د.أحمد دبيان
وفى الوقت الذى يتحزب البعض فى مصر منادين بدعاوى اللبرلة والتحضر والتاريخ
الذى يعجزون عن قراءته لينادوا بعودة تمثال ديلسبس ، حنينا لاستعباد أو مازوخية
الإمتطاء ، نجد الجزائر الشقيقة لا زالت ببوصلتها الوطنية تسعى لعودة جماجم شهداءها
التى قطعها الفرنسيون وأرسلوها للمتحف الوطني للتاريخ فى باريس والذى لا زالت تقبع
فيه جمجمة سليمان الحلبي الذي استطاع اغتيال ساري عسكر الفرنسيس المحتلين الجنرال
كليبر فى ضربة موجعه للاحتلال الفرنسى الذى دأب البعض على تزيينه باسم التنوير رغم
آلاف الضحايا فى ثورتى القاهرة الأولى والثانية .
ورغم استفادة الغرب من الشرق حضارياً فى أتون الصدام العسكري وقت الحملات
الصليبية لا يخرج احد اليوم لينسب الفضل الحضاري الى الشرق كما يفعل البعض ممن
عشقوا المازوخية منهجاً وحركة وفعلاً .
الجمجمة رقم ٥٩٤٢
لصوفي مصري ربما لم يكن احد ليعلمه إلا منذ ساعات.
موسى حسن الشاذلي الدرقاوى المدني .
صوفى مصرى ولد فى مصر ليرحل الى الشام ليتطبب من مرض ألم برأسه وليرحل
بعدها إلى تركيا ثم إلى الجزائر كجندى يدافع عن ارض الجزائر .
وكأنه كان التجسيد الأكبر لبيت الشعر
( بلاد العرب أوطاني
وكل العرب إخواني.)
موسى الدرقاوى الدمياطي المولود فى مدينة دمياط كان ضمن الفرق العسكرية
التركية التى رأى فيها احتلالاً للجزائر ففرّ نحو قسطنطينة ثم إلى تونس، قبل أن
يستقر في العاصمة الليبية طرابلس .
في عام ١٨٢٦ ، التقى بالشيخ محمد بن حمزة ظافر المدني، شيخ الطريقة
الشاذلية، ليتلقى على يديه العلوم الشرعية، قبل أن يعود لينتقل إلى مدينة الأغواط
بوسط الجزائر، في عام ١٨٢٩.
لاقي الدرقاوي بين سكان الأغواط حفاوة واستقبالا حسنا تقديرا لعلمه، فبنوا
له زاوية ومنحوه أراضي وحدائق (تعرف الآن بزقاق الحجاج)، فسكن فيها لمدة عامين ثم
انتقل بعدها لمدينة مسعد التي أسس له سكانها زاوية، وأصبح له الكثير من المريدين
والتلاميذ، وامتد صيته لمدينة قصر البخاري والمدية والخضرة.
ومع توغل الاحتلال الفرنسي داخل الجزائر، اختلف الدرقاوي مع الأمير
عبدالقادر، القائد التاريخي للثورة الجزائرية، بسبب توقيع معاهدة ديميشال مع
الفرنسيين، التي رأى فيها الشيخ المصري تحالفا مع الاستعمار، لا سيما وأن أول بند
فيها هو إبطال العداوة بين قائد الثورة الجزائرية والفرنسيين.
نادى الشيخ الدرقاوي حينها بالجهاد من زاويته بالخضراء، فاجتمع حوله مريدوه
وتلاميذه الأوفياء، الذين قاربوا الـخمسة آلاف بين فرسان ومشاة، واندفع بجنوده صوب
الشمال ليدخل في معركة عسكرية، عام ١٨٣٥، انتصر فيها الأمير عبدالقادر، وضيقت عليه
سلطات الاحتلال فطاردته من مكان إلى مكان، فقرر الدرقاوي اللجوء لجبل موزاية ومنه
إلى مدينة مسعد حيث بدأ تنظيم صفوفه من جديد، حتى دعاه الشيخ أحمد بوزيان إلى
الالتحاق إلى صفوف المقاومة بثورة الزعاطشة.
كانت مقاومة أهالي واحة الزعاطشة التي تقع على بعد ٣٠ كيلو متر من مدينة
بسكرة، بقيادة الشيخ أحمد بوزيان، أحد قادة المقاومة الجزائرية، ومستشاره العسكري
الشيخ موسى بن الحسن صداعا مؤرقا للفرنسيين، الذين ظنوا انتهاء المقاومة الشعبية
بالتصالح مع الأمير عبد القادر.
لنجد نفس النهج الاستعماري القائم على الإبراز التاريخي لبطولات المهادنين (
الأمير عبد القادر ، غاندى ، السادات ) والتهميش التاريخي للمناضلين الحقيقيين.
دافع الشيخ بوزيان وابنه حسين والشيخ موسى الدرقاوي ببسالة إلى أن سقطوا
شهداء بعدما قطع الفرنسيون بقيادة الجنرال هيربيون رؤوسهم وحملوها إلى مدينة بسكرة
وظلت معلقة على أبوابها عدّة أيام للتمثيل بهم، وأحرقت الواحة بنخيلها وأبيد
أهلها، فيما تحولت جماجم الشهداء بعد ذلك إلى هدايا يتبادلها القادة الفرنسيون بعد
أن وضعت في متحف قسنطينة مع غنائم الفرنسيين، وتم تحنيطها وحفظها بمادة مسحوق
الفحم لتفادي تعفنها، حتى نقلت إلى المتحف الوطني للتاريخ بباريس، وتم ترقيمها
ليحمل الشيخ موسى الدرقاوي رقم (٥٩٤٢).
0 تعليقات