هادي جلو مرعي
كانت الساعة العاشرة
صباح الخميس، وكانت الأجواء هادئة في ضواحي بغداد، حين بدأت الأحاديث تترى عن
تحرير المحافظة 19 وإعلان الضابط الذي لا أعلم الى أين مضى (علاء) عن إسقاط ماسماه
نظام العمالة في الكويت، وكنت مهتما بالحصول على الجريدة الرياضية، والمجلة شبه
الوحيدة ( ألف باء) لكن الاهتمامات تغيرت، وصرت اقرأ, ولأول مرة رفقة البعث
الرياضي والجمهورية والعراق والثورة والقادسية, جريدة جديدة اسمها ( النداء) أي
يوم النداء الذي استنجد فيه الثوار بصدام حسين ليبعث بقواته فجر الثاني من آب
أغسطس 1990 الى رمال الكويت، ويعلنها المحافظة رقم 19.
ياه كم من السنين مرت
على تلك الواقعة الشهيرة التي غيرت شكل الخليج، ومصير بلاد الرافدين الى الأبد،
وكم من تحديات ومشاكل تحولت الى هموم يومية ترافق الإنسان في هذه البلاد الى نهاية
العمر، ولايقوى على مواجهتها، والمراوغة معها، والتفكير بالتخلص منها؟ ترى ماذا
فعلت أسرة آل الصباح لتستفز كبرياء صدام حسين فيهاجم الإمارة الصغيرة مع ساعات
الفجر الأولى، وهل شعر بما وصفه لاحقا بغدر الغادرين، وأثره الجسيم على الاقتصاد
العراقي الذي استنزفته حرب الثماني سنين العجاف، وهل كانت المساعدات الخليجية في
الحرب التي تحولت الى ديون واجبة السداد، سببا في الغضب، وهل كان الكويتيون
يتآمرون بالفعل على بغداد؟ وهل كان غزو الكويت يستحق الثمن الذي دفعناه لاحقا،
ليتحول عديد من النخب في العراق الى لاحسي قصاع في قصور الأمراء؟ وهل نحن مستعدون
لتجاوز آثار ذلك الغزو الذي أدى الى تشكيل واحد من أكبر التحالفات العسكرية في
التاريخ البشري حيث الغزو المعاكس للعراق، وسقوط الجيش العراقي، وتوقيع قادته على
وثيقة الاستسلام في خيمة صفوان، ثم ماحدث في مدن الجنوب العراقي، والقمع الرهيب
الذي مارسه النظام الحاكم، وما أعقب ذلك من حصار ظالم وقاس أدى الى موت عشرات آلاف
النساء والأطفال والشيوخ جوعا ومرضا لانعدام الدواء، وشحة الطعام؟
لاشيء يستحق أن تباد
الشعوب من اجله، ولكن ذلك للأسف حصل مع الشعب العراقي الذي يجتمع عليه العالم
وحكامه في حفل اغتصاب جماعي، فيتحول الى فريسة للوحشية والتنكيل والإذلال، ولم
نحصل من غزو الكويت سوى على الإذلال والثأر الذي ظل يلاحقنا حتى اليوم برغم
إجراءات تعزيز الثقة، وإثبات حسن النوايا بين بغداد والكويت.
ليس من السهل نسيان
الأيام شديدة الحرارة، فكيف إذا رافق حرارة الجو إرتفاع في حرارة الأحداث التي
غيرت وجه المنطقة والعالم، وجعلت كل شيء في وضع لم يكن مألوفا في السابق، بينما
توالت المصائب على العراقيين بعد ذلك لنعيش الطائفية والفساد والتدخلات الأجنبية
والإحتلالات التي تستنزف كل شيء هنا.
0 تعليقات