آخر الأخبار

مصر التي لم تعرفها والقرآن الذي لم تقرأه (5)

 

 




محمود جابر

 

 

بعد الحديث عن فرعون، وآمراته، والملأ، والسحرة، نعود لنفطة هامة وهى مولد موسى أين ولد وأين عاش ...

 

موسى أين ولد وأين عاش ؟!

 

يقول القرآن الكريم (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص

 

والسؤال هنا أين كانت أم موسى حين ألقت بوليدها في الماء حتى تتخلص منه ويلتقطه آل فرعون؟

 

عندما نقرأ بعين العقل، ونتحلى بعقلية محايدة غير خاضعة للسيناريو اليهودي سنتأكد أنها حقاً كانت تعيش داخل قصر فرعون ولا يمتنع من رواية القرآن أن أم موسى وأخته كانتا داخل القصر، وليستا خارجه.

 

في سورة القصص بدأً من الآية السابعة تتسلسل الأحداث كما يلي:

 

{ وأوحينا الى أم موسى أن أرضعيه ..... }

 

{ فإذا خفت عليه فألقيه في أليم ..... }

 

تبدأ القصة بأن خبأت أم موسى طفلها، فترة من الزمن، بعد أن حملت به داخل قصر فرعون، فلما كبر وعلا صوته خافت عليه من أمر فرعون بقتل الأطفال، تبعاً للنبوءة التي قيلت له، فألهمت بإلقاء الطفل في اليم الذي يمر بجانب القصر في لحظة معينة يتواجد فيها كل آل فرعون .

 

من آيات القرآن سنشعر أن كل الأحداث - في لحظة معينة - كانت تتم بسرعة، فقد استخدم القرآن كلمات ( أوحينا ) ، ( فألقيه) ، (فالتقطه) دلالة على سرعة الإبلاغ وسرعة الإلقاء والالتقاط ، فالفاء تدل على سرعة وتوالى الأحداث والتعقيب بلا تراخ، أكثر من هذا استخدم القرآن عبارات شديدة القوه والسرعة توحي بالاستعجال مثل : اقذفيه في التابوت ، فاقذفيه في اليم ، فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له، كل هذا في لحظة واحدة، يبدو أنها كانت لحظه نادرة أوحى الله لأم موسى باستغلالها.

 

وهذا يشعرنا ، بل يؤكد لنا أن مكان الإلقاء هو نفسه مكان الالتقاط !!

التقط آل فرعون الطفل ثم أخذته زوجة فرعون بين يديها .... :

 

{ .... وقالت امرأةُ فرعون قرةُ عين لي ولك لا تقتلوه ... }

 

وعندما سمعت أم موسى بإذنيها أوامر بعدم قتل الطفل :

 

{.. أصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدى به }

 

أي أوشكت أن تتخلى عن حذرها وكتمان أمر الصبي ابنها وتصرخ من فرحتها بنجاته وتعلن على الملأ أن هذا الطفل ابنها، لولا أن ربط الله على قلبها فاستكانت في حجرتها التي كانت ترى منها كل الأحداث، والآن، الآن فقط ...

 

{.... قالت لأخته قصية فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون }

 

من الآيات الكريمة سنلاحظ أن الأم لم تطلب من ابنتها أن تراقبه إلا وهو بين يدي امرأة فرعون، أي أنها كانت تتخفى فى مكان ما بالقرب من موقع الأحداث وكانت ترى وتسمع كل شئ، وخفق قلب الأم لديها عندما رأت بعينيها طفلها بين يدي زوجة فرعون و سمعت بأذنيها خبر نجاته وعدم قتله ، هنا ..... وهنا فقط استراحت واطمأنت على ابنها ، وطلبت من ابنتها أن تسرع بدلاً منها لمتابعة ما يحدث له عن قرب.

 

ونفاجأ جميعاً... بوجود الفتاة أخت موسى (المفترض إنها عدوة فرعون ) في وسط بيت فرعون، بل في نفس المكان مع كل آل فرعون وتسمع عن قرب كل ما يدور، فلقد رأت امرأة فرعون قد أخذت الوليد وضمته لصدرها، وسمعته يبكي من الجوع ، أي أنها ظلت مدة طويلة بجانبه من لحظة إلقائه في اليم بجانب بيت فرعون ( بعد إرضاعه مباشرة ) حتى لحظة شعوره بالجوع، بل إنها رأتهم في حيرة من أمرهم والطفل يصرخ ويأبى المرضعات اللائى أحضرن، كل هذه المدة وهي واقفة عند إحدى الجوانب .

 

ثم نأتي لقمة الدراما عندما تتدخل الفتاه فى الكلام وتقول لآل فرعون:

{ .... هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } 12القصص

ووافقوا على رأيها ! وعملوا به فوراً !! إذن البنت لم تكن عبده ولا مستعبده ولا من الأعداء لأنها فى وسط الحدث فى قلب البيت أو القصر.

 

وهنا لا بد أن يثير انتباهنا سهولة حركة أخت موسى وتتبعها لموسى وسيرها ورائه ورؤيتها لكل ما حدث ثم دخولها بيت فرعون بكل سهولة ووصولها لآل فرعون رأساً وتحدثها معهم مباشرة بلا وسيط أو مترجم.

 

ومن المثير أن أخته لم تقل هل أدلكم على مرضعة، أو مربية... الخ إنما قالت هل أدلكم على أهل بيت، ترى هل كانت تقصد أهل من هذا البيت .

 

ألا يضع هذا أمامنا العديد من علامات الاستفهام والتعجب على القصة القديمة ؟!!

 

هذا هو ما نريد إثباته … انهم كانوا يعيشون مع فرعون فى نفس البيت، فهم أهل وعشيرة واحدة بلغة واحدة، فلم يقل لنا القرآن ولا التوراة أن فرعون صرخ وقال من هذه الفتاه ؟ ولا الجنود أحاطوها أو قبضوا عليها، وعرفوا منها كيف دخلت بيته، وقتلوها؛ بل العكس تماماً فلقد احترمها الجميع واستمعوا لكلامها " دون أن يحضروا لها مترجم " ! وعملوا بمشورتها ، وأعطوا الطفل الى المرضعة التي رشحتها هي، وهى طبعاً أم موسى؛ وعاد موسى إلى حضن أمه التي قامت بتربيته " علناَ " داخل بيت فرعون ولم يخرج منه .

 

فهل يعقل أن يترك آل فرعون الطفل الذي قرروا تبنيه ( عسى أن ينفعهم أو يتخذوه ولدا ) يتربى في بيوت بنى إسرائيل خارج البيت الكبير ؟!

 

والذي يثبت أن الطفل موسى قد ولد وتربى ببيت فرعون وليس خارجه تلك الآية التي أتت بكلمة واحدة فيها الإعجاز كله ، فهذه الآية تشير إلى أن فرعون تعرف على الشخصية الحقيقية لموسى بعد عودته من مدين عندما قال له :- { ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين } 18 الشعراء

 

وسوف نلاحظ أن القرآن استخدم اسم الفعل من الولادة، وهذا يدل على أنه ولد ببيت فرعون وقاموا بتربيته داخله منذ الولادة فالرضاعة فالطفولة فالفتوة فالرجولة ( من عمرك سنين ).

 

لم تستطع أم موسى أن تخفى الطفل بعد ولادته إلا لمدة ثلاثة أشهر اضطرت بعدها لقذفه فى اليم خوفاً عليه، فلو كانت أم موسى تعيش بين قبائل العبرانيين خارج القصر لما كان هناك مبرر للخوف على الطفل والتخلص منه ذلك لأن خبر ولادته لم يتسرب خلال هذه الفترة الطويلة ( ثلاثة أشهر) فأصبح من الممكن أن يظل سراً خافياً للأبد مثل غيره من الأولاد ، خصوصاً والتوراة تقرر :

 

" أن القابلتين ومعهم نساء بنى إسرائيل كثيراً ماكن يخدعن فرعون ويتركن أولادهن على قيد الحياة دون أن يدرى بهم أحد " .

 

ولكن لأنها كانت تعيش داخل قصر فرعون نفسه فأضحى من الصعب عليها إخفائه أكثر من هذا، خصوصاً وصوت صراخه بدأ يعلو، وأصبح الخوف على الطفل وفكرة التخلص منه لها ما يبررها بل ضرورية.

 

وهنا سؤال واجب : كيف تواجدت عائلة موسى فى قصر فرعون؟

 

رغم الاستفاضة فيما سبق حول القربة بين موسى وفرعون وانهما من عائلة واحدة وهم جميعا من بنو اسرائيل، ولكن فى كتاب المواعظ والاعتبار للمقريزى يقول :

 

" وفرعون هو أول من عرف العرفاء على الناس وكان ممن صحبه من بنى إسرائيل رجل يقال له إمرى وهو الذى يقال له بالعبرانية عمرام وبالعربية عمران بن قاهت بن لاوى وكان قدم مصر مع يعقوب عليه السلام ، فجعله حارساً لقصره يتولى حفظه وعنده مفاتيحه وإغلاقه بالليل، وكان فرعون قد رأى في كهانته ونجومه إنه يجرى هلاكه على يد مولود من الإسرائيليين فمنعهم من المنا كحة ثلاث سنين التي رأى أن ذلك المولود يولد فيها ، فأتت امرأة أمري إليه فى بعض الليالي بشيء قد أصلحته له فواقعها فاشتملت منه على هارون .. ثم أتته مرة أخرى فحملت بموسى …."

 

نفهم من كلام المقريزى أن عمران أبو موسى كان مسئول أمن القصر، وهو عمل لا يعطيه أي حاكم إلا لمن يثق به من أهله وعشيرته - وهذا له أكثر من دلاله ، من جهة يثبت لنا قرابة فرعون لبنى إسرائيل، ومن جهة أخرى يفسر لنا كيف دخلت أم موسى وأخته بيت فرعون دون أي استغراب أو أن يمنعها أحد لأنه وفى كل الأحوال يعطى صاحب البيت الكبير مكان خاصة لمسئول الحراسة والأمن له ولأهله وتكون هناك علاقات بحكم السكن فى مكان واحد لهذا قالت أخت موسى لآل فرعون :

{ .... هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون }12 القصص

 

ثم تقول التوراة : " ودعت اسمه موسى وقالت إنني انتشلته من الماء ".

إن موسى فعلاً اسم عبري مشتق من كلمة عبرية ( العبرية مشتقة من اللغة الآرامية ) بمعنى المنتشل، لأنه انتشل من الماء ولكن العجب العجاب أن زوجة ملك مصر تطلق اسماً عبرياً على الطفل الذي انتشلته من الماء !

 

ومن الطبيعي أن الاسم جزء من الثقافة واللغة، وخاصة لدى الملوك وأسرهم، لهذا كان أول ما خطر على بالها اسماً عبرياً لتطلقه على الطفل، اسم جاء عفوياً من وحي الخاطر ليدل على الحقيقة المطلقة وهي حقيقة : أن فرعون وزوجته وملأه من نفس قوم موسى أحد أقوام وقبائل الأعراب والعبرانيين .

 

لقد حسمت التوراة الموضوع وقالت أنه اسم عبري مشتق من فعل - مازال يستخدم حتى اليوم فى لغتهم - بمعنى المنتشل من الماء...

 

 

 

لغة الخطاب بين موسى وفرعون

نلاحظ هنا شيئا شديد الأهمية قد يقلب المائدة، فالحق لم يكتف بأن يكون الرسول من نفس القوم المرسل إليهم ، بل لابد أن يكون بلسانهم كشرط أساسي ليشرح لهم ويفصل الآيات .

 

{ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } 4إبراهيم

 

و إذا افترضنا أن موسى قد تربى فى قصر ملك مصر وأصبح يجيد لغتهم ؛ فالقرآن والتوراة يقرران أن الذي تكلم هو هارون أخو موسى وكان أيضاً نبياً مرسلاً إلى فرعون وقومه من بني إسرائيل فهو منهم وبلسانهم، وعن هذا الموقف يقول موسى :

{ وأخي هارون هو أفصح مني لساناً ، فأرسله معي } 34القصص.

 

هارون كان بدوياً راعياً لا يعرف غير اللغة الآرامية لغة قبائل الرعاة وليس له أي احتكاك أو علاقة بأهل وادى النيل أو لغتهم او أهل مدين، ولا يوجد أي احتمال لهذا، حتى لو كانت هناك أى علاقة أو معرفة فإن أي مفاضلة بين موسى وهارون على أساس أيهما كان يعرف لغة تلك البلاد لكان بلا تردد موسى فهو الذي يجيدها أكثر من هارون، رغم كل هذا نجد موسى يصف هارون بأنه أفصح منه لسانا ً، ونجد فرعون نفسه يصف موسى بأنه { لا يكاد يبين }. لان لسانه اختلط بالسنة أخرى.

 

لهذه الأسباب نجد هارون هو الذي تولى مهمة الحديث باللغة الآرامية التي لا يعرف غيرها مع فرعون وقومه الذين لا يعرفون أيضا غيرها، وهم فيها فصحاء، ثم أن الآية واضحة في أن : كل رسول يرسل بلسان قومه هو، وليس بلسان القوم الذين استضافوه .

 

لماذا يصر البعض أو الأغلب أن موسى العبرانى أرسل هو وأخوه هارون إلى الفرعون – المصرى ؟!!

هناك آية شديدة الأهمية يتحدث فيها المولى عن أهل مكة الموجودين عند بعثة النبى والمعاصرين له، إذ يقول عن أهل مكة :

قال تعالى { فَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلآ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىَ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىَ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنّا بِكُلّ كَافِرُونَ} 48-47 القصص..

 

تأمل من الذي قال لولا ؟ وماذا كان رد التنزيل الحكيم عليهم ؟!!

 

يقول العرب لو أن الله أرسل لهم رسولاً لما ترددوا في الإيمان به وإتباعه، فلما أُرسل محمدًا قالوا تعنتاَ :

 

هلا أوتى محمد مثل ما أوتى موسى ؟

 

وهنا أشار سبحانه إليهم متعجباَ منهم : أولم تكفروا أنتم أنفسكم أيها العرب والأعراب – المعاصرين لمحمد – بما أوتى موسى من قبل ؟!

 

وقلتم سِحْرَانِ تَظَاهَرَا يعنون موسى ومحمد عليهما السلام.

 

نفهم من الآية الكريمة أن موسى كان رسول للأعراب وبنى إسرائيل.

آمنت بنى إسرائيل بما أوتى موسى، و كفر العرب .

 

ويكرر العرب نفس الخطأ و يكفرون اليوم بما أوتى محمد، وحجتهم أن كلاً من موسى ومحمد ساحران تظاهرا.

 

وتثار القضية بسؤالنا : لمن أرسل موسى ؟

 

وتحسم بقول المولى :

{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَـرُونَ بِآيَـتِنَا وَسُلْطَـن مُّبِين إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلاَيْهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ } 46 المؤمنين

ولما كان كل رسول يرسل لقومه خاصة، فإن فرعون وملأه من قوم موسى ومن أهم أفراد هذا الملأ : هامان ، و قارون .

 

من هنا اقتربت خيوط القصة من الفهم وللحديث بقية ...

 

 


مصر التى لم تعرفها والقرآن الذى لم تقرأه (4)

 

إرسال تعليق

0 تعليقات