د. محمد إبراهيم بسيوني
بسبب كورونا Covid-19 يمر العالم بأيام عجاف فهناك صراع حقيقي في كل دول العالم بين
اختيار ما فرضته المتطلبات الصحية وبين تفادي الأزمة الاقتصادية. كل دول العالم
اضطرت إلى الإغلاق التام لتفادي الانتشار السريع لفيروس كورونا.
ولكن مع استمرار الأزمة والإغلاق تسيطر المخاوف من أزمة اقتصادية طاحنة تطل
برأسها اذا استمر الحال. فأصبح السؤال: هل هو الموت السريع بالكورونا؟ أو البطيء
مع خسائر اقتصادية لم يشهدها العالم من قبل؟
يحتدم الجدال في العالم، في معظم دول العالم التي عانت بسبب تفشي وباء
كورونا، حول الطريقة الملائمة لرفع الإجراءات القسرية، التي أدت إلى تعطيل الحياة
والاقتصاد والخدمات وإقفال الجامعات والمدارس والمؤسسات.
في بعض الدول كان الإقفال محكما، إلى درجة عدم السماح للمواطنين بمغادرة
منازلهم إلا للضرورات القصوى.
على أثر ذلك ازدادت نسب البطالة في كل العالم؛ وما كان على العاطلين، وهم
بالملايين بعد قطع أرزاقهم، إلا اللجوء إلى حضن الدولة لحمايتهم وعائلاتهم. وكلف
العاطل عن العمل هذه الدول كثيرا. فبالإضافة إلى خسارة دخل الضريبة على الراتب
والخدمة التي يقدمها العمال والموظفون، تضطر الدولة إلى الإنفاق من خزينتها عليهم
حال فقدانهم وظائفهم.
مما احدث التأثيرات السلبية الكبيرة في الاقتصاد، ومجمل الأنشطة الأخرى في
المستقبل في هذه الدول بعد فترة إغلاق طويلة نسبيا في بعض الدول.
حتى أمريكا التي يساوي اقتصادها ثلث الاقتصاد العالمي، بدأت تخشى من
الإقفال ليس على مستقبل اقتصادها فحسب، بل على مكانتها كأعظم قوة اقتصادية وعسكرية
في العالم.
تحرص إدارة ترامب على إعادة فتح البلاد أمام الشركات وإعادة بناء الاقتصاد
قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. وقد بدأ حوالي نصف الولايات في رفع حظرها
كخطوة نحو الانتعاش الاقتصادي، وتخطط دول أخرى أن تحذو حذوها.
بينما حذر كبير خبراء الأمراض المعدية في الحكومة، الدكتور أنتوني فوسي، من
أن إعادة فتح أبواب في وقت مبكر جدًا يمكن أن يسبب المزيد من المعاناة والموت. وقال
فوسي أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي"هناك خطر حقيقي من
أنك ستؤدي إلى تفشي المرض الذي قد لا تتمكن من السيطرة عليه".
ليس سهلا أبدا أن تقرر إقفال بلد سكانه عشرات الملايين، أو مدينة سكانها
بضعة ملايين، لكن لم يكن باليد حيلة بالنسبة لهذه الدول أمام تفشي وباء كوفيد - 19.
لكن إن كان قرار الإقفال من الصعوبة بمكان، فيبدو أن محاولة هذه الدول
العودة إلى العمل وممارسة الحياة بصورة طبيعية ليس من السهولة بمكان أيضا.
والسبب جلي، الجائحة لم تغادرنا وهي تتربص بنا في غياب عقار لشفاء المصابين
بها أو مصل للحد من تفشيها.
وأغلب التوقعات تشير إلى أن الدول الغربية الصناعية الكبرى مثل: أمريكا
وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومعها دول غربية أخرى ممن لجأت إلى الإقفال
التام أو الجزئي في الأشهر الأربعة الأخيرة، لن تتحمل اقتصاداتها تبعات موجة جديدة
للوباء.
ولهذا تخطو هذه الدول صوب رفع الإقفال، كي تسير الحياة بصورة طبيعية بحذر
شديد. عينها الواحدة على الوباء الذي يقف خلف الباب، وعينها الأخرى على الاقتصاد
الذي سينهار إن لم تجر فيه الحياة من جديد.
وجراء الخشية الكبيرة هذه - الخشية من الوباء وانهيار الاقتصاد - صرنا نقرأ
في الصحافة الغربية مواضيع تثير الشجون وأحيانا الشفقة، لأنها تشير أولا إلى ضعف
الإنسان، وثانيا إلى تخبطه وقلة حيلته أمام الوباء المستجد هذا.
في إيطاليا مثلا هناك نقاش حامي الوطيس حول طريقة الجلوس التي يجب أن يكون
عليها رواد المطاعم، والطريقة التي على النادل تقديم الطعام للزبائن بها.
كم يجب أن تكون المسافة بين زبون وآخر؟ هل يجب وضع لوحة بلاستيكية أو
زجاجية بين زبون وآخر يجلسان على مائدة واحدة؟ ومن يجب أن يرتدي الكمامة
والقفازات؟ ما المسافة المسموحة بين النادل والزبائن؟ وماذا ستكون ردة فعل زوج
وزوجته قدما سوية إلى المطعم وفي سيارة واحدة، وإذا بهما يجلسان على مائدة فيها
لوح زجاجي أو بلاستيكي يفصل بينهما؟
وماذا عن المدارس والجامعات، وماذا عن محال الحلاقة والمصانع؟ وهل سيعاد
فتح المسارح ودور السينما وكيف؟ هل ستعاد النشاطات الرياضية وبأي صيغة؟ وماذا عن
النقل العام؟ وكيف يجب على المسافرين الجلوس في الحافلات والقطارات والطائرات؟
وكيف يكون وضع العمال في المصانع؟
ومن ثم كيف سيكون النشاط الاقتصادي للمطاعم مثمرا ومربحا، إن رفعنا الإقفال
ووضعنا شروطا كثيرة للعودة إلى العمل؟
فرض التباعد الاجتماعي لنقل، مسافة متر واحد، سيقلص استيعاب المطاعم إلى
نحو النصف، هل سيكون النشاط الاقتصادي ناجحا ومربحا في هذه الحالة؟ وكم ستكون
الأسعار كي يصبح في إمكان صاحب العمل الاستمرار؟
وقس على ذلك أغلب النشاطات الاقتصادية في المضامير المختلفة من نقل وصناعة
وخدمات وغيره.
ما بعد الجائحة لن يكون مثل ما قبل الجائحة. هذا قول صحيح، لأننا حقا نحن
مقبلون على عالم جديد وطريقة حياة جديدة لم نألفها، لكن علينا التأقلم معها طالما
بقي الوباء معنا.
0 تعليقات