عز الدين البغدادي
يصر الإسلاميون على تطبيق الشريعة، ويعتبرونه أهم أهدافهم. ومن خلال
التطبيق فقد رأينا في بعض الدول التي تفرض نمطا معيّنا من اللباس باسم الإسلام أنّ
النساء فيها مثلا لا يلتزمن بالحجاب المفروض عليهن إلا شكليا، كما إنّ كثيرا من
السلوكيات اللا أخلاقية لا سيما تلك التي تتعلق بالجنس تكثر بشكل كبير في تلك
المجتمعات التي يفرض فيها التدين فرضا.
وواقع الحال يثبت أنّ المدن التي يحاولون تطبيق ذلك فيها يحولونها إلى أرض
نفاق وخطيئة. ولا بأس بذلك، فالمهم أن يتم التطبيق ظاهريا بغضّ النظر عما يحدث
فعلا.
وهنا أبين لك مثالا يقرب الحال وهو أن المدن الدينية كما عشت فيها ورأيتها
تتكون دائما من مدينتين أو من طابقين: مدينة ظاهرة، ومدينة أخرى على هامشها . الأولى
تجد فيها مظاهر التدين والشعائر والطقوس، وأما الأخرى ففيها يتم التنفيس والتعويض،
حيث تجد فيها أمورا أخرى لا يمكن أن تدركها مهما عشت في تلك المدن ما دمت لم تعش
في هامشها أو ما دمت لم تصل أو تتعرف بنحو ما إلى عالمها الخاص.
إنّ هذا سيكّون جمهورا يمارس النفاق، فالفرد يكون بين ضغط المجتمع وما
يفرضه عليه من جهة، وبين ما تريده نفسه وتغريه به وسائل اللهو من جهة أخرى . لذا
يمكن أن تجد الفرد متدينا جدا ظاهريا، إلا أنه في حقيقته شيء آخر مختلف تماما. وهذا
ما يمكن أن تجده في مدن كالنجف أو مكة أو الفاتيكان أو أي مدينة أخرى كما إن
الطقوس الدينية والأماكن المقدسة تستعمل للقاءات الحميمية التي لا يسمح بها ظاهرا.
في أفغانستان تجد نسبا عالية من الشذوذ الجنسي، مع انتشار ظاهرة بيع
الغلمان‼ وفي باكستان يمكن ان تحد منافذ كثيرة للسلوك الشاذ لكن يمكن للمرأة أن
تحرق إذا أخطأت أو اتهمت بذلك لأن المهم أن لا ينكشف فسادها! وفي ايران والسعودية
أكبر حالات من الشذوذ واللا مبالاة بالدين. ولا داعي لأن نتكلم على الفضائح التي
حصلت أثناء سيطرة قوى وجماعات إسلامية أرادت أن تطبق الشريعة في العراق وسوريا وأفغانستان
وليبيا وغيرها؛ لأنها معروفة.
إن هذا يرجع إلى عدم فهم الدين من جهة والطبيعة البشرية من جهة أخرى و الإصرار
على الخطاب الديني التقليدي ومحاولة فرض الفضيلة بالقوة، وهي المحاولات التي لا
ينتج عنها إلا حالة قوية من الرذيلة مع كم هائل من النفاق والازدواجية.
أنا هنا أتحدث عن الفساد الجنسي، أما إذا وسعنا الأمر إلى الفساد الأخلاقي
عموما واستغلال المنصب والظلم وخيانة الأمانة والغش والكذب وغيرها فستجد أن الأمر
أخطر بكثير جدا.
هناك قصة تقول بأنه أريد تشريع قانون للبغاء في العراق في العصر الملكي،
فاحتج عدد من الأعضاء لا سيما شيوخ العشائر على ذلك، دعاهم نوري السعيد الى مأدبة
عشاء، وبعد الانتهاء اراد كثير منهم ومعظمهم من كبار السن استخدام المغاسل الصحية
الا أنها كانت مغلقة، بحجة أنها تحت الصيانة، هنا اضطر كثير منهم للاختباء خلف
شجرة أو في مكان مظلم ليقضي حاجته، حدث احتجاج وانزعاج من هذا الموقف المحرج الذي
وقع فيه الضيوف، اعتذر منهم رئيس الوزراء لكونها تحت الصيانة وأراد ان يستغل
الموقف فقال لهم: عندما لا يكون هناك مكان مخصص للقاذورات، فإن اماكن أخرى كثيرة
نظيفة وصلتها القذارة، بينما لو كان هناك مكان محدد لانحصر الأمر به..
لست متأكدا من صحة القصة، ولا اعتقد انها صحيحة على الأقل بهذه الصيغة لكن
مضمونها او فكرتها صحيحة قطعا.
ان الفضيلة لا تبنيها القوانين، ولا الوعظ التقليدي، بل انها تبنى بإنشاء
ظروف حياتية تجعل الإنسان يعيش حالة الفضيلة وتنمي فيه القيم الأخلاقية الحقيقية
وحب الإنسان واحترام الحياة، وليست القيم الشكلية الظاهرية.
بالنتيجة اعرفوا طبيعة البشر قبل ان تنظروا، واعرفوا طبيعة الحياة
الاجتماعية فهي تحتوي على كل شيء، وكما ان الجسم له فضلات فكذلك المجتمع فيه كل
شيء، لا تحملوا الناس على محمل واحد فتكون النتيجة معاكسة.
0 تعليقات