عمر حلمي الغول
في كل الصراعات والحروب عادة يحاول الأعداء اللعب على وتر الجوانب
الإنسانية، لإضفاء البعد الإيجابي على مواقف دولة معادية تجاه أزمة ما ، أو انتشار
وباء، أو حدوث زلزال، أو مصاب جلل نزل بشعب الدولة الند في الصراع، وذلك لتحقيق
أكثر من هدف من "اللفتة الإنسانية"، منها:
أولا: التضليل للرأي العام في
أوساط الشعب الآخر؛
ثانيا للتغطية على جريمة ارتكبتها
الدولة "المتضامنة" لفظيا؛
ثالثا التمهيد لتمرير إشاعة، أو تهيئة الشارع الآخر للتعامل بإيجابية مع أية
عمليات عسكرية ضد جيشهم، أو ضد قوى بعينها في أوساط الشعب الآخر؛
رابعا للتشويش على الرأي العام العالمي، والسعي لقلب الحقائق تجاه عملية
العداء بين الشعبين؛ خامسا تعزيز مكانة التيار المنادي في أوساط الشعب الآخر
بالحياد، وتعميق الشرخ بين القوى المتناقضة في أوساط الأعداء .. إلخ
ومن تابع الموقف الإسرائيلي المربك، والمتناقض مما حدث في أعقاب الانفجار
الكارثي في مرفأ بيروت الثلاثاء الماضي الموافق 4/8/2020، الذي تقف إسرائيل بشكل أساسي
خلفه، يلاحظ التالي: قيام بلدية تل أبيب بإضاءة مبناها بالعلم اللبناني، وكأنها "متضامنة"
مع الشعب اللبناني الشقيق. وترافق مع ذلك صدور بعض المواقف والتصريحات الإسرائيلية
المبدية الاستعداد لتقديم الدعم اللوجستي للبنانيين. وهذه المواقف لا تمت للحقيقة
بصلة، لإن صاحب المصلحة الحقيقية في جريمة الحرب، التي أصابت الشعب اللبناني
وبيروت العاصمة وميناءها البحري، هو الدولة الاستعمارية الإسرائيلية وحليفتها
الإستراتيجية، الولايات المتحدة ومن يدور في فلكهم.
كما ان المواقف العملية (الإضاءة للبلدية) والاستعداد لتقديم الدعم الصحي
وغيره لا تقتصر على عدم مصداقيتها، انما تندرج في إطار ما أوردته أعلاه، بتعبير
آخر يقع في دائرة تهيئة المناخ في أوساط الشعب اللبناني لإي عمل عدواني إسرائيلي
ضد حزب الله ومن يتعاون معه. أضف إلى انه يصب الزيت على نار التناقضات اللبنانية
الداخلية، والتحريض بشكل موجه ضد أداة إيران الفارسية في الساحة اللبنانية، وتجييش
الشارع اللبناني ضد الحزب وما يمثل، وأيضا خلق البيئة المناسبة لاستقبال أية
إشاعات مغرضة ضده .. إلخ، وهذا التشخيص لا يتعلق بالموقف الشخصي من الحزب، الذي
اعتقد ان دوره انتهى في لبنان والإقليم.
لكن المواقف الأكثر تعبيرا عن المشاعر والأحقاد العنصرية الإسرائيلية عكسها
مجموعة من القتلة، الذين أولا رفضوا إضاءة البلدية، كما صرحت وزيرة القضاء
السابقة، إيليت شاكيد، التي كتبت تقول "اللون البرتقالي كان سيلون هذا المساء
مبنى بلدية تل أبيب، كتذكير على الطرد من غوش قطيف. بدلا من هذا حصلنا على علم
دولة عدو؛ ثانيا رفضوا من حيث المبدأ مسرحية التضامن الكاذبة، وذهبوا مباشرة لإعلان
نزعاتهم العدوانية العنصرية تجاه لبنان، فوصف موشيه فايغلن، النائب السابق
الإنفجار :"مسرحية ضوئية لامعة"، ولم يرَ الحقيقة الزلزالية المدمرة
والناتجة عن قصف الطائرة الإسرائيلية للعنبر رقم 12 الموجودة به نترات الأمونيوم،
ولم يرَ الأشلاء المتناثرة للآدميين من رجال ونساء وأطفال؛ ثالثا الموقف الذي عبر
عنه العنصري القاتل، بتسليئل سموتيرتش، الذي قال أن "من يترحم على المتوحشين
نهايته ان يتوحش مع الراحمين." بتعبيره ان مجرد الترحم على الضحايا مرفوض،
فيه نزوع توحشي؛ رابعا جاء على لسان الوزير رافي بيرتس، الذي وافق على إقرار "المساعدة
الإنسانية"، ولكنه أعترض على رفع العلم اللبناني لدولة عدو في قلب تل أبيب، لأنه
من وجهة نظره، يترك "تشويشا أخلاقيا" ويربك الشارع الصهيوني المتطرف.
المواقف المعلنة غيض من فيض صهيوني، ولكنها تعكس الحقيقة، وتكشف الوجه
الإسرائيلي البشع كما هو دون رتوش، أو مساحيق، وبلا قفازات بيضاء، ويظهر مخالب
الدولة المرتكبة لجريمة الحرب في بور بيروت التاريخي، الذي دمر تماما. وبالتالي
فإن الكذبة الإسرائيلية عن التضامن، لم تنطلِ على احد، ولن تنطلي ابدا على أي عاقل
يعرف حقيقة الدولة الكولونيالية، ومطل على جرائمها ومجازرها ومذابحها ضد
الفلسطينيين والأردنيين والمصريين والسوريين والتونسيين واللبنانيين وكل بلاد
العرب من المحيط إلى الخليج.
0 تعليقات