علي الأصولي
ولا بأس بأخذ جولة ، حول المادة الأساسية التي عليها مدار هذه
الملفات وتتلخص هذه الجولة مع الطبري في تاريخه ،
لاعتبارات منها أن - تاريخ الطبري - أوسع وثيقة تاريخية في بابها ،
حيث دون التاريخ ابتداء من آدم (ع) وانتهاء بسنة ( 309 ) هجرية. ومادة أو مصادر
التاريخ الرئيسية أخذها ممن سلف - كأبي مخنف والمدائني وهشام الكلبي والواقدي -
فأصبح هذا التاريخ مصدرا معتمدا عن من جاء بعده من المؤرخين والباحثين وغيرهم.
ولربما ميولي لهذه الوثيقة هو لما تمتع به الطبري من استقلالية
فكرية ملحوظة وإنصاف موضوعي.
نعم: روج الطبري مذهب الشافعي في بغداد ولمدة عشر سنين غير أن هذا
الترويج لم يكتب له البقاء والاستمرار إذ في أخريات حياته ترك التقليد - تقليد
الشافعي - وروج لمذهبه ونشر على الملأ قناعاته الشخصية واجتهاداته الخاصة.
فهذا ( ابن خلكان ت 681 هجرية ) وغيره ذكر ما نصه - وكان من
المجتهدين، لم يقلد أحدا ، وكان أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني المعروف
بابن طرارا على مذهبه - وذكر ( الزركلي ت 1396 هجرية ) في الأعلام ما نصه - وكان
مجتهدا في أحكام الدين لا يقلد أحدا، بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وأرائه -
وكما ترى من كان مجتهدا فهو متحررا من الانسياقات المذهبية الاجتهادية في الجملة ،
مما يزيد من فرصة الموضوعية والاستقلالية إلى حد ما ، وبالتالي نجد أن ذلك سيؤثر
على تعاطيه والموروث التاريخي. تبعا لعقليته الاجتهادية لا التقليدية.
ومن المبررات الأخرى الداعية للنظر في تاريخ الرجل بعين الإنصاف
موضوعة علاقته المتحفظة تجاه الدولة العباسية فهو لم يحسب بحسب تعبيراتنا في خانة
- وعاظ السلاطين - ولذا قد ذكروا أن الخاقاني عندما تقلد الوزارة وجه للطبري بمال
وفير غير ان الطبري امتنع عن قبوله لهذه الأموال، بل إنه تم عليه عرض القضاء فأبى
ذلك. وغيرها من الوظائف الحكومية التي لهث ويلهث عليها غيره ، فهذا التعاطي إذ لم
نحسبه يصب في الجانب الشرعي الفقهي من قبل الطبري تجاه السلطة فلا مناص وحسبه على
الجانب الأخلاقي العملي من قبل المؤرخ الطبري تجاه السلطة الحاكمة آنذاك.
وعلى ضوء ذلك يمكن الاستكشاف النفسي لشخصية الطبري وكونه لم يقدم
السلطة على النص التاريخي المعروف عند غيره. وكذا ينبغي أخذ بعين الاعتبار كون ان
الرجل مستقل ماليا فهو لم يعرف عنه بأنه فقير ونحو ذلك إذ ربما هذا العامل مشكل
عند غيره . فقد ذكروا أنه يعتاش من أموال التجارة وعلى ريع ضيعة خلفها له أبوه في
طبرستان.
نعم: اهتم الطبري في تاريخه بقضية الإسناد في الجملة ، حيث يسند
المرويات إلى أصحابها. على طريقة المحدثين لا على طريقة المؤرخين وهذا عامل قوة في
تاريخه ،
مع نقله لوجهات النظر المختلفة حتى مع قناعاته الشخصية. فكان
تاريخه محل اعتبار عند الباحثين،
وعلى ما ذكر الكاتب والصحفي العراقي - رشيد الخيون - وهو في صدد
بيان أهمية - تاريخ الطبري - إذ قال : ليس من باب المبالغة إذ قلنا ان كل من دون
التاريخ بعد الطبري كان عالة عليه ، انتهى.
نعم : ربما تقول ان جملة من المؤرخين تقدموا زمانا على الطبري ،
كاليعقوبي والبلاذري والواقدي بل من جاء من بعد الطبري لا قصور في تواريخهم
كالمسعودي وابن مسكويه وابن الأثير وابن خلدون،
قلنا: هناك خصائص توفرت عند الطبري لم تتوفر عند غيره سواء من سبقه
أو من جاء بعده. ناهيك على أنه امتاز عمن سبقه بالموضوعية والموسوعية، وعلى من جاء
بعده كما قال الكاتب العراقي بأنهم - عيال عليه –
نعم : هذا الطبري الذي اتهم بالتزوير وكونه أحد الأقلام المأجورة
وخدمة بني العباس انظر إلى أحد نصوصه التي أوردها وأودعها في تاريخه إذ قال : فما
يكن من كتابي من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارؤه، أو يستشنعه سامعه،
من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في
ذلك من قبلنا، وإنما اتي به من قبل ناقليه إلينا، وأنا إنما أديناه ذلك على نحو ما
أدي إلينا ، انتهى.
وعلى ضوء هذا النص ينبغي أن تستكشف عدم أمانة بعض المنابر التي
حاولت من تقزيم أو تقليل أو اتهام المؤرخ الطبري وإلصاق تهمه التزوير في كتابه
بدعوى تمرير قناعات السلاطين أو أفكاره المذهبية،
أكثر الطبري الرواية - وهذا هو موضوع ملفنا - عن أبي مخنف لوط بن
يحيى الازدي، بما قريب خمسة مائة وسبعا وثمانين رواية، وهو مؤرخ معروف بالتشيع.
وقلنا نتيجة هذه المرويات وغيرها أصبح الطبري مرمى لسهام النقاد من مذهبه، فهذا
ابن أبي داوود صنف على أثر مناظره بينه وبين الطبري - كتابا بالرد على الطبري -
رماه بالعظائم ومنها الرفض!
ومشكلته مع فقهاء وعوام حنابلة بغداد أشهر من نار على علم ومن أحب
التفصيل فليراجع - المقالات التي تناولت سيرة هذا الرجل ففيها المزيد من التفصيلات
–
نعم: عندما ينقل الطبري واقعة كربلاء فهو ينقلها بطرق مختلفة، بصرف
النظر عن انتماء الرواة واعتقاداتهم المذهبية المهم هو نقل الحدث بصرف النظر عن أي
شيء آخر كما عرفت في مطاو هذه السلسلة.
استسقى الطبري الواقعة الكربلائية من لوط بن يحيى ( الرواية
العراقية ) ونقل مشاهدات من حضر من معسكر ابن سعد ( الرواية الشامية الأموية ) ولم
يغفل عن بعض نقولات الإمام الباقر (ع) ( الرواية الحجازية ).
بلى: أوثق المرويات هي للرواية ( العراقية والحجازية ) لاعتبارات
منها الموثوقية والعيانية وغير ذلك،
الملاحظ أن الشيخ المفيد (٤١٣ هجرية ) اعتمد في كتابه حول مقتل
الإمام الحسين(ع) كما في كتابه - الإرشاد - اعتمد بالنقل على مقتل أبي مخنف كما
ينقل الطبري (٣١٠ هجرية ) من أبي مخنف ، ولا يفصل بين شيخنا المفيد والمؤرخ الطبري
سوى قرن من الزمن فقط ، كما اعتمدا على مقتل ( هشام بن محمد السائب الكلبي الكوفي
) النسابة وكذلك كان الاعتماد أيضا على كتاب المدائني (٢٢٥ هجرية ).
بينما نجد أن ابن نما الشيخ محمد بن جعفر الحلي كتب ( مثير الأحزان
) وبعده بثلاثين سنة كتب ابن طاووس مقتلا آخرا ( الملهوف على قتلى الطفوف) هو نفس
( مثير الأحزان ) بزيادات تاريخية ، وعلى ما ذكر الشيخ المختص يوسفي الغروي ان
مصدر ( مثير الأحزان ) ومقتل ( ابن طاووس ) هو مقتل الخوارزمي الذي اعتمد على كتاب
( الفتوح ) لأحمد بن اعثم الكوفي البغدادي المعاصر للطبري وكلاهما توفيا في سنة (
٣١٠ هجرية ) تقريبا.
وقد راج مقتل ( ابن اعثم ) في الوسط الشيعي مع ان الرجل معروف كونه
أحد أكابر القصاصين والوضاعيين للأحاديث!!.
وهذا الاعتماد هو لأجل اعتماد الخوارزمي على كتاب ( الفتوح ) الذي
فتح بابا لمن بعده وترويج القصص والحكايات!
0 تعليقات