مير عقراوي*
بداية أقول لا بأس وحسب ، بل
يجوز الاستشهاد بالآيات القرآنية في المواضيع والقضايا بمختلف أنواعها ، لكن ينبغي
أن يكون الاستشهاد صحيحاً وفي محله، وينبغي أن يكون حقاً الموضوع الذي يستشهد به
من خلال آيةً من القرآن الكريم وألاّ يُخالف مقصود الشرع بالتالي . هذا ما عليه
الكثير من العلماء قديماً وحديثاً .
الكاتب الكردي محسن جوامير
شبَّهَ إستفتاء عام 2017 لإقليم كردستان / العراق ب[ الشجرة الطيبة ! ] ، وذلك باستشهاده
بهذه الآية القرآنية الكريمة ، ونحن هنا نورد الآيتان المتبقيتان اللتين هما في
نفس السياق : { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً أصلها ثابت وفرعها في
السماء * تُؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون *
ومثل كلمة خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ آجتُثت من فوق الأرض ما لها من قرار } ؟ إبراهيم /
24 - 26 ، هنا بغض النظر عن تفسير هذه الآيات ومدلولاتها نتساءل : هل إن استشهاد
الأخ محسن جوامير بالآية القرآنية المذكورة وبحماس غريب وعجيب عن الاستفتاء
المذكور ورائده ومن تبعه ونتائجه وثمراته على الكرد في الإقليم ، هو في محله
وموضعه ، أمِ العكس هو الصحيح بحسب الحقائق المريرة والوقائع المأساوية ...؟
في هذه المقالة نحاول البحث
حول الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان / العراق ، في الخامس والعشرين من شهر
سبتمبر لعام 2017 ، ونتائجه وثمراته [ الطيبة والحلوة ! ] للشعب الكردي كما زعم
الأخ الكاتب في منشوره الذي ما فتأ يكرر نشره باستمرار على صفحة التواصل الاجتماعي
( الفيس بوك ) ، بل إنه ذهب بأن الاستفتاء المذكور ، هو { كشجرة طيبة أصلها ثابت
وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } ! .
من هو مهندس الاستفتاء
والتعريف به ..؟
إن الذي هندس للاستفتاء لإقليم
كردستان / العراق ، هو مسعود البارزاني رئيس الحزب ما يُسمى بالديمقراطي
الكردستاني ، والرئيس السابق أيضاً للإقليم ، وذلك بهدف الانفصال والاستقلال عن
العراق وتشكيل دولة كردية في الإقليم . وتمت عملية الاستفتاء في موعدها ، حيث
ذكرناه آنفاً وصوت الشعب الكردي بنسبة تصل إلى ( 93% ) ، علماً إنه في عام 2005
أقدم كردٌ على إجراء استفتاء للإقليم للاستقلال عن العراق فوصلت نسبته أكثر من الاستفتاء
الثاني ، حيث وصلت نتيجته إلى حوالي ( 98% ) ، فلماذا لم يُبدي الأخ محسن جوامير
وغيره الحماس للاستفتاء الأول الذي حصد الأصوات الأكثر ، ولم يتعرَّض الإقليم
وشعبه لأيِّ ضررٍ وإضرارٍ ، أو سفكٌ لقطرة دمٍ كرديٍّ ، أو تضييع لشبر من أرض
الإقليم ، وذلك بعكس الاستفتاء الثاني لمسعود البارزاني الذي جَرَّ على الإقليم
وشعبه ويلاتٍ وخسائر من جميع النواحي ، لا بل إن الأخ محسن جوامير يمتدحه ، كل
المدح ويشيد به ويعتبره نصراً مُأزَّراً وفتحاً كبيراً ويصفه أيضاً بالشجرة الطيبة
المباركة التي فرعها في الأرض وأصلها في السماء ، حيث تُؤتي أكلها كل حينٍ وآن ..؟
لا شك فيه بأن الشعب الكردي
يحلم بالحرية والسيادة على وطنه ، ويحلم أيضاً بالاستقلال والكيان السياسي المستقل
وتقرير مصيره بنفسه كأيِّ شعب آخر ، وهذا من حقه المشروع بشِرْعة الأرض والسماء .
إن جوهر الموضوع الأساسي ليس
في استحقاق الشعب الكردي في تقرير مصيره ، بالمقدمة الدولة المستقلة ، فهذا أمرٌ
مفروغ منه كحقٍ طبيعيٍّ له ، كما الموضوع ليس فيما يتمناه ويحلم به الكرد ، لأن
القضايا لا تتحقق بمجرد الحلم والتمني ، إذ ليس كل ما يتمناه المرءُ في حياته
يلقاه ، بل الموضوع يكمن في عدة قضايا ومشاكل معقدة وأساسية على الصعد التالية :
1-/ داخلياً ، وهو واقع الكرد
وكردستان ، فالواقع لهم هو إنهم يعيشون ضمن أربعة دول رسمياً ودولياً كما هو معروف
. إن قادة الاستفتاء لم يعيروا بالاً لواقع الإقليم نفسه على المستويات السياسية
والقيادية والعسكرية والتسليحية والإدارية والمالية والاقتصادية ، فكلها كانت تعاني
الضعف الشديد والخلافات الحادة، أو الصفر كما الاقتصاد والمالية ، هذا على رغم
إنهم كانوا يصدرون النفط والغاز لأعوام طويلة ، لكن بسبب الفساد الرهيب والحيف في
الثروات النفطية ، وفي غيرها أضحى الإقليم مديوناً لأكثر من ( 17 ) مليار دولار باعترافهم
، عليه كيف يتم تشكيل دولة على أساس اقتصادي ومالي صفرٍ ، لا بل تحت الصفر ...!؟
أما سياسياً نتساءل : لقد فشل
، كل الفشل حكومة الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الإقليم البارزاني والطالباني من
حلِّ خلافاتهم وتسويتها ، فالإقليم هو بالواقع منذ عام 1992 والى اليوم ليس حكومة
واحدة ، بل حكومتان : حكومة أربيل ، حيث حزب البارزاني ، وحكومة السليمانية ، حيث
حزب الطالباني ، وهما أمام شاشات التلفاز يصافحون بعضهم ويبتسمون ، لكن بالواقع هم
يطعن بعضهم بعضاً وقلوبهم شتى , ذلك بأنهم قوم لا يتفقون بسبب نزعات قادتهم الاستبدادية
والفردية والذاتية - الشخصية والنهبية للمال العام ، حيث الثروات الوطنية للشعب
الكردي من النفط والغاز وغيرها من الموارد التي هي تكفي لإدارة خمسة عشر مليون
إنسان لا خمسة ملايين فقط برخاء ورفاهية إن كان في الإقليم حكم مؤسس على قواعد
العدالة الاجتماعية والديمقراطية عملاً قبل القول والإدعاء الخالي من أيِّ محتوىً
عدالتي .
2-/ إقليمياً ، وهو الدول
المتقاسمة لأجزاء كردستان ، وهي : تركيا ، إيران ، العراق وسوريا . فهذه الدول ،
بخاصة تركيا وإيران اللتان هما دولتين كبيرتين بالمنطقة ترفضان رفضاً قاطعاً من
قيام كيانٍ كرديٍّ مستقلٍّ في إقليم كردستان / العراق ، أو في أيِّ جزءٍ آخر من
كردستان .
3-/ عالمياً ، وهو الدول
العظمى في العالم التي بيدها ناصية السياسة الدولية ، بخاصة الدول الخمسة صاحبة حق
الفيتو ( النقض ) في مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة .
هكذا فإن المجتمع الدولي يخالف
ويعارض المساس بالحدود الحالية في منطقة الشرق الأوسط للدول الأربعة التي تم توزيع
الكرد وكردستان عليها ، وهذا يعني بكل صراحة : إن السياسة الدولية والمجتمع الدولي
يخالف قيام دولة كردستانية ، وقد عبر المجتمع الدولي / السياسة الدولية عن موقفه
هذا بتكرار ، وكان آخره خلال الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان عام 2017 ! .
أفي أجواءٍ مضطربة ، كل الاضطراب
وهشةٌ ، بل مفلسةٌ اقتصاديا ، وضعيفةٌ عسكرياً وتسليحياً من الداخل ، ثم في أجواء
سلبيةٍ ومناهضة مباشرة لقيام دولة كردية إقليمياً وعالمياً ، كيف أقدم مسعود
البارزاني على إجراء عملية الاستفتاء ، مع إن فشلها وانهيارها كان معلومٌ سلفاً
لدى كل مَنْ كان له إلمامٌ بالقضية الكردية وتاريخها والكرد على المستوى المجتمعي
والسياسة الدولية أيضاً ..؟
لقد شاهد العالم كيف فشل الاستفتاء
فشلاً كاملاً وجرَّ على الشعب الكردي مصائب وويلات ومآسٍ كبيرة وخطيرة بشرياً
وجغرافياً ، حيث قتل الكثير من المدنيين الكرد وشرد الكثير منهم من أماكنهم ، مع استيلاء
القوات العسكرية المسلحة العراقية على كركوك بعد أن كانت قبل الاستفتاء بيد القوات
الكردية ، مضافاً خسارة الكرد لمناطق أخرى كثيرة في إقليم كردستان / العراق .
مسعود بارزاني في ميزان
العدالة والديمقراطية :
إن مبادئ العدالة الاجتماعية
والديمقراطية قائمة على التغيير الدوري للرئيس والحكومة والإنتخابات الحرة
والنزيهة والشفافة ، وهي قائمة أيضاً على القضاء المستقل والصحافة الحرة ، كما على
الحرية في التعبير والكتابة والرأي وغيره ، فهل كل ذلكم موجود في مسعود بارزاني
والعائلة البارزانية وحزب البارزاني ورئاسة البارزاني للإقليم في السابق والحال
...؟
الجواب هو كالتالي بالحقائق
والوقائع والأرقام :
1-/ إن رئاسة الحزب ، هي لم
تخرج من العائلة البارزانية منذ تأسيسه عام 1946 من القرن العشرين المنصرم ، والى
يومنا هذا .
2-/ رئاسة الإقليم من عام 2005
، والى عام 20017 كانت بقيادة مسعود البارزاني .
3-/ في عام 2018 أصبح نيجيربان
البارزاني رئيساً للإقليم ، وذلك بتولية وتوصية من عمه مسعود البارزاني .
4-/ نيجيربان البارزاني رئيساً
للوزراء من عام 2006 ، حتى عام 2018 .
5-/ مسرور البارزاني نحجل
مسعود البارزاني رئيساً للحكومة عام 2018 ، وذلك بتولية وتوصية من والده .
6-/ منصور مسعود بارزاني /
قيادي عسكري وبرتبة عسكرية عالية ، مع إنه لم يخدم العسكرية قط ، هذا فضلاً عن
تخرجه من كلية عسكرية .
7-/ سيروان بارزاني / قيادي
عسكري وبرتبة عسكرية عالية .
8-/ أدهم بارزاني قيادي في الحزب ومسؤول حكومي .
9-/ دلشاد بارزاني ممثل حكومة الإقليم في ألمانيا .
هكذا أصبح الحزب مؤسسة عائلية
حكريةٌ حصريةٌ لعائلة واحدة فقط ، وهي العائلة البارزانية مثلما هو معلوم للجميع ،
كما إن رئاسة الإقليم وحكومته ومصير ومقدرات الشعب الكردي وإقليمه وثرواته الوطنية
أضحت مؤسسة حكرية حصرية لنفس العائلة أيضاً ! .
من جانبٍ أخرٍ لقد تعرض الكثير
من الشخصيات العلمية والثقافية والإعلامية للاغتيال والتصفية الجسدية في ظل حزب
البرازاني ورئاسته وحكومته ، منهم : سردشت عثمان ، كاوه كرمياني ، سوران مامه حمه
، الدكتور نافع عقراوي ، رؤوف عقراوي ، ودات حسين والدكتور هشيار هوليري . أما على
صعيد المحسوبية والمنسوبية والفساد الإداري والحكومي والإفلاس المالي ، فذلك كله
بحاجة الى بحث خاص مستقل .
هنا نتساءل : كيف كان الاستفتاء
{ شجرة طيبة } للشعب الكردي في إقليم كردستان / العراق ، وهو لم يجني من تلك
الشجرة إلاّ المزيد من الدماء البريئة والتشرد وخسران المناطق ، بخاصة كركوك
وغيرها من الخسائر الفادحة والأضرار الجسيمة ..
فما لكم كيف تحكمون ولا تعدلون
ولا للعدل وقيمه تنتصرون ...؟
* كاتب بالشؤون الإسلامية
والكردستانية
0 تعليقات