عز الدين البغدادي
في قواعد استنباط الحكم الشرعي هناك ما يسمى بتنقيح المناط، أي البحث عن
العلة التي يناط بها الحكم وتحديدها وعدم اعتبار ما سواها. وللتوضيح يضرب هذا
المثل دائما، وهو حديث الأعرابي الذي قال للنبي (ص): يا رسول الله، هلكتُ، قال: ما
لك؟!، قال: وقعتُ على أهلي في رمضان، قال: فأعتِق رقبة.
فالمجتهد هنا يحاول استخراج الوصف الذي علق عليه الشارع الحكم، ويرى أن
هناك أوصافًا كثيرة لا مدخل لها تعليل الحكم لعدم صلاحيتها للتعليل، مثل كونه رجل
وكونه أعرابيًّا، وكون الوطئ في رمضان عاشه النبي (ص)، وكونه قد وطئ خصوص امرأته،
فيستبعد كل ذلك وليصل الفقيه أن مناط الحكم هو وطء الصائم في شهر رمضان.
الآن نرجع إلى الموضوع الأساس: فمنذ زمن بعيد طرح هذا السؤال: لماذا تأخر
المسلمون؟ وكانت الإجابات متعددة وكل واحد منها ينطلق من قاعدة قناعاته، إلا أن
الجواب الأسهل الذي يتردد دائما خصوصا عند أصحاب الاتجاه الديني هو أنهم تأخروا
لأنهم تركوا منهاج الإسلام، أما حينما كانوا متمسكين به، فإنهم كانوا سادة الأرض،
وبالتالي فإن الجواب عن السؤال يمكن تلخيصها بتلك العبارة الشهيرة "الإسلام
هو الحل". وهذا جواب موهم، لا سيما وأنه لم يحدد ماذا يقصد بالإسلام؟ وما هي
عوامل النهوض فيه؟
سنحاول أن نقوم ينتقيح المناط، لنرى ما هو الأمر الموجود في الإسلام الذي
تعلق عليه أو تناط به أسباب النهضة، اذا كنا نعتقد بأن الإسلام هو الصلاة والصوم
هو العامل المؤثر فانه سيكون مثل رأينا بأنّ لبس العمامة هو المؤثر في النهضة أو أن
إطلاق اللحى هو المؤثر المنتج..
ومن يعتقد أن الإسلام الذي تنهض به الحياة هو الإسلام الذي يعرفه الفقهاء
بحلاله وحرامه، فهو متوهم. ومن يعتقد بان الإسلام هو رفع راية الجهاد وأنه هو
الكفيل بتحرير الأرض واستعادة فلسطين وأيضا الأندلس فهو واهم، ومن يعتقد بأن الإسلام
هو طبع المصاحف وتزيين المساجد فهو واهم، ومن يعتقد بأن الإسلام هو إقامة الخلافة
فهو واهم... فكل هذه أوصاف غير مؤثرة كما يقال عند تنقيح المناط.
نحن ابتعدنا عن القيم التي وضعها الإسلام، وهي القيم التي نهضت بالأمة، انها
قيم المعرفة والعدل والحكمة والتفكير والإنصاف والصدق.
لقد رجعنا إلى الإسلام فعلا، إلا أننا لم نرجع إلا إلى فهم خاطئ غير صحيح،
لقد رجع العقل العربي ليناقش أمورا هي نتاج حالة عمرها ألف سنة تقريبا، رجعنا
نناقش في نظريات الاشاعرة والسلفية، والحديث عن العصمة والإمامة وعلم الرجال،
وصرنا نسمع أن فلانا هو خاتمة الأشاعرة، وفلان هو المدافع عن السنة.
النقاشات التي طواها الزمن حتى لم يبق لها وجود إلا في كتب القدماء، رجعت
مرّة أخرى ليتم تقسيم الناس إلى أشعري وماتريدي وسلفي أو إلى أصولي وإخباري.
قرأت مرة كلاما للسيد محمد الشيرازي يقول فيه بأنّ الأمة يجب أن ترجع إلى
الإسلام، لكن هل الإسلام الذي يؤمن به والذي يعتبر التطبير شعيرة من الشعائر يمكن
أن يكون مقبولا فعلا عند الآخرين؟ إنها نفس الدعوة التي يكررها السلفي والأخواني
رغم أنهم لا يجمعهم شيء، فبعضهم يكفر بعضا، وكل جهة تلعن الأخرى، بمعنى أن قاعدة
واحدة تجمعهم ليس لها وجود فكيف يجمع الأمة كلها على شعار غير جامع ولا منتج؟
إنه كلام، مجرد كلام، لا ينتج شيئا ولا يرتب أثرا غير تخدير العقل.
0 تعليقات