عمر حلمي الغول
أسمٌ وقيمة ومكانة تعامد مع عظمة القضية والثورة وشموخ الإنسان الفلسطيني
العربي، هارون هاشم رشيد هزم الموت، وواصل الحياة رغم قساوتها، ووحشيتها في محطات
شتى طالت فلسطين وشعبها على مدار سني حياته الثلاثة والتسعين. واكب الطفل هارون
منذ رأى النور في حارة الزيتون بمدينة غزة مراحل ومسار الصراع الفلسطيني
الصهيوبريطاني عام 1927، ونمى وعيه السياسي والأدبي مع إحتدام الصراع، حيث عاش
ربيع الثورة الكبرى 1936 /1939، ومعارك الدفاع عن الأرض الفلسطينية طيلة السنوات
والعقود التي تلت، وكان شاهدا أسوة بأبناء جيله على نكبة شعبه في العام 1948، مما
فجر لديه ينبوع البلاغة والشعر والمسرح.
اصدر الشاعر الفلسطيني العربي الكبير خلال مسيرته الطويلة 22 ديوانا وأربع
مسرحيات، وكان باكورة دواوينه "مع الغرباء" الصادر عام 1954، وكان آخر
ما أنتج من دواوين عام 2002 بعنوان "قصائد فلسطينية". وأطلق على الشاعر
الفذ أسماء وعناوين عدة تتواءم مع قامته، ومع روح شعره وعطائه، وما تمثله طيلة
رحلة كفاحه الإبداعي، ومنها: شاعر العودة، وشاعر النكبة، وشاعر الثورة، وشاعر
القرار 194، وشيخ الشعراء وهرمهم الأكبر والأخير أدعي اني صاحبه.
هذا وحظي هارون هاشم رشيد بنصيب متميز في أوساط المطربين لبساطة وسحر
وبلاغة وجزالة شعره، وغنايئة كلماته، فغنت له فيروز، ومحمد فوزي، وفايدة كامل،
ومحمد عبده، وطلال المداح، وكارم محمود، ومحمد قنديل وغيرهم. تسعون قصيدة مازال
يرددها المطربون العرب. كما تم عرض مسرحياته الشعرية الأربع، مسرحية "السؤال"
على مسرح القاهرة بطولة كرم مطاوع، وسهير المرشدي، ومسرحية "سقوط بارليف"
على المسرح القومي بالقاهرة، ومسرحية "عصافير الشوك" ... إلخ وكتب
العديد من المسلسلات لصوت العرب، الذي عمل مراسلا له منذ العام 1954 في قطاع غزة،
وبعد نكسة 1967 غادر القطاع إلى القاهرة حيث عمل في مكتب الإعلام التابع لمنظمة
التحرير، ثم مندوبا لفلسطين في الجامعة العربية لثلاين عاما.
هارون هاشم رشيد، له من اسمه نصيب كبير بالعلاقة مع الخليفة هارون الرشيد،
الذي حكم تقريبا نصف الكرة الأرضية زمن خلافته في المرحلة العباسية، ليس بالاسم
فقط انما بالمكانة والقيمة والريادة.
فالهرم الكبير، وشيخ الشعراء أمتد صيته ومكانته على مساحة الوطن العربي،
ووجدت هذه المكانة دلالاتها في اختياره من قبل الأشقاء اليمينيين شخصية العام
الثقافية بمناسبة تولي صنعاء عاصمة للثقافة العربية. ومازال الشاعر المبدع والخلاق
حاضرا في المشهد السياسي والثقافي والأدبي عموما بأتساع إنتاجه المعرفي العميق
والأصيل.
ترجل الشاعر هارون هاشم رشيد بعيدا عن الوطن الصغير والوطن الكبير حيث
وافاه الأجل في كندا. كأنه شاء برحيله في غرب الكرة الأرضية، ان يؤكد على قدرته
بالجمع بين الشرق والغرب، فولد في غزة الثورة والعطاء، ورحل في هدوء بعيدا عن صخب
الحياة. لكنه أراد التأكيد على أنه حاضرا في اصقاع الأرض كلها.
الشاعر الهرم والشيخ الموسوعي رحل عن مشهد الحياة، وسلم الروح لبارئها،
وغادر غير آسفٍ على مصائبها. لكنه ترك للأجيال كلها القادمة إرثا عظيما من الشعرب
والمسرح والمسلسلات والكتابة السياسية والتجربة الرائدة، التي تعظم بقائه حيا
وخالدا بين أبناء شعبه. لأنه سطر صفحة ناصعة بالبياض والجلال لشخصه ومكانته
وريادته، وكابن بار ومخلص للقضية والأهداف الوطنية ولحرية وإستقلال فلسطين العربية
وعاصمتها القدس، وسيبقى دفاعه عن حق العودة لكل فلسطيني طرد من ارض وطنه نبراسا
للفلسطينيين جميعا. كما ان هارون الرشيد الفلسطيني، هو عميق الولاء لقوميته
وعروبته، ولعل تجربته مع صوت العرب إنعكاسا لهذا الولاء.
رحم الله شاعرنا الكبير رحمة واسعة، ولروحه السلام، ومن المؤكد ان القيادة
والشعب الفلسطيني ستخلد ذكراه، ليس بإعادة جمع وتوثيق ما أنتجه، انما بتكريس شعره
في المنهاج الفلسطيني، وبإطلاق اسمه على العديد من الميادين والمدارس والشوارع
والمنابر التي تليق به وبمكانته العظيمة.
0 تعليقات