آخر الأخبار

ليبرمان يقرع جرس الإنذار



 

 

 

عمر حلمي الغول

 

 

من الممكن في سياق القراءات لصيرورة الأحداث اختلاط الرغبوي مع الموضوعي، حيث تصعب أحيانا عملية الفصل الميكانيكي بين المسألتين حتى لو تجردنا تماما من إسقاطاتنا، وتموضعنا في البعد الموضوعي المجرد. لأنه سيبقى شيئا من البعد المتبلور في الوعي الذاتي جاثما على فكرة ما ذات صلة بحدث داخلي او خارجي. وبالضرورة يكون الاستنتاج، أو الاستشراف له أبعاده الموضوعية أما في التاريخ القديم أو الوسيط او الحديث ارتباطا بالحدث، الذي تتم معالجته.

 

 

وعطفا على ما تقدم، لو توقفنا أمام إمكانية اشتعال الحرب الأهلية في إسرائيل، نلحظ انها مسألة غير مفتعلة، أو تقتصر على البعد الرغبوي الإسقاطي، إنما هي ظاهرة ضاربة جذورها في أوساط أتباع الديانة اليهودية تاريخيا. وتاريخ الاقتتال والتخوين والتكفير بين الحكام والمحكومين، وبين الأقطاب المتنافسين والأنبياء والأسباط في زمن ومرحلة معينة فاق ما عانى منه اتباع الديانات السماوية الأخرى. ومن يعود للعهد القديم يستطيع تلمس ذلك من التوراة نفسها. أضف إلى ان المملكة الإسرائيلية الصهيونية الجديدة قامت، وهي تحمل في ثناياها عناصر فنائها واندثارها، ليس بفعل قوة شعب الجبارين، أو " الأغيار" فقط، انما نتاج حجم التناقضات العميقة بين أتباع الديانة اليهودية ذاتها، فهم على سبيل المثال لا الحصر حتى يوم الدنيا هذا لم يتفقوا على هوية اليهودي. فضلا عن تعدد الفرق والمدارس اليهودية، وعن السمات والنزعات المتأصلة والمتناقضة بين أتباعها، وحدث ولا حرج عن تناقض أعراقها، والصراعات العنصرية المنغرسة بين الشرقيين (السفارديم) والغربيين (الإشكناز)، والأعظم التناقض بين كلا المدرستين ويهود الفلاشا أو الأفارقة عموما، ثم يأتي كتحصيل حاصل الصراع السياسي بين النخب والتيارات والأقطاب السياسيين والحزبيين، وبين العلمانيين والمتدينيين ... إلخ.

 

 

وأعتقد جازما، أن دولة إسرائيل الحالية ما كان لها أن تبقى حتى الآن لو لم يتم التغلب على التناقضات البينية وتقطيبها، والتخفيف من حدتها بين مكوناتها الدينية والعرقية والثقافية والاجتماعية ومدارسها الكولونيالية، ولولا إنغماسها في دوامة الحروب مع "الأغيار" الفلسطينيين والعرب، مما غلب عامل الصراع مع الخارجي على التناقضات الداخلية بمشتقاتها المختلفة. مع انها في محطات مختلفة كادت تنفجر ومنها، الظروف والتناقضات المحتدمة داخل المجتمع قبل حرب حزيران/ يونيو 1967؛ وعشية وبعد اغتيال إسحق رابين 1995، رئيس الوزراء الأسبق، وما تشهده الآن (2020) من تناقضات حادة على أكثر من مستوى وصعيد .

 

 

وخشية من تفاقم التناقضات التناحرية داخل الدولة الصهيونية، دعا زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان يوم الخميس الماضي الموافق 30 تموز/ يوليو (2020) الإسرائيليين إلى إحترام بعضهم البعض، وطالبهم بأن يسمحوا للآخرين الإسرائيليين "بالتعبير عن ارائهم بحرية ودون خوف، ودون عنف، ودون إتهامات." وبذل كل جهد "ممكن لمنع وقوع حرب أهلية في إسرائيل." وأوضح حسب القناة السابعة، "أن الإحتجاج حق ممنوح لكل شخص في المجتمع الديمقراطي." بيد انه عاد يدعوهم لتكبيل احتجاجهم وفق السقف السياسي والاجتماعي المسموح به، حتى لا تنكسر أحدى حلقات السلسلة الناظمة للمجتمع الكولونيالي.

 

وتعقيبا على ما ورد أعلاه، قال وزير الأمن الداخلي، أمير اوحانا اليوم السبت الموافق الأول من آب/ أغسطس، ان التظاهرات ستنتهي بإراقة الدماء. لإن حدة الاستقطاب فيها أعلى وأشد وطأة مما كانت عليه الحال عشية اغتيال رابين. لكنه أستبعد نشوب حرب أهلية. كما وعلق الحاخام الأكبر لإسرائيل، يتسحاق يوسف أمس، بأن الكراهية المتجذرة في أوساط أتباع الديانة اليهودية، تهدد بزوال الدولة. كما ان عددا كبيرا من المعلقين والمراقبين السياسيين والإعلاميين والقادة الأمنيين والعسكريين السابقين والحاليين عبروا عن مخاوفهم من احتدام الصراع بين قطاعات متعددة في المجتمع مع رئيس الوزراء الفاسد، بنيامين نتنياهو، وغالبيتهم وصلوا لاستنتاج يذكر بما جري  عشية اغتيال رابين. كما ان رئيس الوزراء وابنه يائير قدموا شكاوي للشرطة ضد عمليات تحريض تستهدفهم شخصيا. واعتقد ان خلفية ذلك، ابتزاز الأجهزة الأمنية للتراخي والصمت عن تعليماته للقوات المكلفة بحراسته بتشديد الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين المحتجين على سياساته، والمطالبين بإقالته، ورفضهم بقائه في الحكم، وأيضا لترهيب وتكميم أفواه القوى السياسية المعارضة له من التعبير عن رأيها.

 

 

النتيجة المنطقية لما يجري في الساحة الإسرائيلية يشي، بأن إسرائيل تعيش لحظة سخط وغليان عالية، والاستقطاب والتجاذب بين زعيم الليكود الفاسد والقطاع الأكبر من الشعب والنخب بات عاليا، ومثيرا ولافتا للانتباه. والمجتمع والدولة الاستعمارية الإسرائيلية تحمل في مركباتها ومكونهاتها وتناقضاتها كل السيناريوهات بما في ذلك انفجار شرارة الحرب، إلآ اني أعتقد أيضا، ان إمكانية لجم تلك النزعات أعلى، لإنه في حال شعر رئيس الوزراء الفاسد باقتراب الانفجار سيذهب لفتح إحدى الجبهات الحرب الخارجية لإطفاء نيران الحريق الداخلي. مع ذلك جرس الإنذار من خطر الحرب الأهلية، هو جرس حقيقي، وليس مفتعلا، حتى لو لم تحدث.


إرسال تعليق

0 تعليقات