آخر الأخبار

فقه القرآن : مساجد الله بين الفقه والتأويل .

#

 

 

 

 

علي الأصولي

 

 

قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ وَسَعى‏ في‏ خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ).

 

بحث بعض العلماء عن المراد - بالمساجد - في الآية الكريمة وذهبوا إلى المراد على أقوال، وكلها لا تعدو عن حصص الاحتمالات فقط ،

ويبدو لي بأن تفسيراتهم من قبيل التفسير بالمصداق أو بلحاظ أسباب النزول ، ولو تجاوزنا احتمالاتهم، فسوف نجد أن - مساجد الله - هو من قبيل الجمع المضاف ووفقا للقاعدة المعروفة ان جمع المضاف يفيد العموم ، فتكون بالنتيجة أن - المساجد - يراد منها كل مسجد لله ، وعليه فلا معنى لتخصيصه في المقام ،

 

 

ولا الالتزام وما فهمه بعضهم وفق التفسير بالمصداقي ،

 

نعم: وفق هذه القاعدة وبعض المرويات من قبيل ما روي عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي (ع) أنه أراد جميع الأرض لقول النبي (ص): جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِداً وَتُرَابُهَا طَهُوراً : وكما ترى دلالة التعميم واضحة لكل مسجد في الأرض،

ويمكن رفد ذلك بقوله تعالى (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) والمراد بها مطلق المساجد، فالمراد بـ(مَساجِدَ اللَّهِ) المطلق كذلك، بلا فرق يذكر .

 

وكيف كان: إن الحديث عن المسجد يعني الحديث تارة عن المكان وتارة عن المحال،

 

فالمسجد بحسب الإطلاق بالمعنى الأخص ، هو المسجد المعهود والمعروف الذي رتب الشرع عليه الآثار الفقهية من قبيل وجوب التطهير وحرمة التنجيس ونحو ذلك مما هو معروف بالفقه في شأن المساجد. من أحكام فقهية ،

 

وأما بحسب إطلاق المعنى الأعم ، فهو كل ما يقع محلا للسجود أو قل - المصلى - والمعروف في الفقه أن أحكام المسجد بالمعنى الأعم تختلف عن أحكامه بالمعنى الأخص.

 

لا اقل في جواز الزخرفة والتذهيب ووضع الصور ونحو ذلك مما هو ممنوع في المسجد بالمعنى الأخص.

 

ما يهمنا في المقام أن الآية السالفة الذكر ، ناظرة للمسجد بحسب المعنى الأعم لا بحسب المعنى الأخص.

 

بدلالات - جمع المضاف - والرواية المذكورة - وللصدق العرفي على عنوان المسجدية على المصلى، ومن هنا تم إلحاق المشاهد المشرفة بالمساجد بالمعنى الأعم،

 

فقوله ( ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه )

فهنا الحديث عن - ظلم - والظلم من المعاصي الأكيدة ومقطوع الحرمة في الشريعة ،

 

والقصة لا تتعلق بالمعصية الشخصية بل تتعداها إلى المعصية النوعية ، يعني ان الظلم هنا معصية نوعية كالسكوت على الظلم ممن يفترض أن يكون مسؤلا إذ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته - وإهمال - أمر أحياء ذكر أهل البيت - ونحو ذلك من المظالم النوعية ،

 

نحن لا نتحدث عن معاصي شخصية من قبيل السرقة والرشوة والغيبة ونحوها من المعاصي ، بل على نوع آخر من المعاصي ، والفرق بين النوعين من المعاصي هو بلحاظ المتعلَّق: فالمعصية الشخصية ما تعلقت بشخص ، والمعصية النوعية ما تعلقت بالمجتمع ، هذا هو الفارق النوعي يعني بلحاظ المتعلق ،

 

فلو مشينا خطوة إلى الأمام وفسرنا المسجد - بمعنى المعصوم - من قبيل - وبئر معطلة وقصر مشيد - لامكن اكتشاف بعض الغوامض في الآية،

 

تعالوا لنفرد الآية بحسب كلماتها - ومن ظلم ممن منع مساجد الله - هنا الصد عن المساجد من الوضوح بمكان ، سواء فسرنا المسجد بحسب الفهم العرفي أو قمنا بتأؤيله وقلنا المراد منه نفس - المعصوم - أو المعصومين - عليهم السلام - ومنع المساجد غايتها عدم ذكر الله فيها ، وعدم الذكر يعني - الخراب - وسعى في خرابها - ولذا ان ظلم الظالمين وصدهم لا يعني رفع اليد عن المسجد بحال من الأحوال سواء فسرنا المسجد بالمعنى المعروف أو بالمعنى المؤول.

 

بحث بعض العلماء قوله تعالى (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفينَ) حول إخبارية الآية أو انشائيتها ،

فالمعنى الإخباري محتمل فيها وكذا المعنى الإنشائي .

 

وهذا البحث أصله بلاغي وعقد له مبحث في علم الأصول.

 

ولذا كانت البحث مدارا للاحتمالين - الإخباري والإنشائي - من قبيل - بعت كذا بكذا - فهل هذا أخبار أم إنشاء؟

 

إذ يحتمل بلفظ - بعت - اخبارا ماضويا ، ويحتمل انشاءا آنيا ،

 

نعم : لو قال قائل وهو في المكتبة - بعت الكتاب - لامكن التمسك بقرينة الحال على الإنشاء،

 

ومن هنا كانت نظرتهم للقرائن والعلامات الدالة لأي منهما ، من قبيل النظر في - مناسبات الحكم والموضوع - وقرينية المتعلق والمادة - ما كان لهم أن يدخلوها - وأن كانت مشوشة بدوا في الأخبار والإنشاء والبحث في مظانه،

 

وكيفما كان : هذا البحث لا يعنينا في المقام،

 

 وسعى في خرابها –

 

السعي في الخراب من المحرمات سواء كان سعيا بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، لان نتيجة السعي هو الخراب والتعطيل ، تعطيل المساجد بلا ضرورة بقصد خرابها حرام بلا كلام ، تعطيل دور المعصوم والإرشاد والتوجيه والهداية والتعليم ودفعه عن مكانه ومرتبته التي رتبها الله له حرام بلا كلام ، يعني إذا ازحنا المعصوم عن الواجهة فيحل بدله غير المعصوم اكيدا ، وهذا العمل هو مصداق من مصاديق - وسعى في خرابها - فالسعي بالخراب هل هو خصوص المقدمة المحرمة، الموصلة للحرام أو الأعم منها اي المقدمة الممكنة من الحرام؟

 

فأن التزمنا الرأي الأول: وهو أن الحرمة في خصوص المقدمة الموصلة كما أفاد صاحب - الفصول - فهذا يعني ان التسبيب بالخراب - وسعى في خرابها - مشروط بنفس المقدمة فقط لتعين الحرمة ، وهنا تكون الحرمة متعلقة بالسعي نفسه للخراب لا مطلق السعي،

 

الكلام في الحرمة الغيرية، وبناء على هذا المبنى الحرمة مطلق السعي ليس محرم، ما لم يترشح منه حرام فتحرم مقدمته،

 

نعم: بناء على الرأي والقول الثاني: وهو أن المقدمة الممكنة محرمة كما التزم بذلك صاحب - الكفاية - فيكون مطلق السعي هو حرام لا خصوصه، سواء - خرب المسجد أو لم يخرب - أو تم دفع المعصوم من مكانه أو لم يندفع، ومستند هذا المبنى هو العقل، فمثلا الإرهابي الذي رام تفجير نفسه وتم مسكه فهذا يحال للقضاء لأجل المحاكمة على جرمه ولا يقال : أنه لم يستطع التنفيذ فلا عقوبة عليه ،

 

 

خلاصة المطلب:

 

ان منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه والسعي في خربها ،

 

بناء على كون الحصر حقيقي كما هو ظاهر الآية فيقال ان هذا الظلم ومخرجاته أعظم أنواع الظلم ، بدلالة ظاهر إطلاق - اظلم –

 

وأما أن الحصر إضافي لا حقيقي وأنه بالقياس الشرك أعظم منه ظلما - أن الشرك لظلم عظيم - و - ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء –

 

فيكون المستفاد عرفاً ان الشرك بالله هو أعظم أنواع الظلم فيكون (وَمَنْ أَظْلَمُ...) إضافياً، أي يكون من سعى في خراب المساجد ومنع ذكر اسم الله فيها، أظلم بالنسبة إلى ما عدا الشرك بالله تعالى.

 

وعلى اي حصر كان فالظلم حرام ونتيجته النار . بلا فرق بين منع مساجد الله ودفع مكانة ومقام المعصوم، والى الله تصير الأمور .


إرسال تعليق

0 تعليقات