آخر الأخبار

إستراتيجية مواجهة الكورونا




 

 

عمر حلمي الغول

 

 

تجاوز عدد المصابين في العالم حاجز الأربعة عشر ميلونا، ووفاة ما يزيد على 570 ألفا من بني الإنسان، والأعداد في تزايد مضطرد، مما يشير إلى ان أزمة الجائحة الوبائية تتفاقم، وتترك ندوبا سوداء في جسد البشرية، وتركت بصمات حادة على الاقتصاد القومي والعالمي، نجم عنها إنكماشا عالميا بنسبة قد تصل إلى حوالي 5% وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، مما ادى إلى إلقاء أعداد هائلة من العمال إلى حاضنة البطالة، قد يكون العدد بلغ الخمسين مليونا أو أكثر. لا سيما وان الولايات المتحدة حصدت النصيب الأكبر منها، ووفق تقديرات بعض المصادر الأميركية تتراوح أعداد العاطلين عن العمل بين 30 و40 مليونا من العمال. ولهذا تعتبر الأزمة الحالية الأشد عنفا وعمقا على الإنسانية، حتى انها تخطت في حدتها الأزمة الكونية عام 1929/ 1930.

 

أمام هذا التحدي الخطير، الذي يواجه البشرية يطرح سؤال على الكل الإنساني، هل على شعوب الأرض ودولها وأنظمتها السياسية بتلاوينها وخلفياتها المتعددة الاستسلام أمام جائحة الكورونا، ام مواجهتها، ووضع الحلول المنطقية والواقعية لها للخروج من دوامتها، وإعادة الاعتبار للإقتصادات القومية والعالمية عبر تخطي مرحلة الكساد، والعبور إلى مرحلة الإنعاش؟ وكيف يتم ذلك؟

 

 

ورغم انني لست خبيرا في الشأن الاقتصادي، ولكن من خلال قراءة التطورات والمتابعات لما يتم تداوله في اوساط الخبراء وبين جهات الاختصاص المتعددة المستويات، يمكنني الاعتقاد، ان هناك عددا من العوامل الأساسية الكفيلة بوضع ركائز يمكن ان تشكل رافعة لإنقاذ العالم وإقتصاداته من الأزمة البنيوية العميقة، منها: اولا عدم الاستسلام للجائحة الكونية نهائيا، وهو ما يعني عدم الركون لفلسفة الإغلاقات، بل العكس صحيح، اي ضرورة مواصلة فتح أبواب العمل في القطاعات المختلفة ووفق الشروط الحمائية القومية والأممية (منظمة الصحة العالمية)؛ ثانيا تظافر الجهود القومية والدولية لمواجهة التحدي، ولا يجوز التقوقع داخل الحدود القومية لكل دولة، بل يفترض خلق ميكانيزمات لتوحيد الجهود البشرية لإيجاد أمصال مضادة للوباء. وعلى الدول التي لديها الأمصال المضادة، تعميمها على البشرية؛ ثالثا الكف عن إنتهاج سياسة "مناعة القطيع"، والعمل على حماية الإنسان كإنسان. لا سيما وانه القيمة الأهم، وراس المال الأعظم للبشرية، ورفض منطق وخيار الطغم المالية، التي تسعى لإفناء العدد الأكبر من بني الإنسان لحسابات خاصة؛ رابعا تعميم ثقافة ومبدأ، العمل ثم العمل المنتج والهادف، لإنه المصدر الأساس لتطور الإنسانية، ولا يمكن مجابهة التحديات اي كان مصدرها، وحجم ومستوى خطورتها بالانكفاء، والتوقع على الذات، والجلوس داخل المنازل، وبناء العوازل بين المدن والدول. لإن هكذا سياسة تخدم أعداء الإنسانية، وتفاقم من انتشار الوباء، والفايروسات الأخرى، التي يمكن ان تظهر خلال المرحلة القادمة؛ خامسا ضخ الأموال الضرورية في سوق العمل، وتقديم الدعم للشركات والمصانع والمزارع بأنواعها وعناوينها المختلفة بهدف إنعاش السوق، وزيادة فرص العمل، وليس العكس؛ سادسا أبتداع وخلق شروط عمل وتواصل بين أبناء الشعب الواحد، وبين أبناء الشعوب المختلفة جديدة وصحية وفق التطورات ذات الصلة بالجائحة الكونية؛ سابعا محاصرة الدول المولعة بسياسات الانغلاق والعزلة عن دول وشعوب العالم، وتضييق الخناق عليها حتى تعود إلى واحة التعاون الأممي؛ ثامنا تعزيز مكانة منظمة الصحة العالمية، وتقديم الدعم المالي واللوجستي لها كي تقوم بمهامها العالمية الموكلة لها؛ تاسعا الحؤول دون حرف الأنظار عن أزمة الكورونا العالمية من خلال تشتيت الإنتباه لمعارك جانبية هنا او هناك. وبذات القدر حماية البشرية من حملات التحريض والكراهية والعنصرية في اوساط الشعوب أو بين الشعوب والدول المتصارعة على إعادة تقاسم النفوذ مع تشكل النظام العالمي الجديد، وعدم السماح بولوج خيار الحرب العسكرية بين الأقطاب المتنافسة على قيادة العالم الجديد. والسعي لبناء عولمة تقوم على التكامل والتضامن والتكافل؛ عاشرا محاربة وباء الإستعمار الإسرائيلي، الذي لا يقل فتكا عن وباء الكورونا، لإنه يضاعف من حدة ازمة الكورونا ووباء القتل على الهوية القومية، ويهدد الأمن والسلم الإقليمي والعالمي. وهذا البند، لا اطرحه من موقعي كفلسطيني عربي، انما من موقعي كإنسان يعمل ويدعو لحماية البشرية من كل الأوبئة وجرائم الحرب.

 

 

هذة افكار أعتقد انها تشكل إسهاما متواضعا في رسم خارطة طريق للخروج من نفق الجائحة الكونية وتداعياتها على المستويات القومية والإقليمية والدولية. بالضرورة لدى خبراء منظمة الصحة العالمية و الإقتصاديين الكثير مما يمكن ان يقولوه، ويطرحونه من حلول للخروج من الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة بعنفها وقوتها على البشرية. بيد ان ذلك، لا يسقط المبدأ الأساس، وهو التوقف عن سياسة الإغلاق، وبناء العوازل بين بني الإنسان في اوطانها وبين دول وشعوب الأرض.


إرسال تعليق

0 تعليقات