آخر الأخبار

عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر (١٥)




 

 

أحمد مبلغى

 

 

 

نظرية التقديس الكاذب في الاستنباط (٨)

 

٢. رسوخ روح القداسة الزائفة في الحجج والأدلة في الاستنباط:

 

إن واحدة من المشاكل والعواقب المترتبة على التقديس الكاذب لمفهوم ما، هي أن هذه القداسة الكاذبة لا تبقى على هذا المفهوم، بل يد هذه القداسة الزائفة تصل الى "عنصر الدليل في الاستنباط" ويشوه هويته.

لكي اتمكن من شرح واثبات ذلك، سأذكر بضعة من النقاط يكون الانتباه اليها يجعلنا نذعن بهذا المدعى، وهي كما يلي:

 

النقطة الأولى: القدسية لها ظل واسع، وإن كانت كاذبة:

 

عندما يرتدي مفهوم مّا، ثوب القداسة الكاذبة، سيهيمن هذا المفهوم على الاستنباط وسيملأ ظله أجواء عمليته، وهذه من خواص القدسية، فانه اذا أصبح شيء مقدسا، ولو بشكل كاذب، يصبح مهيمنا ومسيطرا للغاية.

 

النقطة الثانية: نتيجة هيمنة قدسية المفهوم، هي اتساق مفاهيم أخرى معه:

 

إنه بمجرد أن ألقت قداسة المفهوم بظلاله على الاستنباط، تبدأ نقطة انطلاق عملية إنتاج مفاهيم أخرى بطريقة تتلائم مع ذلك المفهوم لذلك تكتسب سائر المفاهيم الخطأ خاطئة وكاذبة، وذلك في مدار هذا المفهوم المقدس الكاذب.

 

 

ببيان آخر، تنتشر الروح الزائفة والقداسة الكاذبة لذلك المفهوم الأصلي في المفاهيم والنشاطات الأخرى في الاستنباط.

 

النقطة الثالثة: حلول روح القداسة الكاذبة في الدليل الاستنباطي:

 

 

إن أحد أكثر التأثيرات خطورة - التي تتشكل في ظل حضور وهيمنة ذلك المفهوم الكاذب في الاستنباط- هو تأثر عملية الحصول على الدليل في الاستنباط بهذا المفهوم المقدس الخاطئ.

 

توضیح ذلك: ان الدليل مهم جدا في عمليه الاستنباط؛ إذ يلعب الدليل دورًا رئيسيًا ومفتاحيا في عملية الاستنباط. شعار الفقهاء دائما في الاستنباط هو "نحن أبناء الدليل اينما كان فنحن معه"".

 

بالنظر الى ذلك فان النقطة الأساسية هي أنه إذا كان هناك ظل ثقيل لمفهوم مقدس كاذب في عملية الاستنباط، فإن الفقيه عندما يسعى للحصول على الدليل لا يمكن أن يكون سعيه هذا، بمعزل عن تأثيرات ذلك المفهوم الكاذب.

ومن هنا يحدث تحول خطير للغاية وهو أن هذا المفهوم الخاطئ المقدس يلقي بظلاله على عملية الحصول على الدليل ويصنعه وفقًا لمتطلباته، في هذه الحالة، فإن المسار الذي تسلكه عملية تكوين الدليل، ليس مسارا مضمونا، بل هو خطير.

 

النقطة الرابعة: الدليل الكاذب، له تداعيات كاذبة في الاستنباط:

 

بعد أن تكوّن دليل مشوه في ظل القداسة الكاذبة للمفهوم، فسينتج هذا الدليل الزائف المزيد من إعادة إنتاج المفاهيم الخاطئة.

 

والنتيجة هي أن المفهوم الذي استحوذت عليه قدسية كاذبة، سوف يترك من خلال عملية مصادرة الأدله لصالحه، وجعلها مرافقة معها، أسوء الآثار على الاستنباط واتجاهاته.

 

كلام الشهيد الصدر:

 

وقد أشار الشهيد الصدر إلى هذه القضية، حيث ناقش فقيهاً لم يقبل مفاد رواية تعطي حدا للملكية، على أساس كونها مخالفة للأصول والأدلة العقلية، ناقشه بقوله: "وهو يعني بالأدلة العقلية: الأفكار التي تؤكد قدسية الملكية". (اقتصادنا. ٣٨٦).

 

من هذا البيان الصريح، يستفاد أنه كيف وصل فقيه اعتبر للملكية قدسية، إلى نقطة لم يستطع فيها قبول رواية تعطي حدا للملكية، بل رفض العمل بها وحاول إثبات هذا الرفض على أساس دليل صنعه وسماه بالدليل العقلي، مع أن هناك فجوة عميقة بين هذا الذي يتصوره كدليل عقلي مع معايير وخصائص الدليل العقلي.

 

وما أجمل قوله (قدس سره) أن هذا الذي تخالفه هذا الرواية ليس دليل العقل وإنما أفكار هذا الفقيه التي تؤكد قدسية الملكية.



عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر (١٤)



إرسال تعليق

0 تعليقات