حسن النصار
في مطلع الثمانينيات،
وعندما كان الناس يرون بيروت تموت وتتكسر وتتهشم موجات شواطيها بفعل الحرب
الأهلية، والإجتياح الإسرائيلي نسي الجميع أن فيروز ماتزال قادرة على الغناء، وإن
المتوسط مايزال يقترب من سواحلها ليعانق جبالها، وإن وديع الصافي مايزال يبعث
مواويله الى الوديان البعيدة، والدروب العتيقة، وإن صباح ماتزال تتنفس عبق بيروت
برغم سفرها المتواصل، وإن ملحم بركات كانت قدرته على الغناء، ولو بحزن تتوهج، وحين
يلتقي الشعراء كان يستفزهم، ويتحول معهم الى فريق رائع، وكان جيل جديد من الفنانين
والشعراء والكتاب يبزغ متحديا، بينما نزار قباني وأودونيس ينسجان الكلمات بقوة
متحدية غير واهنة.
مطلع الثمانينيات،
وكانت بيروت منقسمة ومقسمة، كان راغب علامة يغني:
ياحبيبتنا بيروت شو صاير بالدني
بيروت يابيروت دخلك لاتنحني
وكان عود ماجدة
الرومي ووديع الخولي نهاد طربية ووليد توفيق صامدا في وجه الرياح العاتية، حتى
زالت بعض الغيمات السود، وتجدد العهد والوعد مع الحياة، ونفضت بيروت كميات الغبار
المتراكمة، وتراجع الصهاينة، وغادرت المجموعات المسلحة، وصار ممكنا الحديث عن عودة
لليالي بيروت بشتائها وربيعها وصيفها وخريفها، وكل موسم منها بلون ورائحة وطعم
مختلف لإبن البلد وللمسافر الذي يدفعه الإشتياق ليزور المدينة المعتقة والرائقة.
عدنا لبيروت برغم
الصدمات، ورغم التصدع ورغم حزن الحارات، ورغم الحديث عن المشاكل والتحديات، وكلمات
الجوع التي يطيرها في الهواء من شاء دون حساب، والمهم لديه أن يطلقها مثل غربان
سود، ولكن الذي أعرفه عن بيروت أنها لاتشيخ، وأنها تتجدد، وأنها شامخة وعالية مثل
جبالها، وبهية مثل حضاراتها القديمة الغافية على شاطيء المتوسط الذي قرر أن يقيم
فيها ليسهر كل ليلة على الموسيقى والغناء والأضواء.
0 تعليقات