محمد قاسم الطائي
ثمّة دافع كبير في نفسي لقراءة كتب المذكرات الشخصية خصوصاً فيما يتعلق
بالمذكرات التي تتصل بمعرفة تاريخ العراق الحديث، ولمعرفة بعض القضايا الحيوية
والشخصيات التي لعبت دوراً مهماً في مسرح التأثير والتغيير سواء في الميدان
السياسي أو الديني .
إذ أن المذكرات الشخصية غالباً أشبه بالشهادات الحرة لا تخضع للضوابط
العلمية ولا تخضع للسياقات المتعارفة في الكتابه، وإنما عادة يبرز دور المذكرات في
تبيان القضايا الغامضة والمخفية من واقع الحدث . وبما أن المذكرات في الغالب لا
تلتزم بشرط الموضوعية السائد في الكتابة، فمن الطبيعي لها أن تكتسب في بعضها حجم
المبالغة في ذم الخصوم أو كيل الثناء للنفس . لكن الجدير والنافع والمفيد فعلاً في
المقام عندما يتحدث صاحب المذكرات عن دوره في النظام الذي عمل معه، أو أنّه كان
جزء مشترك في القضية الكذائية، ويكشف سلبياتها وايجابيتها التي عاشها ورآها فهنا
حقاً تكمن الفائدة .
أجاد الشاعر محمد مهدي الجواهري بطرح قناعاته الخاصة بطريقة اتسمت
بالشفافية والوضوح والذوق الأدبي تضمنتها مذكراته (مذكرات الجواهري) ولم يقتصر على
تحولاته ورحلاته الأدبية، والأدوار التي تمركز فيها، وإنما طالت أمور ابعد من ذلك
تتعلق بالجانب السياسي والدولة العراقية المؤسسة سنة"١٩٢١م".
ونقل كثيراً عن أمور العائلة الملكية العراقية بحكم معايشته وتجاربه مع
الملك فيصل الأول والملك غازي والملك فيصل الثاني، طرح عنهم أشياء ايجابية لكن في
نفس الوقت نقدهم كثيراً .
مثلاً يقول" أن الملك فيصل الأول حاول إنقاذ العراق من سموم الطائفية ...كانت
الطائفية مزروعة قبل ذلك بخسمائة عام منذ بداية الحكم العثماني ثم اشتدت بما جاء
به الانتداب البريطاني " ويقول عن الملك فيصل كان ارفع الملوك شأناً وقدراً
،ومثقف وشبه أديب ومحب للحياة ، وقد نفى الرواية القائلة عنه أن موته في سويسرا
بسبب المرأة الشقراء وإنما اوعز ذلك بسبب نوبات القلب التي كانت ترافقه منذ بداية
شبابه .
فيما وصف عهد الملك غازي بأنه من سوء حظه ، كان محاط بمجموعة متحكمة به
ومتسلطة عليه ،كما كان تحت سيطرة السفارة الالمانية برئاسة سفيرها النازي الدكتور (غروب)
طيله فترة حكمة .
وصف عهد الملك غازي بالعهد الموبوء بالحزازات والاحقاد ونقاط الضعف ..وقد
تفجرت فيه كل احقاد الساسة وكوامنهم ، وكل اطماعهم واطماحهم في الاستيلاء .. ثم
الفتن المصبوغة بدماء الجماهير وقد عده المسؤول الأول عن مصير الشعب العراقي!
بعد انقلاب ١٤/تموز/١٩٥٨م كان الشاعر الجواهري من أشد المتحمسين لهذا
الانتقال الحساس من تاريخ العراق حتى سمي شاعر الجمهورية لكن لم تطل الفترة حتى
تأزمت علاقته بالنظام السياسي القائم برئاسة عبد الكريم قاسم مما اضطر لمغادرة
العراق إلى لبنان عام ١٩٦١م .
افرد الشاعر محمد مهدي الجواهري فصلاً خاصاً في الجزء الثاني من مذكراته
حول حياة عبد الكريم قاسم وصفه قائلاً : كان عبد الكريم قاسم من أكثر اقرانه نظافة
ومن أكثرهم وطنية ومن أشدهم انتماءاً للفقراء وهو من بيئة فقيرة انسحبت جرائر
بؤسها على كل مراحل حياته .." وفي نفس الوقت يتضمن قوله أن الزعيم عبد الكريم
لم يكن شجاعاً وللشجاعة مفاهيمها ومرادفاتها.. وفي بعض المفردات وصفه بالجبن ويقول
عن تجربته انني شخصياً حين سمعت اسماء الحكومة والوزراء وزعماء الجمهورية وقادة
الثورة ..واستطيع أن اقسم على ذلك قرأت الفاتحة على هذه الجمهورية وبقيت مستمراً
في تلاوتها أياماً وليالياً .
أود الاختتام بما كان ينعاه :
اتعلم أم أنت لا تعلمُ ...بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولة ..وليس كآخر يسترحمُ
يصيح على المدقعين الجياع ..اريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين ..اهينوا لثامكم تكرموا
0 تعليقات