"إنه من
المستحيل تحقيق النمو الاقتصادي في بلداننا بإتباع النموذج الرأسمالي الغربي، لأن
أي اندماج في هذا النظام الرأسمالي يؤدي إلى تعميق تخلفنا"..... سمير أمين
رحل المفكر الاقتصادي
المصري سمير أمين بجسده لكن أفكره واجتهاداته ونضاله.. ستظل معنا دومًا..
الراحل صاحب نظرية
التطور اللامتكافيء التي صاغها في سبعينيات القرن الماضي محاولا تفسير تخلف
منطقتنا، وقد تنبأ مبكرا بفشل ما يسمى بـ " الربيع العربى " بعد بداية
أحداثه مستندا على قراءته العميقة للحركات الإسلاموية ودورها السلبي في منطقتنا.
يرى أمين استحالة
تحقيق النمو الاقتصادي في بلداننا بإتباع النموذج الرأسمالي الغربي، لأن أي اندماج
في هذا النظام الرأسمالي يؤدي إلى تعميق تخلفنا، ويبني طرحه هذا على العلاقة
الوطيدة بين رأسمالية المركز ورأسمالية الأطراف، و يرى بأن الطبقة الرأسمالية في
المركز متمركزة حول الذات، وتستخدم علاقاتها الخارجية لخدمة مصالحها وأوطانها، أما
الطبقة الرأسمالية في الأطراف فهي طبقة تابعة وفي خدمة مصالح المركز الرأسمالي،
ويقول سمير أمين بحتمية إتباع الأطراف النموذج الاشتراكي وتجاوزها للرأسمالية كحل
للتخلص من تخلفها.
ذهب أمين إلى القول
بأن نمط الإنتاج الخراجي السائد في العالم الإسلامي أثناء العصور الوسطى عاجز عن الانتقال
إلى الرأسمالية لأنه مكتمل وناجز ومتطور، وذلك على عكس نمط الإنتاج الإقطاعي الغير
مكتمل في أوروبا المتخلفة آنذاك، فبناء على هذه الملاحظات وضع سمير أمين نظريته "التطور
اللامتكافئ"، والتي تقول بأن تغيير أي نظام اقتصادي عالمي نحو الأفضل لا يتم
انطلاقا من مركزه المتقدم، بل يتم من محيطه وأطرافه المتخلفة لأن "كل تاريخ
الإنسانية يعلمنا أنه ليس تعاقبيا، فقد كانت الحضارات الأقدم والأعظم لعالم ما قبل
الرأسمالية، حضارات الصين ومصر، منظمة بطريقة تضمن لها في الوقت نفسه الاستقرار
والمرونة الكفيلين بتمكينها من استيعاب التقدم المستمر، لكن البطيء والمحدود للقوى
المنتجة، وبهذا المعنى يستحق نموذج هذه الحضارات أن يسمى بالنموذج الناجز. بالمقابل
لم يكن للحضارات لما قبل رأسمالية التي تكونت بصورة مستقلة، على أثر هذه المجتمعات
وفي محيطها صفة الإنجاز. وهذه الحضارات الأقل لمعانا، تصبح لهذا السبب بالذات
الأكثر استعدادا لإبداء أشكال تنظيم جديدة، ملائمة أكثر للرد على احتياجات تطور
متفوق للقوى المنتجة، وهكذا يوحي تاريخ ميلاد الرأسمالية بقانون تطور لامتكافيء
يقضي بأن تجاوز أي نظام لا يتحقق في مركزه ولكن انطلاقا من محيطه".
وبناءً على هذه
النظرية توقع في بداية سبعينات القرن العشرين أن العالم سينتقل من نظام رأسمالي
عالمي إلى نظام اشتراكي عالمي لأن "برجوازية المركز...تستغل البروليتاريا في كل
مكان، في المركز والمحيط، لكنها تستغل بروليتاريا المحيط بصورة أكثر وحشية... أن
تكوين النظام العالمي كما هو عليه الآن لم يساعد فقط على نمو تيارات اشتراكية في
المحيط، ولكنه أدى إلى تحول النواة الرئيسية للقوى الاشتراكية من المركز إلى
المحيط، إنه لواقع إن التحولات في اتجاه اشتراكي لم تفتح ثغرة إلا في محيط النظام،
ونكران ذلك يعني نكران تغيرات النظام على المستوى العالمي، ويعني نكران وجود نظام
عالمي في النهاية".
تناوله العلاقات بين
المركز الرأسمالي والأطراف الرأسمالية التابعة، فإنه يبدو لنا أنه قد حاول من خلال
ملاحظات خاصة بالفترة ما قبل الرأسمالية، وهو المقارنة بين ما أسماه نمط الإنتاج
الخراجي في الشرق ونمط الإنتاج الإقطاعي في أوروبا ليضع قانونه "التطور
اللامتكافئ"، ويستنتج على أساسه أن النظام الاشتراكي هو الذي سيسود العالم
بعد انهيار الرأسمالية، وستتم عملية الانتقال انطلاقا من العالم الثالث بصفته
أطراف النظام الرأسمالي العالمي .
أن التوسع الرأسمالي
سيؤدي إلى تفتيت الدول بإثارة الهويات التحتية للشعوب وتفجيرها عرقيا وطائفيا بفعل
الضغط الثقافي الغربي الذي يدفع الشعوب إلى الانغلاق والتعصب لحماية هويتها، لكن
ستؤثر سلبا لأنها تبعدها عن الحداثة، وتدفعها إلى حروب هوية بداخل الدول لأنها في
الحقيقة تتكون من هويات مركبة. ومن أكبر الشعوب التي تعاني من هذه المشكلة هي شعوب
منطقتنا.
وبالانتقال من السياسي
إلى الثقافي فى نظرية "التبادل اللامتكافيء" عند سمير امين نجد أن عجز
العالم الإسلامي عن الانتقال إلى النظام الرأسمالي في العصور الوسطى رغم بروز
رأسمالية تجارية، يعود إلى نمط الإنتاج السائد عندهم الذي كان خراجيا مكتملا من
الصعب جدا تحويله، على عكس الإقطاع في أوروبا الذي كان مرنا بسبب عدم إكتماله،
وبالتالي تم تحوله بسهولة وإنتقاله إلى الرأسمالية ثم الثورة الصناعية، ومانتج
عنها من تقدم أوروبي وغربي على عكس المسلمين.
إن الثقافة العربية،
خاصة المشرقية منها قد أكتملت، وأخذت نوعا من القداسة بسبب ارتباطها بالدين
الإسلامي وبلغة يعتقد أنها مقدسة، وبالتالي أصبحت ترفض أي جديد يطرأ عليها، وتنظر
إلى الثقافات الأخرى باستهجان وفي بعض الأحيان ثقافة كفر وإلحاد، وبتعبير آخر
أصبحت ثقافة صلبة يصعب انخراطها في العولمة الثقافية وتفاعلها مع المستجدات، فهنا
ينشأ التعصب والانغلاق أو ما نسميها المكونات الثقافية التي تتحول إلى أيديولوجيات
وهويات مغلقة ومتعصبةن مما يؤدي إلى ردود فعل متعصبة أخرى، فتولد ما يمكن تسميته
بالفوضى على أساس الهويات كما طرحنا ذلك عندما أشرنا إلى التوسع الراسمالي وتفتيته
لدول الأطراف"، فأنطلقنا من ذلك كي نضع أسس نشر ثقافة مرنة غير منغلقة يمكنها
إخراجنا من الشرنقة التي نعيشها اليوم ونتجاوز أزماتنا العميقة وحروبنا الأهلية
الهوياتية والطائفية.
0 تعليقات