آخر الأخبار

الشيعة والسلطة… وثورة العشرين




 

 

عز الدين البغدادي

 

 

طوال سيطرة الحكم العثماني على العراق كان شيعة العراق أكبر المتضررين من سيطرة هذا الحكم، إلا أنّ الشيعة كان موقفهم وطنيا وإسلاميا مشرفا حينما رفضوا أن يقبلوا بالحكم البريطاني، وانتفضوا مع غيرهم من أبناء وطنهم من السنة والكرد للدفاع عن بلدهم.

 

هناك قراءة تقول بأن الشيعة أخطؤوا بذلك، وكان عليهم أن يتحالفوا مع الانجليز، إلا أنهم اخطؤوا التقدير وأعلنوا الثورة وهو ما أدى إلى إقصائهم من السلطة في الدولة العراقية الحديثة التي تأسست سنة 1921 عقوبة لهم، بينما استغل السنة (كزعامات دينية وسياسية واجتماعية) الفرصة وخطفوا السلطة بعد التحالف مع بريطانيا رغم أنهم كانوا الطائفة المدللة والمهيمنة في ظل الحكم العثماني.

 

 

وقد دعت هذه القراءة الشيعة إلى أن يستفيدوا من الدرس عند الاحتلال الأمريكي لكي يتحالفوا مع الاحتلال الجديد حتى يأخذوا استحقاقهم من السلطة.

 

 

طبعا هذه النظرية سقطت، وبان فسادها على أرض الواقع بعدما شارك السنة والشيعة في مقاومة الاحتلال كما وجد الاحتلال الأمريكي عملاء يتسابقون على أرضائهم من كل الطوائف.

 

ومع ذلك فإن هذا لا يمنع من نقاش هذه الفكرة وبيان خطئها، فواقعا إن عدم حصول الشيعة على مكاسب في الحكم لم يكون عقوبة لهم على مشاركتهم او قيادتهم الثورة بل يرجع لعوامل أهمها:

 

 

العامل الجغرافي: حيث إن مناطق السنة تتركز في الوسط أي إنها أقرب إلى العاصمة وهو ما جعلهم أقرب إلى المراكز التعليمية التي تمكنهم من تحصيل دراسي جيد وتجعلهم أقدر على التماس مع مراكز السلطة والقرار. ويمكن أن يتضح لك الأمر عندما ترى أنّ الحلة والنجف ربما بدرجة أقل كان لأبنائهما مشاركة هامة في السياسة أفضل من غيرهم من الشيعة بسبب قربهم من بغداد، كما ان من شاركوا في السياسة من أبناء الجنوب في معظمهم هم ممن درسوا في بغداد.

 

 

العامل الثقافي: في الفقه السني لا توجد عقد فقهية في التعامل مع السلطة بخلاف الفقه الشيعي الذي يحرم التعامل مع السلطة والذي يرى أن العدالة تقترن بالمشروعية ولما كانت كل سلطة غير سلطة الإمام المعصوم غير مشروعة فإنها ليس عادلة أي ظالمة ويحرم التعامل معها. فضلا عن الفتاوى التي لا ترى مالكية الدولة بل وحرمة التوظيف في دوائر الدولة بل وحتى الدراسة في مدارسهم، ولا ادري كيف يمكن أن تأخذ طائفة دورها في ممارسة السلطة اذا كانت هناك فتاوى كهذه تؤثر عبيهم بل وتسيرهم.

 

العامل النفسي: لقد تعرض أبناء الجنوب لإذلال طويل مزدوج من العثمانيين من جهة ومن الإقطاع من جهة أخرى، وهو أمر مؤلم لكنه واقعي، وهذا ما جعل الكثير من عامة الناس يقتنعون بأبسط ظروف العيش ، ولا يفكرون بما هو أبعد من ذلك.

 

العامل التاريخي: وهو طول العمل السياسي التي جعلت كثيرا من السنة يتقنون العمل السياسي بمرونة ويقرأون الحدث حتى ولو ببعض الانتهازية كما هو موقف عبد الرحمن النقيب الذي كان الرجل الأول في بغداد من حيث علاقته بالسلطة العثمانية ثم تحول بسرعة الى موالاة الانكليز.

 

ان القيام بالثورة وإدارتها لا يعني بالضرورة النجاح في إدارة السلطة وشؤونها، فمن السهل ان تكون معارضا لكن ممارسة السلطة بشكل ناجح أصعب من ذلك بكثير.


إرسال تعليق

0 تعليقات