مؤمن سلام
في محاولة من عبيد
العثمانيين القُدامى والجُدد لتبرير الفعل العنصري واللاحضاري للسلطان العثماني
غازي أردوجان بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، إدعى هؤلاء أن الخليفة محمد الثاني
الشهير بمحمد الفاتح قد اشترى الكاتدرائية قبل أن يحولها إلى مسجد.
وبالرغم أن هذه الرواية
لا يوجد عليها أى دليل تاريخي ولم يذكرها أي مؤرخ مسلم فضلاً عن المؤرخين غير
المسلمين، حتى في كتاب تاريخ الدولة العلية العثمانية لمحمد فريد بك خليفة مصطفى
كامل في رئاسة الحزب الوطني والمعروف بتحيزه للدولة العثمانية والمؤيد لاستمرار
تبعية مصر لهذه الخلافة، لم يذكر في كتابة أى شيء عن شراء الكاتدرائية بل على
العكس فقد أشار ولكن دون تفصيل للمجازر التى قام بها جنود محمد الثاني على مدار
ثلاث أيام في ص. 165 بقولة “هذا ثُم دخل السلطان المدينة فوجد الجنود مشتغلة
بالسلب والنهب وغيره” فالمعتاد في هذا الزمان أن يُبيح الملك أو الإمبراطور
المدينة المهزومة ثلاث أيام لجنوده يسرقون وينهبون ويقتلون ويغتصبون كمكافئة لهم
على انتصارهم، ثم يدخل الإمبراطور المدينة فتتوقف هذه الجرائم، وهذا ما فعله
الخليفة العثماني محمد الفاتح، حيث امتدت أيضاً يد التخريب والسرقة والقتل إلى
الكاتدرائية ومن فيها من نساء وأطفال وشيوخ لجاوا إليها خوفاً من القتال، وكذلك
الرهبان وعلى رأسهم الباطرك الذي تختلف الروايات في تحديد مصيره ما بين القتل
والإختفاء بشكل إعجازي. وبدخول الخليفة إلى المدينة توجه إلى الكاتدرائية وأعلن
رغبته في تحويلها إلى مسجد فصعد أحد أتباعه من الشيوخ إلى منبر الكنيسة وأعلن
الشهادتين مُعلناً تحولها إلى مسجد.
بالرغم من كل هذا
دعونا نفترض أن محمد الثاني بالفعل دفع نقود مقابل امتلاك آيا صوفيا هل بهذا يكون
قد اشتراها وامتلكها بشكل قانوني يجعله حر التصرف فيها؟
الأصل في البيع
والشراء هو التراضي ورغبة كلا الطرفين في إتمام الصفقة، وهنا يجب أن نتساءل عن
حقيقة رغبة بطريركية القسطنطينية في بيع كاتدرائيتها ومقر باباويتها إلى محمد
الثاني، ولذلك يجب أن نتخيل المشهد، خليفة غازي منتصر قتل وذبح وسلب ونهب واغتصب،
ثم يستدعي شخص ما لا ندري من هو، فالبابا قد اختفي ولم يكن قد نُصب بابا جديد بعد،
فيُلقي له الخليفة بأموال حتى لو كانت كثيرة ويطلب منه أن يوقع على صك شراء
الخليفة للكاتدرائية، فهل نقول هنا أن هذا الشخص قد وقع حراً مختاراً؟ بالطبع لا،
فمنذ متى يشتري الطغاة ما يُريدون امتلاكه؟ هم يدفعون نقود في بعض الأحيان مقابل
ما يستولون عليه كنوع من ادعاء الشرف والرحمة والعدل، ولكن البائع هنا ليس حُراً
في القبول أو الرفض أو حتى في التفاوض على السعر المعروض، هو أمام خيارين إما
التوقيع وأخذ النقود وتسليم ما يملك، أو الموت واستيلاء الطاغية على ممتلكاته
أيضاً. وبغياب عنصر التراضي يصبح البيع والشراء باطل وبحكم المعدوم.
قد يقول قائل هنا وما
الذي يُجبر الخليفة على دفع ثمن مقابل الكاتدرائية وهو يستطيع الاستيلاء عليها
فهذا دليل عدل محمد الثاني، وهذا رده يكمن في الحيل الشرعية والتي يُعرفها الشاطبي:
"التحيل بوجه سائغ مشروع في الظاهر أو غير سائغ على إسقاط حكم أو قلبه إلى
حكم آخر، بحيث لا يسقط أو لا ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك
الغرض المقصود، مع العلم بكونها لم تشرع له"، فدفع مال مقابل الكاتدرائية هو
بهدف تحويل الحرام إلى حلال من خلال هذه الحيلة وادعاء الشراء وليس الغصب،
فالفقهاء المحيطين بمحمد الثاني يعلمون أن الصلاة في الأرض المغصوبة باطلة، وفي
حالة استولى الخليفة على الكاتدرائية غصباً وتحويلها إلى مسجد تُصبح الصلاة فيه
باطلة ويكون على المُصلي إعادتها في مكان أخر غير مغصوب، وللخروج من هذا الإثم
يدفع الخليفة النقود ليبدو الأمر وكأنه شراء، وبالتالي يُمكن الصلاة في المسجد.
هى مجرد حيلة شرعية
لكى يبدو الأمر شراء وليس غصب.
وقد تناسى هؤلاء ومن
تبعهم من الجهلاء أن الغصب لا يزول بدفع النقود ولكن بالحرية في اتخاذ قرار البيع،
وهو ما لا يمكن تصديق وجودها، في ظل السيوف المُشهرة والدماء السائلة والأموال
المنهوبة والأعراض المهتوكة والشيوخ المقتولة والرهبان المذبوحة.
وأخيراً، إذا كان
المتحدث مجنون فيجب أن يكون المُستمع عاقل.
11/7/2020
0 تعليقات