آخر الأخبار

المصالحة مع التاريخ




 

د.أحمد دبيان

 

يخرج علينا فى أزمنة التجريف كل حين وآخر أحد الذين فى التيه يعمهون ، ليصرح فى أبواق الإعلام المشتراة والموجهة بفضلاته الفكرية إن صح أن نسميها فكراً بالأساس ليطرح مقولة مطاطة فى مسيحانية دجلية تمتطى الأحرف المدنسة طارحاً الأفكار الإختراقية الدنسة تحت زعم ووهم المصالحة مع التاريخ.

 

 

بداية التاريخ ليس حكايا أو حواديت أو حواديت مقاهى ومصاطب .

 

التاريخ علم ديناميكى صنعه تفاعل الجغرافيا مع الزمان والمكان .

 

والتاريخ كعلم له مناهج كثيرة للقراءة

 

منهج اجتماعي

 

منهج مادى جدلى

 

منهج تفكيكى وحلحلة حسب الفيلسوف فوكو

 

وهناك منهج الحتم التاريخى لتولستوى.

 

اختزال حقائق التاريخ بإبعادها وحتمها وجدليتها للتوجيه والدفع ناحية اعتناق أو دوجما تاريخية هو ببساطة خيانة تاريخية .

 

 

 

هل خرج الانجليز مثلاً ليتصالحوا مع أوزوالد موزلي، مؤسس "القمصان السود" في بريطانيا والذي حضر هتلر حفل زفافه باسم الحرية والدفاع عن المعتقد والرأي ؟.

 

 

 

في ثلاثينيات القرن العشرين، قاد موزلي حركة فاشية ومعادية للسامية في بريطانيا، اشتهر عناصرها الذين عرفوا باسم "القمصان السوداء"، بممارسة عنف ملحوظ ضد اليهود وخصومهم اليساريين.

 

 

لقد كان موزلي على علاقة جيدة برموز الفاشية والنازية في أوروبا وارتبط بعلاقة صداقة مع الزعيم الفاشي الإيطالي بنيتو موسيلينى وقد حضر أدولف هتلر كضيف شرف حفل زفاف موزلي الثاني الذي أقيم في منزل وزير الإعلام النازي آنذاك، جوزيف غوبلز.

 

 

لقد اعتبرت السلطات البريطانية موزلي، تهديداً لأمن وسلم البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، واعتقلته للاشتباه في تعاطفه مع أعدائها (الألمان).

 

 

وانتشرت حينها على نطاق واسع فرضية تشير إلى أنه لو استطاع النازيون غزو المملكة المتحدة بنجاح، لتم تنصيب موزلي رئيساً لنظام مصطنع تابع لألمانيا.

 

 

بل وهل تم التسامح مع أوليفر كرومويل الذى اسس النظام الجمهورى البرلمانى فى بريطانيا وقام الملك شارل الثانى بإخراج هيكله العظمى من مقبرته وشنقه ؟

 

 

ولهذا خلفية دينية سياسية لا يعتذر احد عنها اليوم او حتى يدعو للتصالح فيها .

 

 

ففي عصور الظلام، وبينما كانت البابوية هي المسيطرة على الحكم في روما، كانت إحدى عجائب تلك الفترة هي انتشار فكرة «إعدام المتوفى»، وهو فكرٌ مسيحي يعتمد في الأساس على فكرة قيامة الموتى وطريقة الدفن، بأجسادٍ كاملة، ورؤوس موجهة نحو الشرق، لتواجه الله يوم العرض العظيم.

 

وكان أي إخلالٍ بطقوس الدفن، وأي تمزيقٍ للجسد، بالنسبة لهذا الفكر قد يمنع المتوفى من قيامته، ولهذا كانت فكرة الإعدام بعد الموت، وتمزيق الأجساد، هما نوعًا آخر من العقاب، أشد قسوةً من الموت ذاته؛ ولهذا تم استخدامها مع المجرمين العتاة، بإعدامهم بعد الموت شنقًا في الأسواق العامة، وقد تظل تلك الجثث المُعلقة هكذا فترات قد تصل إلى سنواتٍ، من أجل تأجيل الدفن قدر المستطاع، وكان من وسائل العقاب الأخرى الأشد فتكًا هي تشريح المتوفى، حتى لا يستطيع القيامة بجسدٍ سليم، وقد كانت تلك المحاكمات تتم لإظهار أنه حتى في حالة الوفاة، لا يمكن للمرء أن يفلت من العدالة.

 

 

فى ٣٠ يناير من عام ١٦٦١، تم استخراج جثته من مثواه في دير كنيسة هنري السابع، لتتم محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، مع العديد من أعوانه في الجيش البرلماني؛ حيث عانت البلاد من تقلباتٍ سياسية استعادت على أثرها الملكية، تحت حكم تشارلز الثاني، وقد تم اختيار موعد المحاكمة ليتزامن مع تنفيذ حكم الإعدام في الملك تشارلز الأول الذى أعدمه الجمهوريون .

 

 

وقد عُلقت الجثث في مشانق من سلاسل حتَّى غروب الشمس، إذ قُطِعتْ رؤوسهم، وألقيت الجثث في قبرٍ مشترك، أما الرؤوس فقد وُضِعتْ في قاعة وستمنستر، وذلك حتى عام ١٦٦٨.

 

 

هل خرج احد اليوم ليدعو للتصالح مع التاريخ والاعتذار عن تلك الجرائم ؟

 

 

هل خرج الفرنسيون اليوم ليدعوا لتكريم الجنرال فيليب بيتان الذى تعاون مع النازى رغم انه كان المنوط به الدفاع عن شرف فرنسا فتعاون وسخر الجيوش الفرنسية لتحارب مع النازى بقيادة حكومة فيشى ؟

 

هل يخرج احد اليوم لينصب له تمثالا بجوار الجنرال ديجول الذى رفض الاستسلام وحارب بعد ان سقطت فرنسا وقاد جيش فرنسا الحرة وصنع التحرر والانتصار ؟

 

 

هل يخرج اليوم احد الفرنسيين ليعدد مناقب لويس السادس عشر وزوجته مارى انطوانينىت داعياً الى تبرئتهم من جرائمهم وانفصالهم عن الواقع المتردى الاجتماعى للشعب الفرنسى والذى أفضى للثورة الفرنسية رغم دمويتها ومذابحها ؟

 

 

هل يخرج أحد اليوم ليدين الضابط جورج واشنطن مؤسس الولايات المتحدة الامريكية ونظامها الجمهورى الذى حارب تحت قيادة الجيش البريطانى فى مستعمرات انجلترا فى امريكا الشمالية وليزعم ان ما قام به بقيادته جيوش الثورة الأمريكية هو انقلاب عسكرى ضد ملك بريطانيا .

 

 

عن اى مصالحة يتحدثون ؟

 

وهل نحن مطالبون باقامة تمثال لنابليون بونابرت الذى غزا مصر فى حملته باسم التنوير والمشروع الحداثى الذى جاء بعد الصدمة الحضارية التى واكبت الحملة وهل على الطرف الآخر اعترف الغرب باستفادته الحضارية مع صدامه فى الشرق حين اتى بحملاته الصليبية ؟

 

هل أقام الغرب تماثيل تكريم للسلاطين العرب الذين واجههوهم وتصدوا لهم ؟

 

هل يقيم الغرب تماثيلاً لابن سينا وابن رشد والفارابى وابن الهيثم كرواد علم وتنوير قادوا الفكر الغربى فى عصوره الظلامية نحو التقدم الذى يرفل الغرب فيه ؟

 

منذ ايام عادت جماجم المجاهدين الجزائريين الذين قطعت فرنسا رؤوسهم واحتفظت بجماجمهم فى متاحفها بعد مطالبات جزائرية تقودها الذاكرة الوطنية وبوصلتها فى ذات الوقت الذى يخرج فيه الأدعياء فى مصر تحت زعم المصالحة التاريخية ليزينوا الاحتلال والحكم الذى رسخ له فتخرج صفحات تمجد ملكية اتت بالمحتل وخضعت له ولننتهى بمطالبات بعودة تمثال نصاب دولى ، استغل ضعف ولاة خاضعين لمصر فانتزع صك امتياز سخر فيه الملايين لحفر قناة السويس ليموت منهم مائة وعشرين ألفاً ، فى الوقت الذى ادانته بلاده بتهم النصب والاهمال حين تحايل فى مشروع قناة بنما ولم يوفر خدمات صحية فمات عشرون الفاً جراء جشعه ونصبه وتحايله .

 


إرسال تعليق

0 تعليقات