عز الدين البغدادي
المقدس والقدسية والتقديس مصطلحات تطلق على أمور كثيرة عندنا، ورغم انها
ترتبط بالدين إلا أن موضوع التقديس كان مختلفا في الشريعة عما نفهمه الآن كما ان
مساحته كانت محدودة وأقل مما نجده الآن.
عندما تنظر في القرآن الكريم، فلن تجد التقديس إلا محدودا هو يرتبط بالله
تعالى حيث ان القدوس هو اسم من أسمائه، كما قال تعالى: ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)،
ووردت كوصف لأرض الشام وخصوصا فلسطين ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ ).
أما في حديث النبي (ص) فلم ترد إلا في مورد واحد (عبارة واحدة تكررت في
حديثين) يتحدث فيها عن العدل وقيمة الحق.
كان النبي محمد (ص) بخلاف معظم القادة (السياسيين والدينيين) الذين نراهم
الآن والذين يحرصون على أن يزرعوا في ابتاعهم حالة من الرهبة والاحترام المبالغ
فيه حد التقديس، لقد كان يمنع من ذلك، وكان يعلم الناس أن العدل قيمة كبرى وأن
الاحترام يدور مدار الحق لا الأشخاص. فمن الخطأ أن تنظر لزعيم ما وكأنه مقدس فوق
النقد وكأنّ الدنيا لن تجود الدنيا بمثله، ولن تلد الأمهات له شبيها، فهذا غير
صحيح . وهو طعن بالأمة التي ظهر فيها وكأّنها عقُمت أن تنجب قائداً آخر. وهو أيضا
يوقع الناس في مرض التقديس اّلذي يمنع من رؤية الأمور كما هي، وربما أدى لتفريق
الأمة بين من يبالغ في التأييد ومن يجابه ذلك بأن يبالغ في الرفض وهكذا.
لقد كان النبي (ص) يؤدب الناس على أن يمارسوا النقد، حتى يعرفوا أن الحق
فوق كل أحد ولكي لا يسمح لهم بتعظيم أحد من الخلق بما يمنع من الفهم أو العدل وهنا
أريدك أن تتأمل في هذا الحديث، فقد رو ي أن أعرابيا جاء إلى النبي (ص) يطلبه دينا
كان عليه، ولم يكن عنده ما يقضيه، فاشتد على النبي (ص) في كلامه، حتى انتهره بعض
أصحابه وقالوا : ويحك تدري من تكّلم؟ قال: إّني أطلب حقي. وإذا بسيد الخلق
والأخلاق يلتفت إليهم ويقول لهم: هلا مع صاحب الحقِّ كنتم؟ ! ثم أرسل إلى امرأة
يقال لها خولة بنت قيس فقال له: إن كان عندك تمر فأقرضينا، حتى يأتينا تمرنا
فنقضيك .
فقالت: نعم ، بأبي أنت يا رسول الله . فقضى الأعرابي وزاده، حتى قال: أوفيتَ
أوفى الله لك . فقال النبي (ص): أولئك خيار الناس ، إنه لا قدست أمة لا يأخذُ
الضعيفُ فيها حّقه غير متعَتع.
هنا بين النبي (ص) موضع القدسية ومكانها، إنه للأمة التي لا يَظلم فيها أحد
لقوته ولا يُظلم فيها أحد لضعفه. هنا رفض رسول الله (ص) أن يقف معه أحد من أصحابه
معه على حساب صاحب الحق!! أي أدب هذا؟ وماذا أراد أن يبين؟
الحق فوق أي شخص مهما كان هذا الشخص، إنّه لأدب عظيم يبين أن التعظيم ولو
كان تعظيم خير البشر يمكن أن يمنع الإنسان عن رؤية الحق، لذا لا بد أن تجعل
العاطفة في محّلها بحيث لا تؤثّر على موقف الحق.
فرق بين الدين الحق ودين الطقوس والانتماءات المذهبية، ألم أقل لكم بأن الإسلام
قيم أخلاقية، وليس طقوسا خرافية وليس فقها أكل الدهر عليه وشرب.
0 تعليقات