محمود جابر
معرفة الجذور المؤسسة لأي علم معرفى تمكن الإنسان من معرفة الخط الواصل بين البدايات والنهايات وهل حدث تكور او انحراف أو سكون أو تراجع لا يمكن معرفة ذلك دون الرجوع الى البدايات والجذور .
وحديثنا هنا منصب حول الفقه الجعفرى أو الفقه عن الشيعة الامامية ... والذين يمن لنا ان نقول :
لقد مرّ التدوين والتأليف الفقهي لدى الشيعة بمراحل مختلفة اختلفت فيما بينها في مددها الزمنية أو في مستوى التأثير والتفاعل أو في طبيعة القوة والنشاط أو الضعف والركود لتلك المراحل وكان لكلّ مرحلة أعلام تركوا بصماتهم الواضحة عليها. ولا أريد في هذه المقالة المضغوطة أن أنشغل بتأريخ تلك المراحل وإنجازات رجالها إلا بقدر التمهيد لما أريد أن أقوله لاحقاً .
كانت مرحلة عصر الأئمة هي المرحلة الأولى التي أُسس فيها للفقه الجعفري ومن الأكيد إن الأئمة هم الذين قاموا بذلك التأسيس لكنّ من غير الأكيد معرفة ما إذا كانت جهودهم المضنية تهدف إلى تأسيس فقه مذهبي بالمعنى الحالي لهذه المفردة، مع إن الظن يغلب إن إنجازاتهم الفقهية والفكرية كانت ذات طابع إسلامي عام بدليل تتلمذ أعلام كبار من أمثال أبى حنيفة وغيره على يديهم ، لقد قام الأئمة بوضع الأصول الفقهية الأولى ثم أمروا مريديهم وأتباعهم بتفريع الفروع على تلك الأصول.
فقد روى محمد بن إدريس في آخر (السرائر) نقلا من كتاب هشام بن سالم عن أبي عبد الله (الحسين ) قال: إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تفرعوا.
وفي هذه المرحلة تم تدوين تلك الأصول بصورة متفرقة ومشتتة حتى إن صاحب الوسائل قال إن عدد المتون التي أُلفت في تلك المدة (أي قبل الغيبة) بلغت أكثر من ستة آلاف وستمائة كتاب، تم توحيدها في المرحلة الثانية وهي مرحلة تدوين الحديث والروايات حيث جُمعت في أربع مجاميع حديثية كبرى هي :
1. كتاب الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 328/ 329 هـ.
2. كتاب من لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المتوفى سنة 381 هـ.
3. الاستبصار والتهذيب: لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 هـ.
وهذه الكتب حوت تقريباً أكثر الأحاديث المنقولة عن الأئمة الأطهار مع المحافظة على أسانيدها.
ومن ثم ظهرت كتب الأحكام الشرعية ومنها:
(المقنع) للشيخ الصدوق و(النهاية) للشيخ الطوسي.
وهذه الأخيرة حافظت على متن الرواية مع حذف الأسانيد بدون أي تدخّل أو تغيير. كما أنها كانت تقريباً شاملة لأكثر الأبواب الفقهية فكانت وظيفة الفقيه انتقاء المتون التي يراها صحيحة ويرتّبها كأحكام شرعية.
وقد كان المحدثون الأوائل كالصدوق والكليني وغيرهم، خصوصا خريجي مدرسة قم ينظرون إلى الاستدلالات العقلية بأنها نوع من القياس الذي نهى عنه الإمام، ولكن البعض كابن الجنيد الاسكافي وغيرهم رؤوا ذلك مشروعا وعملوا على ضوئه، مما شجّعهم على السير على خطى أهل السنة في الاجتهاد وإعمال العقل في استنباط الأحكام الشرعية وكانوا يستدلون بالعقل على كثير من الأمور ومن أولئك:
الأول : أبو محمد الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء (ابن أبي عقيل) المعاصر للكليني، شيخ فقهاء الشيعة، والظاهر أن الزعامة الدينية الشيعية كانت له بعد الغيبة الصغرى، انتقلت إليه بعد آخر السفراء الأربعة. وهو أول من أدخل الاجتهاد بشكله المعروف إلى الأبحاث العلمية، وصنف (المستمسك بحبل آل الرسول) الكتاب الذي كان في القرنين الرابع والخامس من أهم المراجع الفقهية عند الشيعة، وهو أول من حرر المسائل الفقهية وذكر لها الأدلة، وفرع عليها الفروع في ابتداء الغيبة الكبرى. وقد أثنى الشيخ المفيد على كتابه (المستمسك بحبل آل الرسول) ثم جاء من بعده.
الثانى : ابن الجنيد الإسكافي (ت 381 هـ) مؤلف كتاب (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة) و(الأحمدي في الفقه المحمدي) فسار على نهج ابن أبي عقيل. وقد أُطلق اصطلاح القديمين على هذين الفقيهين. ولكن الطائفة لم تأخذ بأقوال ابن الجنيد وابن أبي عقيل لأنهما كانا يعملان بالقياس والرأي، وكانا يعتبرانه حجة، ولذا لم يعتمد على أقوالهم. وكان ابن أبي عقيل لا يرى حجية خبر الواحد، وكانت فتاواه تعتمد على الأمور المسلمة في القرآن والحديث، ولم يعتمد إلا على الأحاديث التي لا شك ولا شبهة فيها، والتي هي قوية محكمة، وكانت آراؤه مورد تقدير واحترام العلماء الأعلام. وأما ابن الجنيد فقد كان يرى حجية الأحاديث المذهبية، غير القطعية. ولأجل الدفاع عن نفسه أمام هجمات علماء زمانه ألف كتبا عديدة منها (كشف التمويه والإلباس على اغمار الشيعة في أمر القياس) و (إظهار ما سره أهل العناد من الرواية عن أئمة العترة في أمر الاجتهاد).
وهذه كانت المرحلة التى سبقت مرحلة الشيخ الطوسى ....
0 تعليقات