رياض محمد
أتابع باهتمام ما يكتبه الكثير من العراقيين من مثقفين وغيرهم عن ثورة
العشرين في ذكراها المئوية. وما يثير الانتباه هو استمرار الانقسام بل الاستقطاب
في الرأي في حدث تاريخي مر عليه 100 عام وكشف عن كل وثائقه للبحث العلمي التاريخي
لمن يبغي فعلا ذلك.
لكن ما ألاحظه شيء آخر. فهناك مدرسة واحدة في التفكير يغيب عنها المنهج
العلمي. فالبعض يعيبون على الثورة مشاركة مراجع الدين والعشائر فيها فيصفوها
بالمتخلفة والرجعية. ولا يخطيء من يستشف في هذا الطرح نزعات تغريبية أو استشراقية.
وهؤلاء يستخدمون مسطرة عوجاء في اقتباس احكامهم. فهم يرحلون رأيهم الايجابي
في الانكليز – او الامريكان - عام 2020 الى الانكليز عام 1920. وهذا مما لاجدل فيه
خطأ كبير.
فانكليز 1920 كانوا محتلين مستعمرين مؤمنين بفكرة تفوق العرق الابيض
العنصرية. وهؤلاء هم غير من تمرون في دروبهم وانت تقطعون شوارع مدينة لندن – او
نيويورك - المدهشة في هذه الايام.
كما ان هؤلاء يرحلون امتعاضهم من الاسلام السياسي الشيعي الحالي وشيوخ
العشائر العراقية الحاليين ويسقطوه على المرجعية عام 1920 والعشائر العراقية حينها.
وهكذا يحيل بعض هؤلاء كرههم لحارث الضاري الى الشيخ ضاري ونقمتهم على مقتدى الصدر
الى محمد الصدر. ويحيلون رفضهم للتمرد الصدري في وسط وجنوب العراق ومعركة الفلوجة
الاولى في نيسان 2004 الى رفض لثورة العشرين.
والبعض الاخر يمثلون استمرارا للتلقين المدرسي في قراءة التاريخ الذي يصور
الانكليز وكأنهم شياطين حلت على العراق ورجال العشائر المنتفضة قادة استقلال وطني
او كما صورت الثورة في الفيلم العراقي (المسألة الكبرى). وبذلك تتحول الثورة الى
ملحمة وطنية خالدة ...الخ.
المشكلة هي نفسها في الطرحين. دراسة التاريخ لاتجرى وفق اسقاطات عاطفية من
المستقبل. فأي حدث ما – مهم مثل ثورة العشرين – يدرس وفق ظروفه الموضوعية حينها
وسير الشخصيات الفاعلة فيه واسباب انخراطها به سواء كانت شخصية ام غير شخصية. والتاريخ
يعلمنا انه في الغالب تكون دوافع ابطال اي حدث تاريخي شخصية مصلحية وعامة وطنية في
ان معا.
وبالعودة الى المقاربة السلبية للثورة فيجب ان نفرق بين امور كثيرة وان
تشابهت شكليا.
فاولا كان مقتدى الصدر والفلوجة يمثلان اقلية منبوذة عام 2004. كانت غالبية
المجتمع العراقي وزعاماته قد اختارت اللاعنف سبيلا للتعاطي مع الامريكيين.
اما في عام 1920 فقد كان العراق في غالبه مع الثورة لاسباب متعددة. وكانت
قيادات البلاد معها ايضا.
كما ان ما سمي زورا وبهتانا بالمقاومة بعد عام 2003 كان في جزء كبير منه
ارهابا اعمى استهدف العراقيين اولا لا الامريكيين. وكان كثير من زعماء هذه (المقاومة)
المزعومة ارهابيين وقتلة ومجرمين لا اكثر ولا اقل. وكان كثير منهم من اسافل القوم.
اما في عام 1920 فان الثورة لم تستهدف العراقيين الا نادرا او بالخطأ وان
حدثت اعمال نهب غير قليلة لمقرات الانكليز ودوائر الحكومة. كما ان من قاد الثورة
كانوا زعماء العراق من رجال دينه وشيوخ عشائره ومثقفيه وضباطه.
كما يغفل هؤلاء التلاحم السني الشيعي (الديني) في بغداد الذي ميز هذه
الثورة ومنحها بعدا او ابعادا وطنية.
ولا اظنني ابالغ ان قلت ان ثورة العشرين لايمكن مقارنتها الا بحدثين هما
انتفاضة 1991 وثورة تشرين 2019.
هناك ايضا طرح لاحظت انه (يتكاثر) وهو سرقة الثورة. وبينما اقر بصدق نوايا
من يطرحه او بعض من يطرح ذلك على الاقل , فانني ارى ان التركيز على قضية ان الثورة
سرقت من شعلان ابو الجون الى ضاري المحمود وان الشيعة قاموا بالثورة وتولى السنة
حكم العراق بسببها ليس فقط غير ذي جدوى بل غير دقيق او مبالغ به.
فانا شخصيا درست التاريخ في المدارس الابتدائية والثانوية في ظل حكم صدام
البعثي (السني التكريتي) ولازلت اتذكر ان فصل او صفحات ثورة العشرين من كتاب
التاريخ للصف السادس الابتدائي تتحدث عن بداية الثورة في الرميثة وحادث تحرير ابو
الجون.
وان كان فيلم المسألة الكبرى (ركز) على ضاري المحمود فانه تناول ايضا دور
بغداد ومعركة الرارنجية الشهيرة.
في الختام ادعو كل من يقرأ هذه السطور ان يحكم على ثورة العشرين – وهو حدث
تاريخي مهم ومفصلي في تاريخ العراق – بعد الاطلاع على ماكتب عنها بالمصادر
العراقية والانكليزية معا وان يسعى ان كان يجيد الانكليزية ان يطلع على الوثائق
البريطانية عنها ايضا.
وسأضع قائمة جيدة عن مصادر الثورة جمعها د.عبد الله العتابي في مقال نشر
قبل سنة في صحيفة الصباح. ويضاف الى تلك القائمة كتاب استاذنا الراحل علي الوردي
بجزئيه وكتاب الدكتور عباس كاظم.
0 تعليقات