محمود جابر
الشريف المرتضى
ومن أبرز تلامذة
الشيخ المفيد السيد الشريف المرتضى (355-436هـ) الذي تولى الزعامة الدينية
والسياسية للإثني عشرية من بعده والمرتضى أخ الشريف الرضي ولقبه علم الهدى، وكان
عماد الشيعة ونقيب الطالبيين ببغداد بعد أخيه الرضى ووالده وحتى فى زمانهم.
وكان ارتباط الشريف
المرتضى بالسلطة السياسية سواء مع الخليفة العباسي أو الأمراء البويهيين ما أثمر
فى إمامته لمسجد براثا، وبطبيعة الحال كان له قرب من الخليفة العباسى فى زمانه حتى
انه كان ممن كتب شهادة فى القدح فى نسب الفاطميين وشهد عليه باعتباره انه كان نقيب
الأشراف .
هذه المكانة والقرب
جعله يسقط التقية وفق اتفاق جرى بينه وبين الخليفة العباسى القادر، ومن هنا بدأ
التصنيف يأخذ منحى مغاير للفقه العام، متجاوزا حدود الفقه الى أصول الاعتقاد .
وقد صنّف كتباً عديدة
أبرزها كتبه في أصول الفقه، ومنها «الذريعة في علم أصول الشريعة» وهو يعتبر من
الكتب الأوائل لأصول المذهب .
وهكذا لم يكن قبل
الشريف المرتضى في أصول الفقه لدى الإثني عشرية رسائل مختصرة فجاء كتابه «الذريعة»
سنة 430هـ حاوياً لأمهات مسائل هذا العلم.
يقول المرتضى في
مقدمة كتابه: «إني رأيت أن أملي كتاباً متوسطاً في أصول الفقه لا ينتهي بتطويل إلى
الإطلال، ولا باختصار إلى الإضلال… وأخص مسائل الخلاف بالاستيفاء فإن مسائل الوفاق
يقل الحاجة فيها إلى ذلك».
ومن بعد أصول الفقه
كتب الشريف المرتضى فى العقائد وهو كتاب «الشافي» الذي لخصه الطوسي وسمّاه «تلخيص
الشافي»، وهو كتاب في أصول الدين ألفه لنقد كتاب «المغني من الحجاج» للقاضي عبد
الجبار المعتزلي الذي كان معاصراً له، وحتى يميز الاعتقاد الشيعى الاثنى عشرى عن
الاعتقاد المعتزلى، وخاصة بعد معركة خلق القرآن.
درس المرتضى على
المفيد ودرّس عدداً كبيراً من العلماء الإماميين المعروفين أبرزهم الشيخ الطوسي،
وكانت مساهمة المرتضى في علم الكلام الإمامي كبيرة مثلما مساهمته في الفقه السياسي
كحال استاذه، ووضع فتاوى وتقارير متعددة فى مسائل العمل مع السلطان وكتب الشعر
فيهم.
وتظهر أعماله في
الكلام والفقه اهتمامه باستخدام المبادئ العقلية للوصول إلى الحقيقة الدينية.
وكان كتابه «الذريعة
في أصول الشريعة» العمل الكامل الأول من نوعه ففيه ذكر الشريف المرتضى آراء كل
العلماء بشأن الأسس النظرية للشريعة، وبتأكيد المرتضى على رافض مبدأ القياس وشارحاً
اعتراضات الإمامية على هذه المبادئ التي يستعملها الفقهاء السنّة في استنباط أحكام
الشريعة ومن هنا أكد على فكرة تمايز الفقه الإمامى عن عن غيره من مدارس الفقه .
وقد كتب أيضاً
أعمالاً عدة في الفقه المقارن والعلمي، وله كتاب «الرسائل الجوابية» على المسائل
العلمية المتعلقة بصلاحيات الفقيه في التعامل مع الحكومات الجائرة.
ويتميّز منهج المرتضى
في البحث عن أسلافه من علماء الشيعة وفقهائهم، وخصوصاً أستاذه المفيد وابن أبي
عقيل العماني وابن الجنيد الذين كانوا رواد الاجتهاد الشيعي، في قيامه بفحص
الروايات المنقولة عن أئمة أهل البيت فحصاً علمياً ونفي ما علق بهذه الروايات من
الغلو والجبر والتجسيم والتشبيه والى تحديد الفرق بين المذهب الشيعي الإثني عشري
والمذاهب الشيعية الأخرى كالزيدية والاسماعيلية والوافقية.
كما أدخل الاجتهاد
وحق النظر في ما ورد من أحاديث الفقه الإمامي وأسس له أصولاً لفظية وعقلية يعتمد
عليها في فهم تلك النصوص، وهي أصول سبق لأهل السنّة أن حرّروها وبحثوها ولم يكن
للإمامية فيها نصيب. ولكن العماني وإبن الجنيد، قبل السيد المرتضى، التفتا إلى خطر
هذا الفن في معرفة الأحكام الشرعية وتابعهما المرتضى وزاد، فكانت أصوله تتفق
كثيراً مع أصول العامة (أهل السنّة) وتختلف معها فيما يمكن أن يتعارض مع أصول
المذهب الإمامي، فلم يقبل إجماعاً ولا قياساً في حدود ما ألفت العامة، وقبل القياس
في حدود العلة المنصوصة، وله في ذلك رسائل متناثرة وكتب أهمها: كتاب الذخيرة.
وألّف في الفقه المقارن فوازن بين مذهبه محتجاً له، وبين المذاهب الأخرى محتجاً
عليها وله في ذلك كتب أهمها «الانتصار» و«الناصريات» وفرّق بين الإمامية والمعتزلة
والزيدية وأشار إلى مواطن التقائهم وخلافهم.
وكان الإمامية في ذلك
العصر كثيري التساؤل والاعتراض على صنيع السيد المرتضى في أصول المذهب ولهذا
أكثروا ونوّعوا الأسئلة، وكان يجيب عليهما بما يجلو لهم الشبه ويزيل الشكوك. وكانت
طريقته في أصول الفقه متابعة دليل العقل مخالفاً بذلك الأشاعرة والظاهرية من
الإمامية أي الأخباريين، وموافقاً للمعتزلة. وقد ذهب إلى عدم جواز العمل بخبر
الواحد في المسائل الفقهية. كما كان يستفيد في عمليه الاستنباط من الأدلة الأصولية
لفظية وعقلية وهو بذلك خالف الأخباريين من الشيعة.
وقد مهد الشيخ
المفيد، المرجع الوحيد للإمامية آنذاك، لتلميذه المرتضى أن يخلفه في المرجعية فكان
يجلسه في مكانه. وهكذا تحوّل مجلس المرتضى إلى مركز علمي وثقافي في بغداد ومقر
مرجعية الإثني عشرية السياسية والدينية بعد وفاة المفيد. والجدير بالذكر أن مصنفات
المرتضى قد تجاوزت الثمانين كتاباً ورسالة، وأنّه بلغ الثمانين من العمر، كما كانت
له مكتبة تضم ثمانين ألف كتاب وكان يملك ثمانين قرية ولذلك لقب بـ«ذو الثمانين» أو
«الثمانيني».
0 تعليقات