آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (30)





 

علي الأصولي

 

 

 

 

خلاصة المطلب. أن خطاب - أغتسل - للجمعة والجنابة والتوبة - وأن كان المذكور فيه صيغة لسانية واحدة أو خطاب - أغتسل للجنابة والجمعة - أمر بشيئين كما ذكر السيد باقر الصدر. فإن هذا الخطاب في مقام الحقيقة مكرر والاستفادة منه هو إبراز انصبابات أمرية ثلاث إرادات أو إرادتين كما في المثال الأول في المتن - الإرادة الأولى - غسل الجمعة والثانية غسل الجنابة والثالثة غسل التوبة - أو على المثال الثاني - جمعة وجنابة - غير أنه محرز عندنا الترخيص المولوي الصريح بجواز ترك الأول بعينه - غسل الجمعة - فعل هنا ليس وجوب بل ندب وطلب ضعيف. وحيث ليس لدينا محرز بترك الثاني بعينه - غسل الجنابة - فإنه سوف يبقى المسرح لحكم العقل بلا بدية الإتيان بالمراد المولوي المعلوم المرادية. وهو ما نعبر عنه بالطلب الوجوبي الشديد.

 

 

بتعبير آخر : أن إحراز الترخيص المولوي بالترك يعني أن الإرادة المنصبة على الأولى هي إرادة ضعيفة. ومع عدم إحراز الترخيص المولوي بالترك نعرف أن الإرادة المنصبة على الثاني إرادة تامة وشديدة غير متنازل عنها. ومن المعلوم أن الحكيم. عليه أن يطابق ويوافق بين مكنونه الثبوتي والمبرز الإثباتي. والمبرز للإرادة الأولى غير المبرز للإرادة الثانية. وأن كان لسان الخطاب واحد - أغتسل للجمعة والجنابة - فالصيغة واحدة لكنها متكثرة لبا وتقديرا.

 

 

وعليه فلا معنى والقول كيف يعقل استعمال الصيغة في الأعم من الوجوب والاستحباب. لانه لا يعقل او عدم معقولية وجود الطلب بلا حد خاص من الشدة والضعف إذ لا يمكن وجود الكلي بلا حد.

 

 

فالعقل لا يستقل بالاستفادة الإلزام من الصيغة. لأن الحاكم بالإلزام لابد من أن يكون من بيده الجزاء والعقل بمعزل عن ذلك. لأنه ببساطة أنه من شؤون الشرع فقط.

 

 

غاية ما يقال عن العقل هو مدرك بالإدراك الجزمي القطعي. ان المولى إذا تعلقت إرادته بفعل ما ، يسد جميع أبواب العدم عليه. على ما أفاد الفقيه السبزواري في - تهذيبه - )

 

قال الماتن:

وأهم ما ينبه على بطلانه أن السيد عبر : أن الأمر هنا مستعمل على نحو واحد، في كلا الغسلين. ولم يذكر هذا النحو. مع أننا قلنا أن المفروض انه مستعمل في الجامع. وإلا لم نحتج لحكم العقل. ومع إستعماله في الجامع ، لا مجال لحكم العقل. بل يكون الأمر بالعكس. وهو احتياج الواجب إلى قرينة خارجية لإثبات وجوبه ليشمله حكم العقل، وإلا لم يشمله.

 

وكذلك الحال على مسلك الإطلاق، من حيث أن النقاش مبنائي.

 

وذلك لأن الوضع كما عرفنا، للجامع، والاستعمال أيضا في الجامع ، والوجوب لا يثبت بالإطلاق كما سبق. بل يثبت خلافه ما لم يقيد بعدم الترخيص.

 

الوجه الرابع: ما قاله من إمكان انحلال الأمر إلى أمرين، يمكن الطعن به عرفا. إلا أنه لو تم أمكن تقريبه في أصل اللغة، بحيث يثبت الوجوب على المسالك الثلاثة كلها. وليس باعتبار ثبوته على مسلك الإطلاق فقط.

 

وذلك مثل أن يقال: إن حرف العطف بتقدير تكرار العامل، يعني أغتسل للجمعة واغتسل للجنابة.

 

أو يقال: إن تعدد الداخل يوجب عرفا تعدد المدخول عليه. وأن كان واحدا ظاهرا. فيكون هذا أوضح ثبوتا على كل المسالك، إذ لا ملازمة بين ثبوت الاستحباب في أحدهما مع ثبوته في الآخر. فيمكن أن نحمل الآخر على الوجوب على كل المسالك. إلا إذا قلنا أنه موضوع ابتداء للجامع - بعض النظر عن مسلكي الإطلاق وحكم العقل العقل - فيحتاج الوجوب إلى قرينة منفصلة على أي حال.

 

أقول ( ذكر الماتن أن التنبيه الأهم على البطلان. هو أن السيد باقر الصدر عبر عن الأمر المستعمل بنحو واحد - نعم حاول أن يحله إلى أمرين - بينما المفروض هو استعماله في الجامع. ومعه لا نحتاج إلى حكم العقل. إذ مع الاستعمال في الجامع فلا معنى واحتياج العقل حينئذ. بل يكون العكس وهو احتياج الواجب إلى قرينة تشخيصية لإثبات وجوبه حتى يشمله حكم العقل بالتالي. ومع العدم فلا .

 

والكلام في الإطلاق ذاته الكلام على مسلك حكم العقل لأن النقاش في المقام مبنائي. لأن الوضع كما ذكر سابقا للجامع وكذلك الاستعمال للجامع. والوجوب وهذا الحال لا يثبت بالإطلاق كما سبق. بل يثبت على خلافه وهو أدل ما لم يقيد بعدم الترخيص.

 

وأما في الوجه الرابع: ودعوى الانحلال - انحلال الأمر - إلى أمرين - فيمكن الطعن به بلحاظ عرفي - لأن العرف لا يرى الإنحلال في الأمر الواحد إلى أمرين. ولو قلنا بامكانه فهو لا يتم إلا بعد تقريب للغوي في أصل اللغة. وإذا ثبت فهو يثبت على المسالك الثلاثة لا على مسلك دون آخر لان التقريب الإمكاني للغوي أو استفدنا منه من أصل اللغة فلاحظ.

 

ويمكن تقريب ذلك: بحرف العطف بتقدير تكرار العامل - يعني أغتسل للجمعة واغتسل للجنابة - وتكرار العامل بلحاظ المشترك وهو - الأمر - في أغتسل - أو يقال بتعدد الداخل يوجب عرفا تعدد المدخول عليه - وأن كان واحدا بالظاهر - ظاهر اللفظ - وبناء على ما ذكر فيكون المطلب أوضح ثبوتا على كل المسالك كما عرفنا. مع الالتفات أنه لا ملازمة بين ثبوت الاستحباب في أحدهما - أغتسل للجمعة والجنابة - مع ثبوته في الآخر. إذ يمكن أن نحمل الآخر على الوجوب لعدم الملازمة على المسالك الثلاثة.

 

نعم. إذا قلنا ان الأمر وضع للجامع ابتداء - بصرف النظر عن مسلك الإطلاق او مسلك حكم العقل - فهنا نحتاج إلى قرينة منفصلة لإثبات الوجوب )

 

قال الماتن:

 

الوجه الخامس: اختلفت عبارة السيد الأستاذ، فقال تارة: إن هذا تقييد في بعض الحصص، وقال أخرى: إنه تقييد في القدر المتيقن.

 

وهذا قد نقبله عرفا إلا أن المؤدى في العبارة الأولى والثانية ليست صحيحة. لأن التخصيص خص حصة بعينها ولا يحتمل سرايته للزائد. نعم مع إجمال المخصص كان الاقتصار على القدر المتيقن. ضرورا. فينطبق كلا العنوانين. فيكون تقييدا للحصة بالقدر المتيقن.

 

أقول ( ذكر أستاذ الماتن السيد محمد باقر الصدر وبناء على المسلك الذي قواه - مسلك الإطلاق - أن الأمر ينحل إلى أمرين وكل منهما مقتضى إطلاقه يفهم منه الطلب الذي لا رخصة في تركه. وأحدهما ثبت تقييده من الخارج. والآخر لم يثبت تقييده. وهذا لا يعني الجمع بين معنيين في الاستدلال. بل من باب - التقييد في بعض الحصص والإطلاق في بعضه. لأن التقييد ضرورة وإلضرورات تقدر بقدرها -

ثم أردف - طاب ثراه - كما لو ورد أكرم العالم. وعملنا اشتراط إكرام الفقيه بالعدالة. فهاهنا تبقى الحصص الأخرى تحت الإطلاق - كما بيناه في الشرح السابق - وهذا من باب الاقتصار في التقييد على القدر المتيقن - انتهى-

 

ولذا قال الماتن اعلاه - اختلفت عبارة السيد الأستاذ –

 

ومع أن السيد الماتن قبله ما ذكره أستاذه عرفا إلا أنه اعترض عليه دقة. بلحاظ اختلاف المؤدى بين العبارتين. عبارة - التقييد في بعض الحصص - وعبارة - التقييد والاقتصار على القدر المتيقن –

 

ووجه الاعتراض وعدم التمامية الدقية هو - أن التخصيص لوحظ في حصة واحدة فقط. ومعه فلا يحتمل سرايتها للزائد. نعم مع إجمال المخصص تصل التوبة للتمسك بالقدر المتيقن خروجا من مسرح الشك. وبالتالي ينطبق كلا العنوانين فيكون تقييدا للحصة بالقدر المتيقن،

اقول: يمكن القول أن التخصص والتمسك بالقدر المتيقن هو لوجود الشك بلحاظ الإجمال بالتالي العبارة الثانية شارحة للعبارة الأولى )

قال في المتن:

 

الثمرة الخامسة: لو ورد أمر لطبيعي فعل، مثل أكرم العالم. وعلمنا من الخارج: أن إكرام العالم غير الفقيه ليس بواجب. فهل يمكن أن يثبت بهذا الدليل أنه مستحب على الأقل؟

 

فإن بنينا على الوضع: فلا يمكن إثبات الاستحباب. لأن - أكرم- ظاهرة في الوجوب، وموضوعة العالم، فإن خرج غير الفقيه عن موضوعه لا يبقى حجة على الأستحباب أصلا.

 

وأما على المسلك الثالث العقلي. ففي الإمكان أن نثبت مطلبين بنفس الخطاب: وجوب إكرام الفقيه. واستحباب إكرام غيره. إلا أن مفاد الأمر هو الطلب، والعقل يحكم بالوجوب في طرف الفقيه لأنه لم يرد الترخيص. وفي غيره يحكم بالاستحباب لأنه ورد فيه الترخيص.

 

وكذلك بناء على مسلك الإطلاق الذي ذكرناه، قلنا مفاد - أكرم العالم - هو الطلب، ومقتضى إطلاقه أنه طلب غير مرخص فيه. وهذا الإطلاق ثابت للفقيه وساقط في غيره. فلا موجب لرفع اليد عن أصل الدليل في غير الفقيه. بل يبقى أصل الدليل ثابتا وإلضرورات تقدر بقدرها.

 

أقول ( وهنا استعرض السيد باقر الصدر الثمرة الخامسة بما حاصله : إنه لو ورد بلسان الشرع مفاد - أكرام العالم - وعلمنا بأن إكرام العالم غير الفقيه ليس بواجب فهل يمكن أن ندعي الاستحباب على أكرام غير الفقيه بناء على ذلك ام لا ؟

 

ويقال : بناء على مسلك الوضع. فلا يمكن لنا إثبات الاستحباب لأن - أكرم - أمر لطبيعي أفعل ظاهره الوجوب وموضوع ذلك الوجوب هو العالم. ومع خروج غير الفقيه عن الموضوع فلا ببقى حجة على الاستحباب.

 

وأما بناء على مسلك المحقق النائيني - مسلك حكم العقل - فيمكن أن نثبت مطلبين في آن واحد من نفس الخطاب. إذ يمكن أن ندعي وجوب أكرام الفقيه بدعوى ظاهر الأمر في الوجوب واستحباب أكرام غير الفقيه ما دام يتصف بصفة العالمية ومتلبس بها - عالم –

 

بتقريب: أن مفاد الأمر هو الطلب. والعقل يحكم بوجوب أكرام الفقيه لأنه لم يرد فيه ترخيص بالترك وفي غيره يحكم العقل بالاستحباب لوجود الرخصة بالترك.

 

وأما بناء على مسلك الإطلاق. إذ أن مفاد - أكرم العالم - هو الطلب. وهو غير مرخص في تركه تبعا لإطلاقه. و هذا الإطلاق ثابت للفقيه وساقط عن غيره. ومعه لا يمكن رفع اليد عن الدليل في غير الفقيه )



فقه أصول المنهج (29)


 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات