عز الدين البغدادي
في مثل هذا اليوم 3
تموز 1963 حصلت محاولة انقلابية استهدفت إسقاط النظام الذي يقوده عبد السلام عارف
والبعثييون، وكان قائد الانقلاب نائب عريف في الجيش العراقي اسمه حسن سريع.
الرجال بهممهم، فهناك
ضباط برتب كبيرة لا يملكون إحساسا وطنيا، بل همهم لا يتجاوز تحقيق منافع شخصية
وهذا نائب عريف حمل هما كبيرا وهمة عالية.
حسن سريع شاب عمره 25
سنة (تولد 1938) نحيف اسمر السحنة متوسط القامة، عيناه صغيرتان وسوداوان حاد
النظر، من منطقة عين تمر "شثاثة" وأصله من السماوة من بني حجيم. تزوج فتاة
من أقربائه، وله ابنة وحيدة عمرها آنذاك ستة أشهر، ويسكن في صرائف الشاكرية، وهي
احد مدن الصفيح في بغداد.
تمتع بشخصية طيبة فرض
احترامه في وحدته العسكرية حتى المراتب الذين هم أعلى منه رتبة، تميز بقدرة فائقة
على الحوار والإقناع، ويذكر بعض المقربين منه أنه كان شيوعيا ومتدينا بنفس الوقت،
وكان يؤدي الصلاة. درس الابتدائية، وبسبب ظروفه المادية تطوع بمدرسة قطع المعادن
المهنية بمعسكر الرشيد في بغداد وأصبح معلما في نفس المدرسة وترفع الى رتبة نائب
عريف.
بعد أن حصل انقلاب
شباط 1963 ومقتل عبد الكريم قاسم وصدور بيان 13 الذي أعدم تحته المئات واعتقل
المئات من الشيوعيين والمتعاطفين معهم. قام حسن سريع بتكوين تنظيم عسكري مدني يهدف
إلى الإطاحة بالسلطة وكان من أولى أهدافه السيطرة على سجن رقم واحد حيث يحتجز أكثر
من 1300 ضابط وطيار وطبيب.
كان التنظيم يقدر عدد
أعضائه بحوالي الألفين” وعرف التنظيم بـ ” اللجنة الثورية"، وقاده حسن بعد
اعتقال مسؤوله السابق.
تم الاتفاق على ساعة
الصفر في الخامس من تموز 1963، ثم قدم إلى 3 تموز بسبب التخوف من اكتشاف أمر
التنظيم بعد ظهور شائعات والقبض على عريفين من قادة التنظيم وخشية أن يبوحا تحت
التعذيب بخطط الحركة , سارع قادة الحركة إلى تنفيذ خطتهم, تم الاجتماع الأخير في
الساعة 12 ونصف من ليلة الانطلاق في أحد أكواخ كمب سارة حيث توزيع المهام من تحديد
ساعة الصفر، وقد أقسم حسن سريع وأعضاء حركته: نقسم بتربة هذا الوطن أن نحررهُ من
رجس المجرمين.
تحت جنح الظلام ، تحرك
الثائرون الشيوعيون من عسكريين ومدنيين ، ومنهم من حمل رتباً عسكرية وهمية منطلقين
نحو كتيبة الهندسة , فسيطروا على بوابة المعسكر، واعتقل ضابط الخفر ، وكسرت
المشاجب ، ووزع السلاح وتمت السيطرة على الكتيبة ومعظم المعسكر الّذي كان يضمّ
أعدادا كبيرة من الدبابات والمدرعات والطائرات. كما قام بعضهم بتصنيع قنابل
المولوتوف من قناني السينالكو.
وينقل عن الشاعر
المعروف عريان السيد خلف بأنه شارك في المحاولة وكلّف مع اكثر من عشرين من رفاقه
أن يحولوا دون تقدم الدبابات التي تتحرك من معسكر الوشاش الى معسكر الرشيد،
والتصدي لها حتى لو مرت على الاجساد! بل تمت السيطرة على وكر الطائرات في السرب
التاسع الذي يحتوي على طائرات ميك 19 وتم تجهيز عدد منها بالوقود لتكون جاهزة
للانطلاق منتظرين قدوم طياريين يقومون بقيادتها.
ومن النتائج السريعة
أنه تم القبض على شخصيات هامة جدا وهم طالب شبيب (وزير الخارجية) , وحازم جواد (وزير
شؤون رئاسة الجمهورية والقائد الفعلي لانقلاب شباط 63) , وأبو طالب عبد المطلب
الهاشمي القيادي البعثي الذي كان يتولى مسؤولية مركز العاصمة بغداد عند بوابة معسكر
الرشيد, ويقال انه تم ايضا اعتقال منذر الونداوي القائد العام للحرس القومي فضلا
عن شخصيات اخرى ومنهم ضباط بعثيون.
هاجم الانقلابين
السجن رقم واحد، لكن حراسه استماتوا بالدفاع عنه الى ووصلت قطعات عسكرية لإحباط
المحاولة, حيث اقتحمت الدبابات المكان، وطوق معسكر الرشيد. وأسرع الرئيس عبد
السلام عارف بنفسه الذي استقل دبابة وقاتل عليها.
هناك شخص ورد اسمه
وحمّله الثوار مسؤولية فشل الانقلاب وهو ضابط صف سائق دبابة اسمه راضي شلتاغ
الساعدي الذي كان يفترض أن يكسر بوابة السجن باقتحام دبابته لها وتحرير الطيارين
والضباط ، وكان قد منح مسدسا لقتل اي مسؤول يمكن أن يصعد معه. إلا أن المفارقة هي
أن عبد السلام عارف صعد معه فلما رأى الرئيس صعد معه أدى له التحية العسكرية وضعف
وتخاذل وتحول موقفه مع السلطة. وعند التحقيق ورد اسمه ضمن المجموعة الانقلابية؛
فأمر عبد السلام عارف بإعدامه مع الوجبة الأولى!!
قتل وجرح عدد كبير من
الجنود والضباط بعد أن تحول معسكر الرشيد إلى ميدان حرب. بعد ست ساعات فقط فشلت
الثورة والقي القبض على كثير من الثوار، وتمت مطاردة الفارين منهم، كما تمّ تشكيل
محكمة عسكرية خاصة، أصدرت أحكاماً بالموت في غضون يومين على عدد من المشاركين قيل
بأن عددهم 300 لكن هذا غير مؤكد لا سيما وأن الأشخاص الذين أعدموا فعلا كانوا أقل
من 30 شخصا.
سئل في المحكمة: هل
تريد ان تصير رئيسا للجمهورية؟ فأجابهم: ما أردت ان اصير رئيسا للجمهورية أو ضابطا
كبيرا في الجيش، إنما أردت إسقاط حكومتكم، ثم كيف تحول عبد السلام عارف من عقيد
الى مشير برمشة عين؟!
أعدم حسن مع رفاقه في
13/7/1963، رميا بالرصاص وكان يردد:
السجن لي مرتبة
والقيد الي خلخال… والمشنقة يا شعب مرجوحة الأبطال.
من الدراسات الهامة
عن هذه المحاولة كتاب علي كريم سعيد "العراق ، البيرية المسلحة ، حركة حسن
سريع وقطار الموت 1963" والذي صدر عن دار الفرات للنشر والتوزيع- بيروت- 2002).
0 تعليقات