سامح جميل
الملازم "جودة حسين" اتخذ من شجرة كافور في منطقة
الدفراسوار برجا للمراقبة وقضي 6 أشهر فوقها يراقب العدو أثناء حرب أكتوبر كان
الجنود والضباط من أبناء القوات المسلحة تحركهم عقيدة راسخة وهي النصر أو الشهادة،
وفي سبيل ذلك كانوا يفكرون بقلب يملؤه حب الوطن والرغبة في التضحية من أجله، لذلك
لم تعوزهم الحيل الخداع العدو لتنفيذ المهام المطلوبة منهم ومن هؤلاء الأبطال
الملازم جودة حسين قائد السرية المدفعية بمنطقة "الدفرسوار" الذي تم
تدمير برج المراقبة الخاص به والذي كان يقع في مواجهة خط بارليف ، فقرر أن يتخذ من
شجرة كافور برج للمراقبة وصعد اليها ليلا هو مدون البيانات بمعداتهما ومكثا بها
ستة أشهر، كانا يديران خلالهما معاركهما النيرانية بنجاح، أنهم جنود مصر الذين
ألهبت الهزيمة مشاعرهم فحولوها إلى نصر شهد به العالم بأجمعه.
بعد صدور الأوامر بقيام حرب الاستنزاف وبسبب ارتفاع خط بارليف إلى
مستوى يصعب معه كشف مصادر النيران من داخل مركز الملاحظة المعد لهذا الغرض، اضطر
الملازم جودة حسين محمد جهاد قائد سرية المدفعية بمنطقة الدفرسوار للصعود ومعه
التليسكوب والفرد القائم بتدوين البيانات بأحد أبراج الرقبة الخاصة بقناة السويس،
وبمجرد وصوله للبرج أطلق العدو عليه قذائف دباباته حتي ترنح في الهواء وسقط بمن
فيه، فكان من الضروري التفكير في إيجاد طريقة لإيجاد لمراقبة خط بارليف وكشف مواقع
العدو لتحقيق إمكانية تدمير دباباته التي تتحرك بسرعه خلف النقاط الحصينة والتي
كانت تتمتع بحرية الحركة فكانت تصعد على التباب وتطلق النيران وترتد مسرعة، بينما
كانت وحداتنا كانت ثابتة يصعب عليها تحرك عجلاتها في أرض زراعية لينة وهي خلف
القناة بمسافة خمسة كيلو متر .
ولكن السؤال كيف يمكن إدارة نيرانها؟ لتظهر حينها على شاطئ القناة
شجرة الكافور التي ألهمته فكرة إدارة النيران من أعلى تلك الشجرة، وهنا تكمن
الخدعة حيث أن العدو لن يفكر في استهدفها بالنيران لأنه من المستحيل تصور وجود
مركز ملاحظة يدير النيران من أعلاها لسهولة اكتشاف الأفراد عند الصعود والهبوط،
فقرر الملازم جودة حسين الصعود ليلا وإبقاء طوال اليوم التالي على الشجرة لملاحظة
تحركات الدبابات والهبوط مع حلول الظلام ، وكانت على حد وصفه انه كان يشاهد فيلما
سينمائيا يعرض على شاشة كبيرة حيث كان يرى مواقع الدبابات ومدافع الهاون المتحركة
والثابتة ، و بدأت إدارة النيران وراحت المدافع تلقي قنابلها وتصيب الأهداف واحدا
تلو الآخر بدقة شديدة مما أدى إلى ارتباك العدو وتوقفت حركة آلياته وأصيب بخسائر
فادحة .
وظلت شجرة الكافور تحتضنه ومعه الجندي ومعداتهم القتالية لمدة ستة
أشهر متتالية، وكان لديه قناعه كاملة من كثرة ما أطلقه العدو من قذائف تمر من حوله
أن العدو لن يصيبه أبدا.
ونتيجة لتلك الخسائر التي لحقت بالعدو، فبدا باستخدام نوعا من
المدافع الصاروخية التي أوقعت الرعب في نفوس الأعداء عند انطلاقها وانفصالها في
الجو لتسبب خسائر فادحة في القوات والمعدات وهي تنتقل من مكانها بسرعة قبل أن تسقط
عليها طلقات مدافعنا.
وبملاحظة تحركات العدو اكتشف أن العدو يطلق النيران من ثلاث تباب
متقاربة ثم يختفي سريعا لفترة قصيرة ويرتد مرة أخرى لتبة فكان الحل الوحيد هو حساب
الوقت بدقة الذي يستغرقه وصول طلقات مدافعه لتلك التبة، وفي هذا الوقت رأي أحد
جنوده أصاب إصابة مباشرة في ساقيه ويهرع إليه عدد من زملائه، وسمع نداء الله اكبر
فأقسم أن يسكت هذه المدافع الصاروخية وإلى الأبد.
وأصدر أوامر لموقع النيران بالاستعداد للضرب وبدا في التنفيذ مع
الموجة الثانية للضرب مع ابتداء الموجة الثانية لتصادف في تلك اللحظة أصابت قذيفة
لأحد مدافعه صاروخا للعدو لحظة انطلاقه ليحدث دويا هائلا ودمار شديدا، ورأي من
خلال التليسكوب الشظايا وجثث العدو تتطاير في الهواء وتنتشر فوق الصواريخ كلها
لحين وقفت القذائف من جانب العدو وسكتت تماما فخرج الجنود المصريين من الملاجئ
يكبرون وهم في غاية الفرح.
كان لابد أن يبحث العدو عن المكان الذي تدار منه النيران ضده بهذه
الدقة وتمكنوا بفضل التقنيات الحديثة التي معهم في العثور علي مكان جنودنا
ليكتشفوا أنهم بداخل شجرة الكافور وأراد العدو أن يميحها تلك الأشجار من على الأرض
فقام بقصف جميع أشجار الكافور ومع استمرار القصف شعر الملازم جودة حسين بسخونة
شديدة في وجهه من قوة القصف فأمر الجندي الملازم له بالنزول ولكن رفض حتى أصاب
إصابة شديدة مباشرة وسقط على الأرض شهيدا، فلم يكن لديه خيار سوى رفع يديه في
الهواء ليسقط على الأرض من هذا الارتفاع وقد مزقته أغصان الشجرة، وعندما حاول
الوقوف وقع على الأرض ليجد رجله اليمين شبه منفصلة عن ساقه ويفقد وعيه بعدها وهو
يستمع لمن يتلو في أذنه الشهادة .
وبعد نقله إلى المستشفى الميداني طلب الطبيب نقله بأقصى سرعة إلى
مستشفيي الحلمية العسكري بحلمية الزيتون حتي لا يتم بتر ساقه وتم نقله ليلا بطائرة
هليكوبتر وأجريت له عملية جراحية في الساق استغرقت عدة ساعات اشترك فيها طاقم عال
الخبرة في جراحات العظام والأعصاب، وأثناء زيارة زملائه له بالمستشفى، أخبره أن
السيد رئيس الجمهورية منحه نوط الشجاعة من الطبقة الأولي ...!!
0 تعليقات