عز الدين البغدادي
عندما كان تنظيم
الضباط الأحرار منهمكا في الترتيب لانقلاب يطيح بالحكم الملكي كانت مسألة التعامل
بعد النجاح مع الملك من المسائل المطروحة، يقال بأن التنظيم لم يكن متفقاً على
طريقة التعامل مع الملك، فهناك من يرى ضرورة الإبقاء على حياته وإظهاره على شاشة
التلفاز ليعلن تأييده للثورة، كما حدث في انقلاب صدقي سنة 1936، والبعض كان يرى
التعامل بالطريقة التي تم التعامل بها مع الملك في مصر. وحقيقة كان هناك تخوف من
تكرار تجربة مايس 1941 حيث هرب الوصي ونوري السعيد واستعانا بالانكليز للرجوع الى السلطة،
والفتك بالثوار.
كان من أهم الحوادث
التي جرت يوم 14 من تموز هو ما حصل من فتح النار على العائلة الحاكمة وهو ما أدى
الى مقتل الملك فيصل الثاني وهو في الثالثة والعشرين من عمره مع أفراد أسرته.. واقعا
كان أمرا مؤلما جدا، لا سيما وأنه حصل بعد ست سنوات من انقلاب 1952 في مصر، حيث
التعامل مع العائلة الحاكمة باحترام وتم نفي الملك الى ايطاليا في توديع أطلقت فيه
21 طلقة مدفعية.
كان مقررا في 18 تموز-
يوليو 1958 أن يسافر الملك الشاب فيصل الثاني إلى إسطنبول، على متن طائرة “فايكاونت”
تابعة للخطوط الجوية العراقية ومعه رئيس وزرائه نوري سعيد ولفيف من وجهاء الدولة
والوزراء وذلك لحضور مؤتمر دول حلف بغداد، ثم كان من المقرر أن يتوجه الملك الى
لندن للقاء خطيبته الأميرة فاضلة، سليلة الأسرة الخديوية بعد ان حدد موعد زفافهما
في نفس السنة.
لكن في صباح يوم 14
تموز 19580 وقع الانقلاب، وانتشرت القوة القائمة بالانقلاب وسيطرت على المراكز
الرئيسة في بغداد. استيقظ الملك وأسرته على أصوات طلقات نارية، وبعد توتر وتأهب
وارتباك جاء أحد خدم القصر راكضاً ليخبرهم بأنه سمع الراديو يعلن عن قيام ثورة،
فتح الأمير عبد الإله المذياع ليسمع البيان الأول للثورة بصوت العقيد عبد السلام
عارف، الأمور جرت بشكل سريع، وأعلن عن أسماء الضباط المساهمين بالحركة، وتم إعلان
الجمهورية، وطلب من العائلة الملكية تسليم نفسها.
أعلن الملك استسلامه،
وطلبت منه القوة المحاصرة للقصر بالخروج مع من معه، خرج ومعه خاله الأمير عبد
الإله وأمه الملكة نفيسة جدة الملك والأميرة عابدية أخت عبد الإله، ثم الأميرة
هيام زوجة عبد الإله والوصيفة رازقية وطباخ تركي وأحد المرافقين واثنين من عناصر
الحرس الملكي.
خرج الملك وأسرته
واصطفوا في باحة القصر، وفجأة قام النقيب (عبد الستار سبع العبوسي) بفتح النار
عليهم من غدارة كان يحملها بالرغم من قيام جدة الملك (نفيسة) برفع القرآن الكريم
فوق رأس الملك وتوسلها به وبجنوده في تركهم أحياء.
أصيب الملك برصاصتين
في رأسه ورقبته وأصيب عبد الإله في ظهره ثم لقي حتفه هو الآخر وتوفيت على الفور
الملكة نفيسة والأميرة عابدية وجرحت الأميرة هيام في فخذها.
نقلت جثة الملك إلى
مستشفى الرشيد العسكري في إحدى غرف العمليات، للتحقق من وفاته، وفي مساء اليوم
نفسه حفرت حفرة قريبة من المستشفى في معسكر الرشيد، وأنزلت فيها الجثة وأهيل عليها
التراب، ووضعت بعض العلامات الفارقة معها لتدل على مكانها فيما بعد، ثم تم نقل
الجثة ودفنها في المقبرة الملكية في منطقة الأعظمية في بغداد.
بلا شك كان أمرا
مفجعا، واستعمالا غير مبرر للقوة. ولسنوات بقي الأمر محيرا، هل أن ما حصل كان أمرا
مقصودا أو اجتهادا خاطئا من النقيب العبوسي؟ هل ما حصل كان يعبر عن الشخصية
العراقية التي تميل لحل الأمور بطريقة أكثر عنفا؟ تذكرت عبارة قرأتها في كتاب عن "منيف
الرزاز" القيادي البعثي الأردني الذي قتله صدام، واذكر عبارة وردت فيه تقول
بأن الرفاق السوريين (البعثيين) كانوا يستغربون من ميل أقرانهم العراقيين لاستعمال
العنف المبالغ فيه.
عموما، عبد الستار
العبوسي بقي تحت تأثير الحدث وتأنيب الضمير، ويقال بأن حالته العقلية والنفسية
تردت، ولم يستطع الاستمرار في هذه الحالة التي كان عليها وأراد التخلص من عذاب
الضمير فانتحر بمسدسه الشخصي عام 1970 وكان برتبة عقيد ركن في الجيش العراقي.
بقي امر غريب يستحق
أن نذكره وهو أن العبوسي لم يكن من ضمن التنظيم العسكري ولا من المبلغين بالثورة،
ولكنه كان برتبة رئيس أول (نقيب) وآمر دورة تدريب مشاة في مدرسة المشاة بمعسكر
الوشاش القريبة من القصر وبعد سماعه أنباء تحرك الجيش توجه إلى مقر العائلة
المالكة في قصر الرحاب وقضى على العائلة الحاكمة.
(الصورة على اليمين
للنقيب عبد الستار العبوسي)
0 تعليقات