عمر حلمي الغول
الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت أول أمس الثلاثاء الموافق الرابع من آب/ أغسطس
2020 كان بفعل فاعل، ولم يكن نتيجة ماس كهربائي، ولا نتيجة تفاعل المواد المتفجرة،
والمخزنة منذ عام 2014 أو 2012، وإن وجدت بعض العوامل التخريبية المساعدة، أو
الممهدة للقصف الصاروخي لميناء العاصمة اللبنانية، فوجودها قد يكون للتغطية على
جريمة الحرب الإسرائيلية القذرة. لا سيما وان المستفيد الأول من ذلك هي إسرائيل لاعتبارات
إسرائيلية ولبنانية وعربية شرق أوسطية. كما ان هناك طرف أساسي في لبنان يخشى التورط
في حرب جديدة معها، هو حزب الله، الذي بدوره نفى ان تكون إسرائيل وراء حرب التدمير
الوحشية للبور. مع أن نتنياهو أعلن مباشرة بعد الانفجار غير المسبوق في لبنان، أن
ذلك رسالة لحزب الله وحسن نصر الله !؟
لا أريد أن أتوقف أمام أزمة لبنان البنيوية العميقة، ولا ما ستحمله محكمة
رفيق الحريري من نتائج بعد أيام، ولا عن أزمة حكومة حسان دياب وانعكاساتها على
المشهد اللبناني، ولن أعطي استقالة وزير خارجية لبنان أكثر مما تستحق، ولا عن
التصعيد العنصري البشع من بعض المسؤولين اللبنانيين ضد الفلسطينيين والسوريين
العرب، لأنه جميعها على أهميتها عوامل ذات صلة بتعثر وتفكك الدولة اللبنانية
الفاشلة، وإفلاسها، وسقوطها في مستنقع التحلل والاضمحلال، وهو اخطر ألف مرة من
وباء وجائحة الكورونا. إنما سأتوقف أمام تصاعد التوتر الذي شهدته الحدود اللبنانية
السورية الإسرائيلية خلال الفترة القريبة الماضية، وتبادل الاتهامات بين الأطراف
المختلفة، وتحديدا قيادة الحكومة والجيش الإسرائيلي مع حسن نصر الله وحزبه، وكيفية
تنصل الحزب وقيادته من تنفيذ أية عمليات عسكرية ضد الدولة الكولونيالية.
وتجلى حرج الحزب وقيادته في التغطية على القصف الأخير على ميناء العاصمة، وعدم
الرد على نتنياهو، ليس هذا فقط، أنما الأخطر تبرئته ودولته المارقة من جريمة حرب وحشية شاهدها كل
من تابع المشهد، ورأى الطائرة والصاروخ وهو يهوى على المرفأ، وهو ما أكده تصريح
الرئيس ترامب أمس، عندما غرد قائلا "ان ما جرى في بيروت وفق الجنرالات
الأميركيين (وهم الذين يقفون وراء الضوء الأخضر للقيادة العسكرية الإسرائيلية
لتنفيذ جريمتها) في البور تم بفعل فاعل". وكذلك قراءات وشهادات العديد من
الخبراء العسكريين اللبنانيين والعرب لما حدث، وهذا ما أكدته جريدة الجمهورية
اللبنانية، وغيرها من المنابر الإعلامية اللبنانية.
ما أسباب ذلك؟ وحتى لو لم يشأ الحزب التورط في حرب، هل يجوز له تبرئة
إسرائيل من جريمتها ضد لبنان؟ وما هي الفائدة، التي يرجوها الحزب من انتهاج سياسة
النأي بالنفس عن اتهام دولة إسرائيل؟ دون إطالة في طرح الأسئلة، يعلم حزب الله ومن
خلفه جمهورية إيران الإسلامية، انه مستهدف، وان دوره الوظيفي في لبنان انتهى، وبات
يشكل عبئاً على التوازنات الطائفية القائمة، حيث لم يعد يكتفِ بدور الثلث المعطل، أنما
أراد توسيع نطاق نفوذه على الثلث السني من خلال حكومة حسان دياب، ليس هذا فحسب، بل
ان دوره الإقليمي في إطار المنظومة الإيرانية تجاوز السقف المسموح به، والأهم من
ذلك، انه حقق من وجوده في المشهد اللبناني منذ عام 1982 الهدف المراد منه وفق
حسابات العدو الصهيو أميركي، وهو تعميق عملية التمزق في النسيج الإسلامي من خلال
اللعب على وتر التشيع.
ولهذا لا يريد نصر الله التورط في حرب ليست في مصلحته نهائيا لا بالمعنى
الشخصي، ولا بالمعنى الحزبي، ولا بالحسابات الإيرانية. أضف إلى ان تورطه بحرب
جديدة سيضعه لقمة سائغة إمام إسرائيل، كما ستزداد عزلته في أوساط الجماهير وبين
الأحزاب والقوى اللبناني. لان أية حرب قادمة ستكون مدمرة أكثر من تدمير مرفأ بيروت.
ولم ينس امين حزب الله ما قاله في أعقاب حرب تموز / يوليو 2006، عندما قال " لو
كنت اعلم أن نتائج العملية العسكرية ستؤدي لهذه الخسائر ما أقدمت عليها." وبالتالي
الدرس مازال ماثلا في ذهنه. وعليه فمن الأجدر له ان يغطي على الجريمة الإسرائيلية.
لأنه لو اتهم إسرائيل بالوقوف وراء نكبة المرفأ، فهو عندئذ مطالب شاء أم ابى بالرد
على الجريمة. لذا أختار أهون الشرور، وغض النظرعن الوحشية الإسرائيلية. وتجرع
مرارة الهزيمة، إذا افترضنا انه معني بمواجهة التحدي.
من المؤكد اللاعب الذكي، هو من ينأى بنفسه عن معركة خاسرة 100%، لان جعجعة
الشعارات الديماغوجية لا تفيد، بل تكون إضرارها أشد وطأة من الصمت. لهذا إختار
الحزب إغماض عيونه كليا عن الجريمة الإسرائيلية، لإنه يفترض ان الجماهير بعد أيام
ستنسى ما جرى بعد وداع ضحاياها، وشفاء جرحاها، وحصولها على بعض المساعدات المالية،
والميناء سيعاد ترميمه وبنائه، وبالتالي يكون اطال في زمن بقائه على قيد الحياة. بيد
ان ذلك لن ينقذه من شرور رئيس الحكومة الإسرائيلية الفاسد، لان المخرج الوحيد
لنتنياهو من مآزقه وأزماته مع القضاء وغانتس واليمين الصهيوني والحريديمي المتطرف
ليس بالذهاب لانتخابات رابعة، إنما بفتح جبهة الحرب مع حزب الله لخلط كل الأوراق
الداخلية والخارجية. وهكذا يعتقد انه يستطيع الهروب إلى الأمام من الأزمات العميقة
في المشهد الإسرائيلي. وبالتالي الحرب قادمة حتى لو تأخرت قليلا من الوقت لحين
إنقشاع نكبة بور بيروت، ولعدم تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن الكارثة
اللبنانية الجديدة.
مع ذلك حرب المرفأ الوحشية لها ما بعدها من تداعيات، لن تترك حزب الله ولا
النظام السياسي ولا الواقع الطائفي ولا تركة الطائف ولا أي معادلة من المعادلات
القائمة، لان الشعب كفر بكل المكونات، وسيكون لبنان الشعب وقوى التغييرعلى موعد
جديد مع قرع أجراس ثورة أكتوبر 2019 من جديد.
0 تعليقات