علي الأصولي
ذكرنا سابقا أن السيد البدري يرى أن صاحب المقتل - مقتل أبي مخنف -
أحد الذين سايروا أهداف الاتجاه العباسي وطمس القضية الحسينية، فالنظرة التي صورها
- لوط بن يحيى الازدي الغامدي الكوفي - بالنسبة لشخصية الإمام الحسين (ع) هي أن
الإمام كان مظلوما وذهب إلى ربه شهيدا ، وأن قاتله بالنار مخلد ويستحق اللعنة ،
وهذه النظرة منسجمة تماما مع الاتجاه العباسي. وكون الإمام طالبا
للحكم والسلطة غير أنه أخفق في تشخيص الوضع الاجتماعي والسياسي الكوفي ، وقد أخطأ
الإمام باصطحاب العائلة متجاهلا نصائح من نصحه وبالتالي ندم على عدم أخذ النصيحة
في يوم العاشر من محرم الحرام ،
هذه هي رؤية حكومة بني العباس والتي كانت منسجمة كما قلت مع
الاتجاه وروايات - المقتل - ومن هنا ذهب السيد سامي البدري وجملة من العلماء إلى
اتهام صاحب المقتل بالتواطىء ورغبات السلطة ومخططاتها تجاه الإمام الحسين(ع)
وثورته،
ناهيك على تصوير شيعة الكوفة وخذلانهم لابن بنت رسول الله (ص) في
واقعة كربلاء فضلا عن تركهم لمسلم سفير الإمام الحسين(ع) لملاقاة مصيره بمفرده،
وبعد أن سمعنا اتهام السيد البدري وغير السيد البدري لأبي مخنف ،
غير أنهم جميعا لم يقدموا دليلا تطمئن إليه النفس وكون الرجل عباسي الهوى والتوجه،
سوى الحكم على منقولاته. بيد أن مقتل أبي مخنف - المتهم - لم يقع بيد أحد سواء من
اتهمه أو من أخذ برواياته، وهذه ملاحظة جدا مهمة تسقط أصل الاتهام إذا مشينا مع
هذه التهمة وصدقناها بقول مطلق، إذ أن كل ما وصلنا من الرجل هو بواسطة - الطبري -
في خصوص واقعة كربلاء، - والطبري - هذا مهمته النقل بدون التبني كما بينا في ما
سبق،
ولا يسعني إلا إحالة القارئ والمتابع على مقال - هل كان أبو مخنف
من رجال الإعلام العباسي - لمشتاق بن موسى اللواتي في مجلة - نصوص معاصرة - مركز
البحوث المعاصرة في بيروت - تجدها في موقع كوكل، ففيها المزيد وهذا الشأن.
من هو أبو مخنف؟
هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم بن حارث بن عوف بن ثعلبة
بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة الغامدي الأزدي، وجد صاحب المقتل - مخنف
بن سليم - كان من أصحاب النبي(ص) ومن أصحاب الإمام علي (ع) وقد قتل في حرب الجمل
في صف جيش أمير المؤمنين(ع) وقد ترجم للوط بن يحيى وجده كلا من ابن النديم في -
الفهرست - وابن حجر في - الإصابة في تمييز الصحابة - والمدائني والواقدي، وللرجل
كتب تاريخية حفظها البلاذري والطبري وقد بين ابن النديم تصانيفه التي قال عنها
إنها خاصة بشيعة أهل الكوفة، وليس فيها ذكر لآل أمية وبني المروان والتي يمكن أن
يكتشف من خلالها توجهه السياسي والعقدي،
وله كتاب المقتل الذي ألفه في العشرين سنة الأخيرة من حياته تقريبا
أي بحدود سنة (80) للهجرة والتي روى فيها الأحداث إما مباشرة أو بإسناد واسطة
واحدة، وأغلب من روى عنهم شهود عيان على الواقعة،
ويذهب الباحث - سعد الخزرجي - إلى أن تدوين الواقعة جرى بحدود
(120) للهجرة أي في بدايات ضعف الدولة الأموية. ولا بأس ومراجعة مقال الأستاذ
الخزرجي تحت عنوان - مقتل الإمام الحسين (ع) قراءة نقدية - فقيه المزيد من
التفصيلات،
وكيف كان: هذا ما يمكن بيانه في هذا الملف فقد اعتمدنا على أهم وثيقة تاريخية في
نقل الواقعة مع عدم رفع اليد عن الوثائق الأخرى إذا توفرت فيها الشروط الموضوعية
العلمية في النقل من أدلة وشواهد وقرائن ونحو ذلك،
وأما التصيد بالكتب التي لم تعرف كونها تاريخية أصلا أو التصيد في
التاريخ من غرائبه وتفردات النقولات وشواذه وإثارة التساؤلات التي هي بالأصل فجوة
تاريخية وترتيب عليها تحاليل استحسانية واستنتاجات شخصية وبناء تاريخ هجين فلا
نلتزم به بحال من الأحوال كونه مخالفا للمعايير العلمية الموضوعية ولو كان - وصح
ما استنتجه البعض - لبان في التاريخ أو طيات أحاديث آل محمد (ص).
وعلى كل من يحاول أن يقدم قراءة تاريخية عليه أن يقدم دليلها معها
وشرط الدليل ثباته وحجمه لا كيفما كان ، والى الله تصير الأمور، والحمد لله رب
العالمين.
0 تعليقات