آخر الأخبار

السوشال ميديا وإشكالية البحث عن المكانة





 

 

 

 

كتب: شيماء إسماعيل*

 

 

 

 

يعتقد عالم النفس الشهير إبرام ماسلو ، أن الحاجة إلى الانتماء هي حاجه أساسيه عند الإنسان، إن تشعر بأنك منتم لفئة معينه سيتحقق ذاتك. فى عصر ما قبل الانترنت كانت الفئات واضحة و محدده ، العائلة ، الأصدقاء و الزملاء و المواطنين و على مستوى أوسع المؤمنين بفكرة ما . لكن فى عصر الانترنت تكاثرت الفئات و تنوعت و أصبحت غير محدودة بحدود الوطن و الجغرافيا . بل هى انتماءات عابره للثقافات و القارات و الأديان .

 

 

وقد وفرت السوشيال ميديال ، مساحة للالتقاء بين الناس من كافة أنحاء العالم ، و كما يفعل الناس على ارض الواقع ، انشئوا ( مجموعات ) ينتمون إليها فى السوشيال ميديا أيضا . لقد قام البشر بنقل احتياجاتهم ، عواطفهم و مخاوفهم معهم لعالم مواقع التواصل الاجتماعي .

 

 

هذه الفئات متنوعة جدا . تبدأ من الجمهور الرياضي ، جمهور الدين و المذهب ، ( الفانز) للشخصيات الفنية و المشهورة ، وصولا إلى الجمهور السياسي للأيدلوجيات و الشخصيات السياسية و الأنظمة .

 

 

 

Persona أو الدور \ القناع الخاص ، إمكانية توفرها السوشيال ميديا بغزاره . فأنت من خلال اختيارات محدده تستطيع ارتداء قناع المثقف أو المتدين ، المتحرر أو المرح ، المدافع عن القضايا الكبرى و المتمرد ، الرومانسي و الشاعر و الأم الحنون و المرأة الجميلة .

 

لكن هل هذه الأقنعة زائفة ؟

 

ما يحدث فى السوشيال ميديا هو إمكانية أبدية صور محددة . خاصة فى المنصات التى تعتمد على الصور كثيرا مثل الانستغرام و السناب شات .

 

 

يواجه الجيل الشاب سيلاً من صور الأنيقين ، المشاهير ، الأثرياء أصحاب البشرات الصافية و الأجساد المثالية و قصص الحب الملتهبة الناجحة من جهة أخرى ، تقدم السوشيال ميديا هذه الصور كنماذج ( علينا أن نقتدى بها ) ، لذا يفرض علينا معايير هى خارج حدود ثقافتنا ، و إمكانياتنا فى اغلب الأحيان . فى هذه المنافسة الغير عادله ، على فتاة من الريف الهندى ، ان ترتدى و تتصرف مثل فتاة تعيش فى لوس انجلوس لكى نعرفها كفتاة سعيدة و ناجحة .

 

 

مع الوقت ، تسبب هذه المنافسات ، و المقارنات التى لا تنتهى بين سعادتنا البسيطة و سعادة الآخرين البراقة المبهجة الكثير من الشعور بالحنق على الذات و الآخرين . نضخم فشلنا لعدم وصولنا لتلك الصور المثالية و نعمم هذا الفشل على جميع أوجه حياتنا .عدم الرضا هو سمه شائعة بين الشباب . أحيان كثيرة نرتدي قناع المتنمرين لنشبع هذا الحنق و الغضب . لذا نرى حملات تنمر على سمنة الممثلة الفلانية أو لون بشرة الممثل الفلاني أو تنمر على الفرد الأضعف فى العالم الافتراضي بسبب الشكل و اللون و المهنة . نوع من الانتقام يعتقد الكثيرين انه مشبع لهم و تعويض . تعويض عن الضعف فى المنافسة و فرصه لفرض القوة على الآخرين ، إشباع مريض لرغبة السلطة .

 

 

يتجه الكثيرين من الذين يملكون الفرصة ، إلى عمليات التجميل أيضا . و هذا منتشر بين الرجال و النساء فى الوقت الحالى . أصبح تعريف الجمال مركز فى صوره جسديه معينه ، يتم الإعلان عنها ليلا نهارا فى السوشيال ميديا و يتبعها الجميع .

 

 

و من المثير حقا أن حتى المراهقين الأصغر سنا باتوا يتجهون للتجميل أو يفكرون فيه كحل . نحن نربى جيلا جميل وأنيق في السطح، لكنه غاضب و غير مشبع . جيل يعانى من ( قلق السعى الى المكانة ) كما يعبر عنه آلات دو بوتون و معرض للاكتئاب و السخط و عدم تقدير الذات او حبها حتى . إضافة الى تشويه صورة الذات و ما ينتج عنها من آثار نفسية و سلوكية سلبية مثل اضطراب فقدان الشهية العصبى الذى يهدد الحياة .

 

عندما نسمح لأنفسنا بالدخول فى هذه المقارنات ، فأن هذه حرب لن تنتهى أبدا ، تتغير المعايير سريعا فى السوشيال ميديا ، ما كان قيمه بالأمس ، قد يكون محل سخريه اليوم . و ما كان جميلا اليوم قد كان قبيحا بالأمس . و ان انجررنا الى هذا ، نتحول الى شخصيات زائفة . تتغير حسب الموجه بدون اى عمق .

 

 

لكن هل هذا كل شيء ؟ لا ، ما زال الإنسان قادر على الاستفادة و تطويع السوشيال ميديا .

 

 

 

وفرت السوشيال ميديا ، للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسيه مثلا ، فرصه و مساحه لإيجاد الدعم من الأصدقاء الذين قد يكونون أصدقاء لا يعانون من مشاكل نفسيه لكنهم يوفرون الدعم اللازم من خلال التواصل أو أصدقاء يعانون من الاضطرابات النفسية و لذا يشاركون قصصهم و تجاربهم معا و يدعمون بعضهم البعض – مستخدمين إحدى طرق العلاج النفسي بصوره حديثه – العلاج الجماعى . خاصة أن الكثير من هؤلاء المرضى ، ما زالو يعانون من التنمر و الإنكار من مجتمعاتهم. كما مع انتشار منصات الاستشارات النفسية فى العالم الافتراضي ، أصبح كثير من العملاء متحررين من الخجل من طلب المساعدة النفسية ، فهم محميين خلف أسماء زائفة ، تخفف قلقهم و تعطيهم فرصه للتعبير عن ذواتهم .

 

 

العالم الافتراضي هو عالم الاحتمالات ، و التكنولوجيا لا ترجع إلى الخلف و أما الإنسان ، كمال قال الكاتب الروسى دوستويفسكى "يعتاد كل شئ" . لذا تلك الأصوات التى تطالب بمقاطعة العالم الافتراضي لحماية الأخلاق و المجتمعات هى تطالب بأمور غير منطقيه . لذا الأجدر بنا ان نضع طرق و قوانين جديدة تحمى الفئات المعرضة للخطر و الاستغلال فى العالم الافتراضي و تحمى حقوق و كرامات الآخرين .

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

*معالج نفسى

 

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات