آخر الأخبار

قناة السويس ( أضواء على خلفيات الصراع )





 

 

د.أحمد دبيان

 

 

ولأن ذكر جمال عبد الناصر والأحرار صار يثير الحساسية لدى من ألفت نفوسهم مسميات تزيين الخنوع تحت مزاعم التحضر والعقلانية والواقعية السياسية.

 

 

نغوص بعيداً الى زمن الخديوى إسماعيل و نتوخى الحيدة فى استحضار الفترة التاريخية .

 

جاء إسماعيل بعد الوالي سعيد باشا الذى منح دي ليسبس حق امتياز حفر قناة السويس واقر فيه السخرةً واقطعه أراضى كثيرة ، ليقول فى خطاب على اثر صدور فرمان ولايته لمصر :

 

( أعلنت عزمى على إلغاء السخرة هذا معنى من معانى العدالة والحرية أريد ان تتوافر عليه جهودى )

 

ليعقب روبرت ج كولكوهون قنصل انجلترا آنذاك بكتابه الى وزير خارجيته :

 

( لا شك إنكم علمتم بما ينويه الوالى من إلغاء السخرة إلغاءاً تاماً . واني أوافق على المبدأ ذاته ، لكنى أرى من الفائدة توجيه النظر الى انه فى بلاد كبيرة كمصر كثير من الأعمال لا يمكن تنفيذها إلا عن طريق السخرة. فالفلاح عامل ضعيف البنية لا يستوفى حاجته من الغذاء فلا يستطيع ثمانية ولا عشرة من الفلاحين أن يقوموا بالعمل الذى يقوم به عامل أوروبي فى يوم واحد .لذلك يكون اجر الفلاحين باهظ التكاليف على أساس تسويته بالعامل العادى منهم على أنه فى الأعمال الكبرى ما لابد من تنفيذه كل عام .اذ يقوم عليه كيان البلاد اما الانتقادات السابقة التى ثارت فى العصر السابق ( عهد سعيد ) فكان منشؤها الإسراف فى الإلتجاء إلى نظام السخرة لا فى النظام ذاته إذ كما هو معروف أن نظام السخرة ظل متبعاً فى كثير من الدول الأوروبية مثل روسيا .

 

وسأعرض هذه الاعتبارات على الوالى ، وأقترح أن تنفذ بعض الأعمال المتعلقة بالمنفعة العامة ، بتطبيق حكيم لنظام السخرة بحيث تلتزم الحكومة بأن توفر للعمال ( المسخرين ) قدراً كافياً من الغذاء مع الأدوات اللازمة وبأن تحد على قدر المستطاع من الالتجاء الى هذا النظام وان تعمل على الا يستخدم أى عامل إلا أياما معدودة فى السنة )

 

القاهرة فى ٢٥ يناير ١٨٦٣.

 

يظهر هذا الخطاب ان مصالح انجلترا وفرنسا توافقت الى حد التطابق فى مشروع قناة السويس وان إلغاء السخرة كان أمراً مستهجناً من القوتين الأعظم فى تلك الفترة واللتين تدخلا فى القرار السياسى المصرى .

 

بل ويجزم بتوافق المصالح بينهما الذى تبلور فى تنسيق المواقف سياسياً .

 

قرر الخديوي إسماعيل إلغاء نظام السخرة نهائيا، بما فى ذلك عمالة السخرة فى حفر قناة السويس. وفى ذات الوقت استرجع من شركة القناة 80% من الأراضي التى كانت قد تملكتها بموجب حق الامتياز الذى منحه الوالي سعيد باشا لصديقه فرديناند ديلسبس .

 

اعترض ديلسبس على هذا الأمر ممثلاً لشركة قناة السويس فقام الخديوى سعيد بتحكيم الأمر الى نابليون الثالث الذى كان يحتقره و يرى فيه مستبداً شرقياً فحكم بتعويض كبير لصالح ديلسبس وشركة القنال وقد تحملت مصر فى ذلك الوقت تكلفة إلغاء هذين البندين مبلغا قدره 124 مليون فرنك. (يقدر بمليارات الآن). ووافق على سداد هذا المبلغ الضخم ما أثر على تفاقم الدين العام وأضطر إسماعيل الى بيع أسهم مصر فى قناة السويس وكان مهندس الصفقة الإرغامية ( المش مهندس ديلسبس ) .

 

وهو بالفعل ليس مهندساً كما يشيع الكثيرون .

 

دي ليسبس الاستعماري العتيد كان مكلفاً فى عقد امتياز قناة السويس بإحضار حفارات للحفر ولم يفعل ذلك اعتماداً على السخرة التى تهاون فيها الوالى سعيد ولم يحاول توفير الخدمات الصحية كما هو منصوص فى عقد الامتياز ما أدى الى تفاقم عدد الضحايا من عمال السخرة ليصل العدد الى قرابة المائة وعشرين ألفاً .

 

ولان خطاب القنصل الانجليزي لوزير خارجيته يرصد هذا التعاون والتنسيق المبكر ما بين انجلترا وفرنسا فى المسألة المصرية وقناة السويس لا نتعجب كثيراً من خداع المسيو دي ليسبس للزعيم أحمد عرابى بحياد القناة حسب معاهدة القسطنطينية ثم سماحه للقوات البريطانية باقتحام قناة السويس والتمركز فى الإسماعيلية بعد نجاح العرابيين فى صد الهجوم عند كفر الدوار .

 

فلم يكن من مصلحة دى ليسبس ولا شركة قناة السويس أو فرنسا صعود احد أفراد المؤسسة العسكرية المصرية الوطنية لسدة الحكم والتحكم فى قناة السويس.


إرسال تعليق

0 تعليقات