نصر القفاص
سجل "الشعب
المصرى الشقيق" موقفا ستحفظه ذاكرة التاريخ وصفحاته.. تناقشه حاليا مطابخ
السياسة فى الدول التى ترتبط بعلاقات مهمة اقتصاديا وسياسيا مع مصر.. نفر منا
يتعامل مع الموقف على أنه جريمة ارتكبها الشعب, وحق فيه نباح الذين تربوا كخدم أى
نظام.. وكل نظام!!
أما الموقف فهو
المقاطعة الحاسمة والواضحة لانتخابات "مجلس الشيوخ" بشكل لا يحتمل شكا
أو تشكيكا.. حتى مدمنى النباح, لم يقو أى منهم على الزعم بأن هذه الانتخابات شهدت
إقبالا جماهيريا.. راحو ينبحون ويسبون كل من قال كلمته تجاه "اتفاق القصد
الجنائى" بين 11 حزبا بقيادة "مستنقع وطن" اعتقادا فى أن نباحهم
يمكن أن يلفت نظرا أو يخيف مواطنا.. الحقيقة أن نباحهم الهستيرى أكد أن الدرس كان
قاسيا ومؤلما, لكل انتهازى وكل فاسد أو جاهل!!
هناك ملاحظات شديدة
الأهمية تستحق أن نتوقف عندها.. وكلها عبارة عن أسئلة مشروعة..
أولها.. لماذا لم يدع
الرئيس "عبد الفتاح السيسى" الشعب إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع, بتصريح
أو خطاب قصير كما عودنا؟!.. ثانيها.. لماذا ظهر الرئيس كما لو كان غاضبا خلال
إدلائه بصوته؟!
والتقرير التليفزيونى
الذى أعده إعلام رئاسة الجمهورية بدا كما لو كان يقصد تأكيد هذا المعنى.. وكم كان
مدهشا وغريبا أن الرئيس غابت عن ملامح وجهه حتى الابتسامة وهى ترافق وجهه معظم
الوقت.. وثالثها.. لماذا لم يتناول الرئيس هذه الانتخابات بأى تعليق.. إيجابى أو
سلبى.. خلال ساعات افتتاح واحد من المشروعات الكثيرة التى أنجزها.. وخلالها كان
تكريما للرئيس السابق "عدلى منصور" بما يستحق؟!
فى قلب هذه الأسئلة..
شهدنا صمتا مريبا تجاه ما حدث من جانب أجهزة الإعلام – وكله رسمى – باستثناء نباح
بعض – وليس كل – المرفوضين شعبيا.. وأملك جرأة القول, والمرفوضين رسميا!! ربما
لأننى سمعت وقرأت ما يؤكد أنهم مرفوضين رسميا!! ولاطلاعى على هذه الحقيقة.. لم
يدهشنى تفرد مدمنى النباح بالسباب فى كل اتجاه, لدرجة أنهم وصفوا كل رافض "للمسخرة"
بأنهم "النشطاء الجدد" باعتبارهم هم "أئمة الوطنية" وكلنا
نعلم أن وطنيتهم تستند إلى فاسدين داخل بعض أجهزة ورجال أعمال فاسدين ومفسدين!! ويضاعف
من شعورى بأن هناك شىء ما شديد الخطورة.. هو تلك التهديدات التى راح يوزعها شركاء "اتفاق
القصد الجنائى" تجاه كل صوت أعلن خوفه على الحاضر والمستقبل.. ويضاعف حالة
الخوف ذلك القلق والتوتر الذى أصاب المجتمع كله.. وباعتبار أن علم الاجتماع مع
التاريخ, يؤكدان أن الشعب المصرى يعتصم بالصمت إلى حد الخرس إذا شعر بخطر غامض!! رأيت
التضحية لأنال شرف طرح الأسئلة.. متجاوزا عن التهديدات والوعيد أومحاولات استدراجى
لصفقة بأسلوب رخيص!!
حتى الآن لم نخرج من
جريمة "مجلس الشيوخ" التى حملت احتقارا وإهانة للشعب, ورد عليها الشعب
بشموخ وصمت حين قاطع بحسم الجريمة والذين أقدموا على ارتكابها دون أدنى خجل.. ربما
لأنهم جهلاء بالتاريخ والمعرفة لذكاء هذا الشعب العظيم.. وربما لأنهم أدركوا أنها
الجولة الأخيرة بين الفاسدين وبين جموع الشعب!! وإذا كان هؤلاء يعتقدون أن المرورعلى
"الجريمة" بالذهاب إلى جريمة جديدة خلال انتخابات مجلس النواب.. فهذا
يدعونى – مخلصا وصادقا – إلى دق ناقوس الخطر مرة أخرى, وسبق أن فعلتها قبل فضيحة
انتخابات "مجلس الشيوخ" لأن الشعب كله أصبح واضحا أمامه أن "التوريث"
كفكرة والتى أسقطت "مبارك" ونظامه.. تجرى عملية تحويلها إلى "منهج"
لصالح الفاسدين هذه المرة, وليس لصالح الرئيس أو الوطن كما يدعون.. وبرهانى على
ذلك أن مرشحا لجأ إلى الترويج لنفسه, عبر نجوم الأهلى والزمالك وكلهم قالوا جملة
واحدة هى "اختيار صادف أهله"!! على طريقة نكتة قديمة "الرئيس على
حسن سلوكه"!! وسأترك لك البحث عن تاريخ وأصل مرشح "مستنقع وطن" واسمه
"أحمد إحسان دياب" والإعلان روج لاسم "أحمد دياب" مع تعمد
إسقاط إسم الأب "إحسان دياب" المتهم فى قضية نواب القروض.. كما فعل
المرشح "محمد عزمى" حين تجاهل ذكر اسم أبوه وعمه!! غير نماذج أخرى كثيرة
يمكننى أن أتناولها فيما بعد, ما لم ينفذوا تهديداتهم التى أرحب بها وأقبلها راضيا..
فالفاسد للفاسد كالبنيان المرصوص, وهم اتحدوا وعقدوا "القصد الجنائى" بشكل
معلن تحت لافتة "القائمة الوطنية من أجل مصر" وذلك جعل الشعب يصرخ صمتا
ومقاطعة مع سبق الإصرار والترصد.. وجعلهم يحاولون إنقاذ أنفسهم تجاه موقف الرئيس
الرافض التصريح أو التلميح لانتخابات "مجلس الشيوخ" قبلها وخلالها
وبعدها!!
قد تكون حجة هؤلاء
قولهم همسا "نحن عبد المأمور" بما يدعونى إلى أن أروى حكاية "عبد
المأمور" كما سجلها التاريخ.. أصلها يرجع إلى زمن "محمد على" حين
كان "محمد بك الدفتردار" يقوم بجولة فى قرى مصر, وفوجىء بأن فلاحا بسيطا
يقطع طريقه باكيا.. لاطما.. مستنجدا.. وهو يقول له أن ناظر الزراعة أخذ بقرته وفاء
لضريبة قيمتها ستين قرشا.., لم يقدر على دفعها.. وأمر الجزار بذبحها وقسمها إلى
ستين قطعة, بيعت كل قطعة بقرش لمن أراد من أهل القرية.. تسابق الفلاحون على الشراء
باعتبار أن السعر رخيص جدا.. وجمع الناظر الستين قرشا قيمة الضريبة, وأعطى رأس
البقرة للجزار ثمنا لعمله!! وأضاف الفلاح وهو يبكى حرمونى حتى من شراء قطعة بقرش
لأكل لحم بقرتى!! وما إن انتهى الفلاح من رواية حكايته.. حتى أمر "محمد بك
الدفتردار" بجمع الفلاحين فى الجرن وإحضار الناظر والجزار للجلسة بعد دعوة
أهل القرية جميعهم.. وكان "محمد الدفتردار" يقوم بعمل وزير الداخلية فى
زمن "محمد على" وما إن اكتمل الجمع حتى وجه كلامه للجزار أمام الناس.. لماذا
ذبحت وقطعت بقرة هذا الفلاح بسعر زهيد؟!.. فأجاب الجزار "أنا عبد المأمور"
وفعلت ذلك تنفيذا لأوامر الناظر.. قال له "الدفتردار" ولو أمرتك أن تقطع
رقبة الناظر وتذبحه.. هل تفعل؟! فأجاب.. نعم يا مولاى.. فأمره بذبح الناظر.. وكان
المشهد صاعقا حين أخرج سكينه وتقدم نحو الناظر, وبسرعة خاطفة ذبحه!! ثم تلقى الأمر
التالى بتقطيع جثته إلى ستين قطعة.. وأمر الناس أن يشتروا القطعة من جثة الناظر
مقابل قرشين.. مع الخوف والرعب, تقدموا واشتروا.. وتم جمع 120 قرشا.. هنا نظر "الدفتردار"
للفلاح وأعطاه المبلغ.. وقال للجزار: أما رأس الناظر فهى لك نظير عملك؟!
الحكاية ليست ملفقة..
بل واقعة تاريخية يمكنك أن تقرأ تفاصيلها فى كتاب محقق للأستاذ "جمال بدوى"
عنوانه "مصر من نافذة التاريخ" الصادرة ضمن مهرجان القراءة للجميع عن "الهيئة
العامة للكتاب" عام 1995.. وباعتبار أن التاريخ يجدد نفسه.. فقد شهدنا
تفاصيلها خلال انتخابات "مجلس الشيوخ" التى لا يتشرف بها كل من اتفق على
أن تكون جريمة.. وخرج علينا "أئمة الوطنية" لتبريرها بسب وقذف كل الذين
جاهروا برفضها.. وحاول بعضهم تهديد الشرفاء تليفونيا, وقد يأتى يوم نحكى التفاصيل
أو يحكيها الذين يعرفونها لو تعرضت لمكروه أنتظره راضيا!! المهم هو أن "الجريمة"
لا يمكن أن تمر اعتقادا فى أن الشعب يمكن أن ينساها.. فهذا شعب كانت كل ثوراته
دفاعا عن كرامته, وللذين يسرعون بالانتهاء من فرض "التوريث" كمنهج لصالح
الفاسدين والمفسدين.. عليكم أن تتذكروا دموعكم وتسولكم الرأفة بعد ثورة "25
يناير"!! وإذا كنتم تعتقدون فى تقدمكم صفوف ثوار "30 يونيو" وادعائكم
أنكم أصحابها.. ثم تصديقكم لتلك الكذبة.. فهذه "أم الجرائم" التى
ارتكبتموها وطال الصبر والصمت عليها.. قلت كلمتى ودعونى أنتظر مصيرى!!
0 تعليقات