر التسجيل على اليوتيوب.

 

 

السؤال المهم هو إذا لم يكن صدام عميلا للغرب كما يؤمن الكثير منا فلماذا ألغى اتفاقية الجزائر وشن الضربة الجوية والهجوم البري في 22 أيلول 1980؟

 

 

 

الحقيقة التي تثبتها الوقائع وشهادات اغلب شهود تلك المرحلة أن صدام ومنذ توقيعه اتفاقية الجزائر كان يتطلع لإلغائها.

 

 

 وجاءت الثورة الإسلامية وتصاعدها وانتصارها كفرصة ظنها ذهبية لذلك. من جهة أخرى أدى الصراع المتصاعد مع حزب الدعوة ومرجعية محمد باقر الصدر عبر أحداث خان النص وانتفاضة صفر ثم قرار إعدام الدعاة وإعدام الصدر بعد تفجير المستنصرية الى اقتناع صدام ان خير وسيلة للدفاع هي الهجوم .

 

 

 ومن يستمع للتسجيل الكامل للاجتماع المشترك سيجد ان النزاع مع إيران تصاعد جذريا في أيلول 1980 بما فيها إرسال العراق قوات لاستعادة مخافر حدودية قبل إلغاء اتفاقية الجزائر. كما يروي قادة الجيش العراقي الذين نشروا مذكراتهم مثل وفيق السامرائي ورعد الحمداني ونزار الخزرجي ان اجتماعات عسكرية جرت للتحضير للحرب مع إيران في صيف 1980.

 

 

ان نفي تأمر صدام مع الغرب لشن الحرب على إيران لا يعني ان الغرب لم يدعم صدام لاحقا بشكل أو بأخر (في ظل إدارة ريغان) كما لاينفي ذلك أن إسرائيل والولايات المتحدة سلحت إيران في مقابل الإفراج عن الرهائن. لكن كل هذا حدث بعد أن شن صدام الحرب ولم يكن جزءا من آلية صنع قرار الحرب.

 

 

 

لماذا نظرية المؤامرة؟ حلل الكثيرون هذه الظاهرة وأنا مقتنع ان جزء أساسي من تمسك الكثير منا بها نابع من الكسل أو الجبن. فالمؤمن بها لايحتاج الى متابعة الأخبار ولا يحتاج الى قراءة الكتب أو الى ممارسة أي جهد فكري لان التاريخ كله مؤامرة بين الحاكم المستبد (صدام هنا) والقوة الدولية الكبرى (الولايات المتحدة) وبالتالي كل شيء مفهوم وسهل التفسير.

 

 

 أما الجبن فهو أن المؤمنين بهذه النظرية لديهم التبرير لتقاعسهم عن محاولة تغيير الأوضاع إلى الأفضل (فتغييرها في ظل صدام صعب أو مستحيل فما بالك إذا كانت الولايات المتحدة معه.؟)

 

والنتيجة هي جيل لا يقرأ ولا يحلل (إلا في نطاق نظرية المؤامرة) ولا يعمل لتغيير الواقع السياسي إلى الأفضل.



SADDAM HUSSEIN REGIME COLLECTION



https://nsarchive2.gwu.edu/NSAEBB/NSAEBB394/docs/80-09-17%20CIA%20Alert%20Memo%20Iran-Iraq.pdf?fbclid=IwAR2JRIZK7UtuZj8ivxy-HM9biZyZey37eaZGV6-EY7QPXorijD-psQFXSNs


https://conflictrecords.files.wordpress.com/2011/09/sh-gmid-d-000-842_arabic.pdf?fbclid=IwAR1vJ2DxcIVK-_iGJAimK6wW8e1evUTWLR5GyjiYaiJ7n88HASxGMIHcxSs

إرسال تعليق

0 تعليقات