آخر الأخبار

تحتمس وناصر.. ومصر القوية





 

 

 

بقلم: كريمة الروبي

 

 

 

مصر اليوم: إما القوة أو الانقراض، إما القوة وإما الموت! إن لم تحقق مصر محاولة قوة عظمى تسود المنطقة بأسرها، فسوف يتداعى عليها الجميع يوماً ما (كالقصعة!) أعداء وأشقاء وأصدقاء، أقربين وبعيدين وأبعدين!.. زنوج أفريقيا سيكونون أول أبناء آوى، ولكنهم سيدعون زنوج النيل لينوبوا عنهم ويقفوا هم يتفرجون فى حياد كاذب فى انتظار العزاء بعد الوفاة (الحبشة + السودان + أعالى النيل قد تحارب مصر يوماً ما عسكرياً! ثم إسرائيل + عرب البترول + تركيا وإيران.. إلخ)!!

"جمال حمدان"

 

 

 

تلك الكلمات ليست وصفاً للحاضر بل كانت تنبؤات مبنية على قراءة متعمقة في جغرافيا مصر وربطها بتاريخها وحاضرها للعالم الكبير د/ جمال حمدان والذي رحل عن عالمنا منذ أكثر من 27 عاماً ولكنه توقع ما نحن فيه وكأنه يصف وضعاً قائماً بالفعل، فمصر إما قوية عفية تقود من حولها، وإما تتكالب عليها الأمم، هو مصيرها الذي لا فرار منه، وسياسة الانكفاء على الذات لا تصلح لدولة بمكانتها وموقعها، والمنادون بهذه السياسة لم يطلعوا يوماً على خرائط أو يقرأوا ولو من بعيد في التاريخ، هم واهمون يظنون أنه يمكن تجنب الصدام والعيش الدائم في سلام.

 

 

بالتأكيد، لا أحد يفرح بمشاهدة الدمار الذي تخلفه الحروب، وشعوب العالم اجمع تتمنى العيش بسلام واستقرار، ولكن هناك حروباً تفرض علينا إن لم نخضها فهو الجحيم بعينه، وإن كانت هذه الحقيقة معروفة وتؤكدها حوادث التاريخ وواقع الجغرافيا، إلا أنها لم يدركها سوى القليلون الذين اختاروا المضي في الطريق الصعب تفادياً لمصير أصعب.

 

 

وقد خلد التاريخ حكاماً عظماء صنعوا المجد لأوطانهم وأدركوا منذ البداية أن خوض الحروب لتأمين حدودهم وثروات بلادهم هو طريق صعب ولكنه أمر لا مفر منه، واستطاعوا أن يبنوا أمجاداً وحضارة ظلت شاهدة على قوة دولتهم وعظمتها ، ومن أعظم هؤلاء الحكام هو الملك تحتمس الثالث الذي قام بست عشرة حملة عسكرية على آسيا (منطقة سوريا وفلسطين) واستطاع أن يثبّت نفوذه هناك كما ثبت نفوذ مصر حتى بلاد النوبة جنوباً، كما كان لا ينتظر الخطر حتى يصل إليه بل كان يخرج لمواجهته، فحين قام أمير مدينة قادش في سوريا بقيادة حلف من أمراء البلاد الأسيوية فى الشام ضد مصر وصل عددهم إلى ثلاثة وعشرين جيشا، لم يقم تحتمس الثالث بتجهيز قواته على الحدود المصرية قرب سيناء بل قرر الذهاب لمواجهة هذه الجيوش في عقر دارهم لدحرهم وتوسيع الأمبراطورية المصرية إلى أقصى حدود ممكنة وتأمين الحدود ضد أي جيوش معادية، هكذا تقوم الأمم بالدفاع عن نفسها والحفاظ على أراضيها وثرواتها.

 

 

إن الحاكم المصري الوحيد في العصر الحديث الذي أدرك هذه الحقيقة وتعامل معها وكان امتداداً للملك العظيم تحتمس الثالث هو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي آمن بأن " وجود مصر ضعيفة ضعف للنضال العربى كله، ووجود مصر مشلولة شلل للنضال العربى كله، وليست هذه حقيقة جديدة وإنما هي استقراء للتاريخ والطبيعة" فذهب إلى اليمن وقام بتحريرها وتأمين مضيق باب المندب الذي يمثل أهمية إستراتيجية كبرى لمصر، كما أن توسيع النفوذ خارج حدود الوطن هو أمر ضروري وقوة يتم الاستعانة بها في الوقت المناسب، كما كان الاختراق الناعم لأفريقيا هو تأمين لمنابع النيل وتوسيع النفوذ والتواجد بأفريقيا التي أصبحت الآن بعد تخلي مصر عن دورها ملعباً كبيراً لقوى عدة تعبث بها وبأمن مصر على رأسها الكيان الصهيوني.

 

 

إن الشعوب تريد دولها قوية تسود ولا تساد، ويمنحون تأييدهم للحاكم الذي يقود أوطانهم للاستقلال والقوة والنفوذ، حتى وإن بدت هذه الشعوب مستكينة لا تريد الحرب، ولكنها وقت الشدة تخوضها بمنتهى الشجاعة وتقدم تضحيات وبطولات أسطورية، ويقفون خلف زعمائهم الوطنيين الحالمين بوطن حر قوي لا يُسرق أو يهان، فكانت أكبر جنازة في التاريخ المصري القديم للملك العظيم تحتمس الثالث، وأكبر جنازة في التاريخ المصري الحديث للزعيم القائد جمال عبد الناصر، مما يعني أن الشعوب لا تخشى المواجهة إذا ما قادها حاكم قوي مخلص لوطنه وشعبه.

 

 

إن من يتمنون الرخاء والتقدم لأوطانهم دون أن دفع الثمن هم مجرد حمقى، فاسترداد الحقوق والحفاظ عليها يحتاج قوة، وحماية الأرض وتأمينها من المخاطر لا يمكن أن يحدث دون إظهار تلك القوة، فإنك إن لم تستذئب أكلتك الذئاب.


إرسال تعليق

0 تعليقات