هادي جلو مرعي
ليست بالجديدة هي
الدعوات لعد اللهجة المصرية لغة يمكن أن تقيد في سجل اللغات العالمية التي يتكلم
بها عدد من الشعوب، وفي الواقع يمكن أن تتحول اللهجات الداخلية ضمن دائرة اللغة
الأم الى لغات يتكلم بها الناس في أنحاء من العالم، وإذا كانت اللغة العربية هي
الأم التي نتج من رحمها لهجات عدة، فإن لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية
والبرتغالية لايتكلمها المتحدثون بها كما هي، بل تجد إن لكل مدينة لهجة مختلفة في
إطار اللغة الأم، وربما كان إبن الصعيد يتحدث بطريقة تختلف عن لهجة أهل المدن، كما
إن أهل الإسكندرية لايتحدثون كما يتحدث أهل القاهرة، وهكذا الناس في الموصل، وفي
بغداد والعمارة، وفي شيكاغو، لاكما في سان فرانسيسكو، وهكذا تتعدد اللغات، وتتعدد
اللهجات.
اللهجة يمكن ان تتحول
الى لغة ثانية دون ان يظنها المتكلم بها لهجة، ويتصورها لغة وهو محق في ذلك،
فالبريطاني الذي يتعلم لهجة أهل المغرب، ويعود ليتحدث بها مع عربي لايظن ربما
إختلافا كبيرا بين اللهجة واللغة، وكان لي في هذا تجربة طريفة مع سيدة أمريكية
زرتها في منزلها، وتناولت معها طعام الغذاء رفقة صديقات لها، وكنت الذكر الوحيد
وسط مجموعة من السيدات في ضاحية من ضواحي فرانسيسكو على الساحل الغربي للولايات
المتحدة الأمريكية زرتها قبل سنوات عدة، وكانت لاتجيد سوى الإنكليزية هي
وصديقاتها، وكنت لاأجيد الإنجليزية سوى في بعض الأوقات، وبكلمات قليلة للسؤال عن
الموطن، ونوع الطعام والشراب الذي أرغب فيه، مع مراعاة الجوانب المتعلقة بالدين.
كانت تلك السيدة
مهندسة تعيش في منزل متواضع بعيدا عن مركز سان فرانسيسكو، وكنت ضيفا عليها، وكانت
إستدعت صديقات لها، وإتفقت معها على أن تقدم لي الماء وشراب البرتقال، والأطعمة
النباتية، وقد إحترمت رغبتي، ولم نسجل أي منغصات، وحين تكلمنا كانت المفاجأة
السارة بالنسبة لي، فقد عرفت إنها لاتجيد العربية، وكنت لاأجيد الإنجليزية، ولكنها
أخبرتني بعد حوار بسيط إن بإمكاني التحدث إليها باللهجة المصرية، وليس باللغة
العربية، وضحكت وقلت:
إزيك ياحلوة؟
فردت بسرعة: كويسة.
وهنا جرى الإتفاق على
الحديث بالمصرية، وشرحت لي: إنها تعلمت اللهجة المصرية عندما كانت تعيش في مصر
رفقة والدها المهندس في معمل للنسيج، وكان السائق الطيب حسين يساعدها في الحديث
بلهجة أهل مصر، فتعلمتها دون العربية، وأجادت الحديث بها، ولم تنس منها شيئا.
0 تعليقات