عز الدين البغدادي
قبل أيام حصل كثير من
الجدل والأخذ والرد على مواقع التواصل الاجتماعي اثر وفاة ضابط كبير من العهد
السابق في سجنه.. كنت قد طرحت رأيا، وهو بأي حال رأيٌ غير معصوم من إنسان غير
معصوم لكني تفاجأت حينما رأيت كثيرا من النقاشات ابتعدت عن المنطقية ولو وفق
رؤيتي، وذهبت بعيدا بعيدا.
احد طلبة الحوزة نشر
صورة لمنشوري، وتكلم بكلام ما كان يفترض بمن هو في صفته أن يتكلمه، لأن الطعن
والتهجم والتحريض على السب والشتم لا يؤثر إلا على قائله. ومن استخف بالناس، فإنما
يستخف بعقله وشخصه. وقد رد عليه عدد من الإخوة وأنكروا عليه، ومنهم من لا اعرفه،
بينما تهجم آخرون بكلام أكثر بذاءة وقبحا.
عموما كنت أتمنى لو أن
هذا الشخص أو غيره عرفوا أخلاقيات العلماء الحقيقيين وطلبة العلم وانتفعوا بها،
وتمنيت له لو انه عرف كيف يستغل وقته بما يصلح أمره كما كنت أفعل، فقد دخلت الحوزة
الشريفة، وكنت لا أنام أكثر من أربع ساعات في اليوم.. كان كثير من طلبة العلم (أعزهم
الله) يشغلون الكثير من الوقت في إعداد طعامهم أو شرب الشاي أو زيارة بعضهم لبعض
أو الحديث عن هذه المرجعية أو تلك، وكنت حريصا على وقتي احرص من البخيل على ديناره.
في أول دراستي وبينما كان قلة من طلبة العلم
يدرسون "علم الصرف" للأسف، ومنهم من يدرسه من باب إسقاط الفرض، كنت ادخل
إلى مكتبة الإمام الحكيم العامة واستخرج المصادر القديمة على شروح الشافية (كشرح
الرضي الاسترأبادي والجاربردي والفاضل عصام وغيرهم) وكتب ابن جني وابن عصفور وشروح
الألفية، وكنت اشعر وأنا أعالج النصوص القديمة كما لو أني احفر الصخر بأصابعي بسبب
صعوبتها وتعقيدها، حتى أتممت كتابي الأول "القصر المنيف في علم التصريف"
في أكثر من 400 صفحة وهو كتاب شامل جامع مانع وكما وصفه أحد المشايخ "يغني عن
غيره ولا يغني غيره عنه".
وكتبت كتابي الثاني"بيت
العنكبوت" ولي سنة ونصف، أكملت كتاب الذي اطلع عليه وراجعه الشيخ د. احمد
البهادلي وبعد أن أتم قراءته جاءني بنفسه إلى مدرستي (مدرسة الأزري)، وهذه أخلاق
العلماء، وكتب لي رسالة ابتدأها بتعبير "إلى سماحة العلامة الجليل" وأنا
لي في الحوزة أقل من سنتين، وهو الرجل الذي كان يدرس مادة علم الأصول في الحوزة
قبل أن أولد بعشرين سنة. وهذا الكتاب قرضه أيضا المرحوم الشيخ باقر القرشي وهو يصف
مؤلفه بـ "شيخنا العالم الفاضل".
في خلال أكثر من
سنتين كنت قد تجاوزت المرحلة الأخيرة (اللمعة- المكاسب) في الامتحانات الحوزوية
وهي المرحلة التي احتاج من سبقني بثلاث سنين لما يقارب أربع سنوات للوصول إليها،
وكثير من أساتذتي لم يكن وصل إليها.
عموما من قديم قال
احدهم: الأشراف لا تعتدي على الأشراف، وقال من قبله "كل إناء ينضح بما فيه".
أرجع إلى النقطة
الأهم: كل إنسان يقترف جريمة فيجب أن يحاسب وفق القانون، وبما يقتضيه العدل والإنصاف،
سواء كان جنديا أم وزير دفاع؟ رغم أني اعتقد أن المحكمة التي أسست لمحاكمة أركان
النظام كانت محكمة مهينة وسيئة، لأنها المحكمة التي هدرت فيها الكثير من الأموال وسمحت
بعد ذلك بتحويل صدام حسين من رئيس مجرم فاشل سلّم بلاده للاحتلال بأيام واختبأ في
حفرة وبحالة مهينة ويائسة وبائسة إلى بطل قومي ولو كان وهميا يخطب في المحكمة
ويضحك ويهتف، تحول إلى بطل قومي وتلقفه القوم لأن العرب مغرمون بالرموز حتى لو
كانت اللات أو العزي أو هبل أو صدام.
هذه المحكمة هي التي أهانت
الشهداء والضحايا، وهي التي صورت صدام بطلا وصورت المعارضين له (وكلامي عن الشرفاء
منهم فقط) وكأنهم خونة وعملاء.
لا أدافع عن زيد أو
عمرو، لكني أدافع عن مؤسسة عسكرية أهينت رغم أنها تمثل الوطن، ربما لا يعلم كثيرون
أن شنق العقيد الركن صلاح الدين الصباغ سنة 1945 وتعليق جثته في وزارة الدفاع كانت
من العوامل الهامة في قيام ثورة 14 تموز المجيدة.
ولا يعلم الكثيرين أن
معظم الهجمات التي تشن على قادة سابقين لم تكن بسبب انتهاكهم لحقوق الإنسان ولا
لتجاوزهم القانون وإلا لحوكم القادة في سقوط الموصل أو مجزرة سابيكر ولحوسب جميل
الشمري وغيره، بل بسبب كونهم اشتركوا في حرب الخليج الأولى ومن قبل جهات وأشخاص
يصرحون بأنهم لا يؤمنون بالوطن ولا بالحدود.
أريد أن أسأل وأتمنى
أن يجيب أهل المحافظات الذين يتعلق الأمر بهم: كيف كانت فترة إدارة الفريق الركن (السني)
مدير الاستخبارات صابر الدوري لمحافظة كربلاء؟
كيف كانت فترة إدارة
الفريق الركن كامل ساجت الجنابي السني الذي أعدمه المجرم قصي لمحافظة ميسان؟
كيف كانت فترة إدارة
الفريق الركن احمد عبدالله الجبوري لمحافظة الديوانية؟ وأنا أقول (السني) للتذكير
والتنبيه وإلا فإن الضباط الشرفاء لا يفتخرون بألقاب كهذه، لأن هويتهم الوطن
والمواطن.
إن تصوير أن كل من
كان في النظام السابق فهو مجرم هو تصوير خاطئ وبعيد عن الواقع وعن الإنصاف، هناك
من يغرر الآخرين عمدا بمثل هذه الأفكار، وهناك من يقصد ترويجها لأنه لا يريد أن
يجد شيئا ايجابيا فيما قبل 2003.. لا يا سادة، صدام وأسرته كانوا مجرمين قتلة، وما
نعيشه الآن من مأساة هي نتائج أخطائه وجرائمه وغبائه لكن كان هناك رجال فعلا لم
يعارضوا صدام لأنهم لا يقدرون على ذلك لكنهم أخلصوا لشعبهم ولم يخونوا وطنهم ولم
يسرقوا ما اؤتمنوا عليه.
قبل فترة كتب لي أخ
عزيز يقول لي: أنت تلمح للعفو عن البعثيين السابقين، فقلت له: لا يا أخي أنا لا
ألمح، بل أصرح، وكتبت هذا الموضوع في كتاب لي "وظيفة الرعية في السياسة
الشرعية" لقد كان حل حزب البعث ضرورة سياسية للمرحلة، وكان من الممكن محاكمة
المجرمين من البعثيين كغيرهم وفق قانون العقوبات العراقي، ثم ينتهي الأمر دون
تشريعات زائدة او محاكم استعراضية انتفع منها النظام السابق بدل ان تدينه.
نحتاج إلى التسامح
نحتاج الى قيم الوطن نحتاج ان نكون منطقيين في تفكيرنا وإلا فالفشل لا يتلوه إلا
الفشل..
والله المستعان وهو المعين
0 تعليقات