عمر حلمي الغول
عُرفْ عن الدبلوماسية
الأميركية اللجوء للخشونة، واستخدام العصا الغليظة في وجه الكثير من زعماء العالم،
الذين تمردوا على منطق وفرضية الطاعة العمياء للسادة الجدد، منذ تبوأت الولايات
المتحدة مركز القرار في المعسكر الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية مع نهاية أربعينيات
القرن الماضي. بيد ان أي من الدبلوماسيين الأميركيين لم يجاهر بمواقف عدائية لا في
الصحافة الأميركية، ولا في صحافة البلدان، التي عملوا فيها ضد زعماء أو شعوب
وقضايا تلك الدول. وحافظوا على الاستخدام الأمثل للغة الدبلوماسية الناعمة ليبقوا
الباب مفتوحا مع قادة ومؤسسات الدول ذات الصلة المختلفة معهم.
لكن ووفق ما أعلم، وإن لم أكن
مخطئا، لم اقرأ أو اسمع، أن سفيرا أميركيا حتى لو كان هناك تدخلا أميركيا مباشرا (
كما حدث في إيران في الانقلاب على الرئيس مصدق مطلع خمسينيات القرن الماضي، وفي
بنما في 1989/ 1990 عندما تم اعتقال الرئيس نورييغا ..
وغيرها من جمهوريات الموز
اللاتينية) في شؤون هذا البلد أو ذاك، ان سفيرا أميركا تجاوز اللغة الدبلوماسية. بيد
أن سفيرا المفترض انه أميركيا، يدعى ديفيد فردمان وقبل أن تطأ قدماه ارض السفارة
الأميركية في تل أبيب وهو ينصاب القضية والقيادة الفلسطينية وعملية السلام وخيار
حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 العداء، ويمارس التحريض المعلن،
وبعد أن تعهد أمام الكونغرس الأميركي بالالتزام بمصالح الولايات المتحدة، وعدم
التدخل فيما هو خارج صلاحياته عشية الموافقة على تعيينه سفيرا لأميركا في دولة الاستعمار
الإسرائيلية، لم يكف عن انتهاج ذات الأسلوب في التحريض على فلسطين وشعبها وقيادتها
والسلام في آن. ومازال الحاخام فريدمان الصهيوني المتطرف يمارس ذات الدور بوقاحة
تفوق كل تصور ممكن او مقبول في العمل الدبلوماسي.
كما نعلم تسلم منصب سفير أو
قنصل أميركي في إسرائيل العديد من إتباع الديانة اليهودية من الصهاينة، لكنهم
حافظوا على لغتهم الدبلوماسية في العلاقة مع القيادة الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل
أنهم سعوا لتطوير العلاقات مع أركان القيادة الفلسطينية بمختلف مستوياتها خدمة
لإغراض ومصالح العلاقات المشتركة. غير ان السفير المدعو فريدمان فاق كل وصف في
عنصريته ووقاحته وخروجه عن ابسط معايير السلك الدبلوماسي. وآخر ما كتبه في مقال
طويل نشر في صحيفة "جيروزليم بوست" الإسرائيلية أول أمس الاثنين الموافق
13 تموز / يوليو الحالي (2020) بعنوان "ردا على دعوة يهودي أميركي لقيام دولة
ثنائية القومية مع الفلسطينيين" جاء فيها، انه "ليس من المستغرب (...) أن
احد كبار خبراء الجانب الغربي يدعى بيتر بينارت سيدمر إسرائيل." ويضيف أن "ما
يثير الدهشة منح صحيفة "نيويورك تايمز" أفكاره السخيفة اهتماما" وتابع
الفاشي الصهيوني " إن دعوة بينارت لدولة ثنائية القومية لاستبدال إسرائيل
اليهودية، هي أكثر غدرا مما تبدو للوهلة الأولى." ومضى قائلا " إذا ما
تحققت دعوة بينارت، فسوف تدمر إسرائيل في نهاية المطاف، وستؤدي إلى نتيجة كارثية
مثل تدمير المعبدين على التوالي." وتابع مؤكدا خشية الإسرائيليين من خيار
الدولة ثنائية القومية، فيقول عندما وصلت إلى منصبي لإول مرة في عام 2017، التقيت
تقريبا جميع الخبراء السابقين والحاليين المسئولين عن أمن إسرائيل. وسألتهم جميعا،
"ما هو الخطر الأمني الأكبر على إسرائيل؟ هل إيران، حزب الله، حماس، الجهاد
الإسلامي، "داعش"، "القاعدة" ، إلخ؟ كانت الإجابة متطابقة بين
الجميع: أكبر خطر أمني على إسرائيل كان دولة ثنائية القومية." وتابع فجوره
الصهيوني، منكرا على رجل متحرر من عقدة الصهيونية بكل تلاوينها المتزمتة البوح
برأيه، أما هو وإضرابه من فريق ترامب الصهيوني ومن والاهم فيحق لهم المجاهرة
الوقحة لصالح أعداء السلام من اليمين الصهيوني المتطرف، فيقول : لماذا يُعطى يهودي
اميركي يعيش في "منهاتن" منصة للدعوة لتدمير إسرائيل، وضد رغبة مواطني
إسرائيل؟ ... لماذا يشعر بعض اليهود الأميركيين بعدم الارتياح الشديد تجاه فكرة
الدولة اليهودية لدرجة أنهم يذعنون لأحدث صيحات الغوغاء اليساريين؟ (...) لماذا لا
تكون هناك دولة يهودية واحدة صغيرة؟" ويصل إلى قلب الحقائق والتحريض على
القيادة الفلسطينية فيدعي كذبا وزورا وبهتانا فيقول: ولكن لماذا فشل الحل؟ لان
القيادة الفلسطينية رفضت العرض بعد العرض، ولأنها تدفع ل"لإرهابيين" لقتل
الإسرائيليين، لأنها تحرض على الكراهية ضد اليهود، ولإنها تحظى بشعبية وفساد
وقاسية على شعبها." وأضاف " حل بينارت: هو "دعنا نكافئ القيادة
الفلسطينية على سوء سلوكها، ونمنحهم السيطرة ليس فقط على "يهودا والسامرة"
(الضفة الفلسطينية)، ولكن على كل إسرائيل نفسها."
لا أضيف جديدا للقارئ ولا لأي
مراقب، عندما أؤكد، أن ما جاء في مدونه فريدمان العنصرية المعادية للسلام والتعايش
والأمن للجميع، نرى انه لا يريد القبول بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من
حزيران عام 1967، ولا يريد دولة كل مواطنيها، وفقط يروج لبضاعة سيده الفاسدة
وعنوانها صفقة العار المشؤومة. ليس هذا بل انه يكذب كما يتنفس عندما يُصر على
القول ان القيادة الفلسطينية ضيعت الفرض أكثر من مرة!؟ مع أن الحقائق الدامغة
والمعروفة في أصقاع العالم كله وداخل أروقة أميركا خصوصا، أن القيادة الفلسطينية أعلنت
ألف مرة تمسكها بخيار السلام، وأبدت استعدادها المرة تلو الأخرى للمباشرة بتطبيق
خيار حل الدولتين على حدود ال1967. لكنها لم ولن توافق مهما كان الثمن على تمرير
صفقة ترامب نتنياهو.
النتيجة الماثلة أمام أي
إنسان في العالم، أن السفير الحاخام فريدمان، لا يعمل سفيرا لأميركا، بل يعمل
مندوبا للصهيونية المتطرفة باسم السفارة الأميركية لفرض الإملاءات على القيادة
الفلسطينية لتقبل بتصفية قضيتها، ومشروعها الوطني، وتبيد عملية السلام الممكنة
والمقبولة بمعايير الشرعية الدولية والإدارات الأميركية السابقة على إدارة ترامب. ولكن
هذا لن يمر، وفريدمان وقبله سيده ترامب وإدارتهم الأفنجليكانية سيذهبون جميعا إلى
الجحيم وبلا رحمة، وسينتصر السلام الممكن والعادل بالمعايير النسبية في المستقبل
المنظور.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات