الدولة الكردية بين الممكن والمستحيل
[ واقع الكرد وكردستان والدولة ]
الجزء الثالث
مير عقراوي
إن واقع الكرد
وكردستان على الصعيد السكاني والجغرافي قد تعرض للتقلص منذ حقب تاريخية مضت ،
بخاصة بعد التقسيمات الجغرافية والسياسية والإدارية والسكانية لمنطقة الشرق الأوسط
خلال وما بعد الحرب العالمية الأولى [ 1914 – 1918 ] ، وذلك وفق الاتفاقيات
الدولية للدول العظمى في العالم ، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا ، حيث من أشهرها
إتفاقية سايكس – بيكو لعام [ 1916 ] من القرن العشرين الماضي ، فبها قيام نظام شرق
أوسطي جديد عقب انهيار وسقوط الدولة العثمانية وإلغائها [ 1299 - 1923 ] من قبل
كمال أتاتورك [1881 - 1938] وقيام تركيا
الحديثة على أنقاضها . فالنقص والجزر والانحسار والتقلص الذي تعرضت له جغرافية
كردستان والكرد منذ العقود الطويلة الماضية لا يمكن تلافيه . لذلك كلما تقادَم
الزمن على قضية الكرد وكردستان دونما حلٍّ عادلٍ كلما كانت له الآثار السلبية
والأضرار والخسائر الفادحة لهم من النواحي التي تمت الإشارة إليها .
كان ذلك بسبب سياسات
التتريك والتعريب والتفريس التي مارستها مختلف الأنظمة لتركيا وإيران والعراق
وسوريا ، أو سياسة التشريد التي تعرض لها الكرد من مناطقهم . وبعد عام [ 1979 ] حيث
إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها روح الله الموسوي الخميني [ 1902 – 1989
] وآستقرار نظام الجمهورية في إيران فإنها إنتهجت كذلك سياسة التشييع المذهبية ضد
الكرد في كردستان – إيران . لهذا ضمن الواقع الحالي الذي عليه الكرد وكردستان لا
يمكن أن تقوم دولة كردية في الوقت الحالي ، ولا في المدى المنظور أيضاً ، بل يمكن
القول إنه أمرٌ مستحيل ! .
عدم إمكانية قيام
دولة كردستان ، كيف ولماذا : سبق أن تحدثنا وأشرنا في الجزأين الأول والثاني الى
عدم إمكانية قيام دولة كردية في كردستان ، وذلك لعوامل وأسباباً داخلية وخارجية
دولية وتاريخية . فتاريخياً لم يكن للشعب الكردي دولة مستقلة به ، بخاصة خلال
الحقبة العثمانية – التركية ، والحقبة الصفوية – الإيرانية [ 1501 – 1733 ] ، والى
النادرية [ 1735 – 1748 ] ، والزندية [ 1750 – 1795 ] ، والقاجارية [ 1795 – 1935
] ، فالبهلوية [ 1935 – 1979 ] ، حيث
كردستان كانت مقسمة بينهما وأنهما كانتا تتحكمان بها والكرد بشكل عام ، وبقى الكرد
على هذه الحال حتى نهاية الدولتين الكبريتين العثمانية والصفوية وآنبثاق النظام
الشرق الأوسطي جديد بقيادة بريطانيا وفرنسا يومها ، حيث أقدمتا على تقسيم الكرد
وكردستان على الدول المجاورة لهم . لعل العامل الأساسي والأبرز الذي أدى لتقسيم
كردستان وقتذاك ، هو فقدان الشعب الكرد يومها لدولة مستقلة قوية تكون بإمكانها
حماية شعبها ووطنها من التقسيم ، أو أيَّ خطر آخر يتوجه نحوهم . لهذا كان الكرد
وكردستان النقطة والحلقة الأضعف في شطرنج
السياسة العالمية ، وفي ميزان القوى الدولية يومذاك .
أما على الصعيد
الداخلي اليوم فإن الأوضاع الداخلية للشعب الكردي لا تُبشِّرُ بخير ، لأن فيها
الكثير من حالات الضعف والهشاشة والرخاوة ، وذلك بسبب الإنقسامات الحزبية
والخلافات الكردية – الكردية الشديدة وفقدان مركزية سياسية كردية مخلصة وقوية
وعادلة تمتاز برؤىً تحليلية إستشرافية دقيقة وبعيدة النظر للحال والمستقبل
الكردستاني والإقليمي والعالمي . والقصد من مركزية سياسية كردية هو في جزءٍ واحدٍ
من كردستان فقط ، لأنها لا تتحقق في جميع أجزاء كردستان بسبب ممانعة التقسيم الدولي ، أي السياسة الدولية لذلك ، ثم
بسبب الخلافات والإنقسامات الحادة للأحزاب السياسية الكردية فيما بينها .
وعلى الصعيد الخارجي
، وهو السياسة الدولية للدول العظمى في العالم فإنها لا تسمح بقيام الدولة الكردية
في كردستان وحسب ، بل إنها أقامت حظراً رسمياً دولياً عليها مذ بدايات القرن
العشرين المنصرم ، وهذا الحظرُ مازال قائماً ومستمراً حتى آمتدادات أيامنا هذه ،
وكما يبدو فإن الحظر الدوليّ للسياسة الدولية سيبقى مستمراً بقوته ورسميته على منع
قيام الدولة الكردية في الوقت الحالي ، والى أمدٍ غير منظورٍ كذلك . في ذلك لقد
أثبتت الحقائق والوقائع والأحداث الدامغة التي لا تقبل الشك بالنسبة للقضية
الكردية في جميع أجزاء كردستان إنها بمثابة ورقة لعب في السياسة الدولية ، بل حتى
لهذه الدولة أو تلك التي تقتسم جزءً من كردستان . نحن نعلم كيف آستغل محمد رضا
بهلوي الشاه الإيراني المخلوع [ 1919 - 1980 ] القضية الكردية في كردستان – العراق
ضد العراق ، وهكذا الحكومة البعثية العراقية السابقة إستغل القضية الكردية في
كردستان – إيران ضد إيران ، والحكومة البعثية السورية إستغل القضية الكردية في
كردستان – العراق ضد العراق ، أضف الى ذلك إستغلال تركيا القضية الكردية في
كردستان – العراق ضد حزب العمال الكردستاني ، أو لأجل مصالحها الإقتصادية والمالية
، أو كيف تسغل ايران وروسيا القضية الكردية في كردستان – تركيا ضد تركيا ، أو لأجل
مصالح ومآرب سياسية أخرى بالمنطقة ..؟
إن التقلص السكانى
والجغرافي للكرد وكردستان سيكون أحد أعقد القضايا وأخطرها الذي سيواجه الشعب
الكردي في المستقبل حينما تقرر – إفتراضاً - السياسة الدولية ترسيم الحدود الدولية
في منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى ، وذلك لأجل تأسيس كيان سياسي للكرد في كردستان . ذلك
إن الأغلبية من المناطق الكردية التي تعرضت للتعريب والتتريك والتفريس لن تعود مرة
أخرى الى جغرافية كردستان ، مضافاً هناك مناطق ومدناً إستراتيجية أخرى من المستحيل
أن تعود ثانية الى جغرافية كردستان ، مثل مدينة كركوك في إقليم كردستان – العراق
وغيرها من المدن والمناطق في بقية أجزاء كردستان التي تتقاسمها كل من تركيا وايران
وسوريا . قد يكون وضع مدينة كركوك أكثره تعقيداً ، لأن كركوك ترتبط بالسياسة
الدولية وبتركيا وإيران أيضاً ، فحتى لو آفترضنا جدلاً بأن السياسة الدولية ستوافق
على عودة كركوك رسمياً الى جغرافية كردستان ، فمن المحال أن تقبل تركيا وإيران
بهذه العودة ، بخاصة تركيا التي تعتبر كركوك وغيرها ضمن أحلامها وطموحها ومشروعها
المستقبلي للسيطرة عليها . هذا بالإضافة الى رفض العراق القاطع بعودة كركوك وغيرها
من المناطق المستقطعة من إقليم كردستان اليه مرة أخرى .
أحد أهم التساءلات هو
: في أيِّ جزءٍ من كردستان ستقوم السياسة الدولية بتأسيس الدولة الكردية – الإفتراضية
- ، هل في الجزء الكردستاني المنضم للعراق ، أو في الأجزاء الأخرى من كردستان
المنضمة للسيادات الوطنية والجغرافية والإدارية الرسمية التركية والإيرانية
والسورية ...؟ . كما يبدو إن قيام أو إقامة كيان سياسي كردي في كردستان – تركيا ،
حيث هي من أكبر أجزاء كردستان مساحة وسكاناً ، هي أمرٌ شبه مستحيلٍ إن لم نقل
مستحيلاً ، وهكذا الأمرُ بالنسبة لكردستان – إيران التي هي ثاني أجزاء كردستان
مساحة وسكاناً . والسبب إن كلاًّ من تركيا وإيران دولتان كبيرتان وقويتان بالمنطقة
، ثم إنهما تتمتعان بالأهمية القصوى للسياسة الدولية . لهذا من المستبعد أن تسمح
السياسة الدولية بتقسيم تركيا وإيران لأجل إقامة دولة كردية في أيِّ جزءٍ
كردستانيٍّ تابعٍ ومنضمٍّ لهما إذن ، يبقى التعويل على كردستان – العراق ،
وكردستان سوريا . ربما لهذه العوامل والتعقيدات والمُعوِّقات الكبرى أمام قيام
الدولة الكردية في كردستان طرح الزعيم الكردي عبدالله أوجلان المعتقل في تركيا منذ
عام [ 1999 ] من القرن العشرين الماضي مشروع السلام للقضية الكردية تحت عنوان [ الأمة
الديمقراطية ] ، بخاصة بين الشعبين الكردي والتركي في تركيا ، وذلك لعلمه بتعقيدات
القضية الكردية من جميع جوانبها في السياسة الدولية وموقفها السياسي السلبي المعلن
للدولة الكردية . الجدير بالذكر هنا حتى مشروع السلام [ الأمة الديمقراطية ] لعبدالله
أوجلان لم تلق إستجابة ولا آذاناً صاغيةً لدى الشارع التركي والحكومة التركية في
نفس الوقت .
وفقاً لما ورد ، وكما
يبدو أيضاً من تطورات الأحداث السياسية لكردستاني العراق وسوريا من المحتمل أن
تقدم السياسة الدولية على إقامة كيانٍ سياسيٍّ كرديٍّ في بعض المناطق الكردية
لذانكما الجزآن من كردستان ، طبعاً مع آستبعاد مناطق أخرى منه ، بخاصة المناطق
الإستراتيجية ، مثل مدينة كركوك في إقليم كردستان – العراق ، وهذا قد يتم بعد
موافقة روسيا وتركيا . هنا أيضاً يصطدم هذا الإحتمال الإفتراضي للدولة الكردية في
بعض مناطق كردستاني العراق وسوريا بالرفض القاطع والإمتناع الكامل من جانب تركيا
التي ترفض بكل قوتها ومَنَعَتها تأسيس دولة كردية حتى إن كانت في أفريقيا كما صرح
بذلك رئيس وزراء تركيا الأسبق بولند أجويد [ 1925 – 2006 ] بُعيد آعتقال عبدالله
أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في كينيا بأفريقيا في أواخر عام [ 1999 ] ! .
اذا ما وافقت السياسة
الدولية ، مع كل من روسيا وتركيا على إقامة كيانٍ سياسيٍّ كرديٍّ في بعض المناطق
من كردستانيّ العراق وسوريا ، فهذا يعني بدءُ السياسة الدولية في تقسيم العراق
وسوريا وإيجاد بعض التغيير في نمط الخارطة السياسية والإدارية والجغرافية لمنطقة
الشرق الأوسط ، والموافقة التركية على إقامة ذلكم الكيان السياسيِّ الكرديِّ
الإفتراضيِّ المذكور ، هو من أحد أبرز الشروط الأساسية له ، وهذا يعني إن الكيان السياسيِّ الكردي سيكون
رخواً وضعيفاً ومشروطاً ، بخاصة على المستوى الدولي والتسليحي ، فهل سيكون ذلكم
التقسيم الإحتماليِّ للعراق وسوريا إيذاناً ومؤشِّراً للتغيير الشامل في بنية
إتفاقية سايكس – بيكو [ 1916 ] البريطانية – الفرنسية وإقامة نظام شرق أوسطي جديد
على أنقاضها بالمنطقة ، وهل سيشمل التقسيم الإفتراضي المذكور يومذاك بلداناً أخرى
في المنطقة الشرق أوسطية التي طالما كانت تعاني الّلاإستقرار والحروب الدموية
والإنقلابات والثورات الداخلية ...؟
بالحقيقة وضمن الواقع
المُرِّ ، بل الأمَرِّ للقضية الكردية إنها لا تمتلك من الأوراق السياسية في لعبة
الشطرنج العالمية للسياسة الدولية إلاّ أضعفها وأهْوَنها وأهشِّها ، وذلك لا يمكن
قياسه ولا مقارنته بالأوراق السياسية الكبرى التي تمتلكها تركيا وإيران في الساحة
والسياسة الدولية والعالمية ، حيث هما تقفان بالمرصاد من قيام الدولة الكردستانية
في أيِّ جزءٍ كان من كردستان ، وذلك بسبب تقاسمهما لأكبر جزئين من كردستان مساحة
وسكاناً ، وهما شمال كردستان وشرقها كما هو المعروف على الصعيد الجغرافي لكردستان
بالنسبة للكرد فقط ، أما ضمن الواقع الرسمي والدولي فذاك أمرٌ مختلفٌ تماماً كما
هو سائدٌ ، بل بالعكس تماماً إذن ، ما هو السبيل ، وما هو الحلُّ ...؟
في الجواب عن
التساؤلان المذكوران ليس لديَّ القول إلاّ الكلمات التالية : إن الحلَّ يكمن في
أروقة السياسة الدولية ، حيث الكبار الراسخون في تدبير السياسة الدولية وشؤونها وإدارتها
والتخطيط لها ، وهم الدول العظمى المعروفة في العالم ! .
/ كاتب
بالشؤون الإسلامية والكردستانية
0 تعليقات