محمود جابر
لا اعرف صفاء – للأسف- لجهل منى أو انشغال ، رغم أنى متابع لكل ما يدور فى
ساحات التحرير، وأظن أنى قريب لشبابها وشيوخها، وكل الثائرين فى ساحات الشرف فى
ثورة تشرين المجيدة بتضحياتها وعطائها وقدرتها على أن تلفت أنظار العالم أجمع،
ولكنها للأسف لم تلف قلوب وعقول واعين وآذان طغمة شياطين الفساد والاتجار بالدين
وبالشرف وبالوطن .
و حينما نفتش فى أسماء الثوار الشهداء منهم والأحياء سوف نخرج بلوحة تجسد
العراق تاريخا وحاضرا، آمالا وآلاما، فرحة وبكاء، وسط تلك الجموع التى شقت الصمت،
وقتلت الخوف وتحدت الموت بصيحة أبى عبد الله الله الحسين " أبا الموت تهددني
يابن الطلقاء ... إن الموت لنا عادة "...
صفاء ابن العراق وثنوة الذي لم يتخلي يوما عنهما. حدوتة
عشق وإيثار لم تنتهي باستشهاده. بل ظلت وستظل أيقونة للثورة المباركة.
صفاء السراى الذى قتل أبوه قبل عامين من وفاته، وماتت أمه
بنفس سلاح القاتل .... سرطان نتيجة تلوث البيئة العراقية بفعل الشراكة الفاسدة
والعميلة مع جيوش أمريكا وإهمال العملاء فى تدمير القطاع الصحى، وهو المبرمج الذى
يعمل حمال فى السوق، رغم انه حامل شهادة عليا فى برمجة الكمبيوتر، لكنه ككل شباب
العراق لا يملك من مصاهرة شيخ او عضو مجلس نواب حتى يكون من أصحاب الخمسين راتبا أو
حتى راتبا واحد ..
الشاب الذى يعيش وسط بيئة قاسية منعدمة الخدمات، وطاردة
للكفاءات والوطنيين اندفع مشاركا فى كل مظاهرة اندلعت فى بلده، وتعرض لضرب
والاعتداء والجرح، والاعتقال بعد ان شارك فى مظاهرات المعمل وجسر ديالى فى 2018.
متظاهر بروح فنان رسم صورة للعراق داخل فؤاده وناضل من
أجل ان يراها واقع .
وما ان اندلعت ثورة تشرين حتى كان الفتى صفاء فى وسط
الشباب، بل فى طليعتهم مع طلبة المدارس والجامعات، ارتفعت الإصابات والشهداء، ورغم مرض أمه
التي أقعدها المرض والفقر. لم تكد تنطلق الاحتجاجات حتى تسرّبت مشاهد ضرب القوات
الأمنية لحشود المحتجين، فيما انتشرت مشاهد صادمة لضرب الطالبات الإناث، نشر صفاء
السراي واحدًا من تلك المشاهد على صفحته.. كتب بغضب ضد " اعتداء القوات
الأمنية على طالبات مدرسة عتبة بن غزوان في الصالحية " قال إن ما يجري "
عار، عار كبير، وقلة شرف ومروءة أن تضرب بنت بالشارع، يا عديمين الشرف والاخلاق
".
وبرغم عشقه لثنوة أمه وبرغم مرارة الفراق لم يثنيه الحزن علي
فراقها من الجهاد لتحقيق حلمه بعراق جديد.
أصيبَ السراي مساء الاثنين (28 أكتوبر 2019)، وسط ساحة التحرير،
أثناء استمرار القوات الأمنية بإطلاق القنابل الغازية بشكل عشوائي على الساحة.
وظل السراي في مستشفى الجملة العصبية متأثرًا بإصابته، وقد أجرى له
الأطباء عملية أزالوا فيها شظية القنبلة الغازية من رأسه وأوقفوا النزيف، لكن
حالته بقيت حرجة وفق المصادر الطبية وذويه في المستشفى.
توفي السراي عند منتصف الليل، ووصل جثمانه إلى ساحة التحرير بعد أذان
الفجر، رغم سريان حظر التجوال، وطاف به أصدقاؤه تحت نصب الحرية الذي يتوسط الساحة،
والذي تحوّل إلى رمز للاحتجاجات العراقية.
حملت جثمان السراي سيارة نقل جماعي وتقدم التشييع عجلات التوك توك،
فيما هتف المشيعون باسم ثنوة والدته رغم وفاتها، بعبارات " رافع راسه يا ثنوة
ابنج ".
يستحق صفاء أن يكون أيقونة للثورة فكلماته عن العراق تجعلك تعشق
العراق حتي وان كنت غير عراقي.
كلمات بسيطة وصف بها حبه لهذا البلد العظيم . ثنوة هي حبي الأول
ولكني أحب العراق أكثر من ثنوة.
شاب في مقتبل العمر مثقف وفنان. لم يفكر في الهجرة ولم يفكر في
الانعزال داخل مرسمه. بل خرج لتحقيق حلمه برغم ما يتهدده من أخطار.
لم يؤثر السلامة ولم يتقرب يوما من سلطة فاسدة ولم يتكسب يوما من
قوت العراقيين. لم يرفع شعارا دينيا يغازل به سلطة الأحزاب الفاسدة. لذلك قتل!!
قتل صفاء الذي يحمل بداخله الكثير من اسمه. نعم لقد كان حبه لبلده
صاف مثل قلبه واسمه . راق مثل حبه ووفاءه لامه. حقيقي الي الحد الذي يضحي فيه الإنسان
بروحه.
هذا المشهد الذى اكتبه بدمع عينى رغم أنى لم أراه، لا تربطنى به
قرابة الوطن، وما ألمنى وأبكاني أكثر ... ان يقوم معمم مغترب عن بلده مترف ناعم
اليدين، يقتله مرة أخرى بدم بارد وقلم مسموم ولا يرعى حق شاب قضى حياته فى شقاء
العيش بين أب مقتول بمرضه وأم " ثنوة" التى ماتت بنفس المرض، فيموت
ابنها طالب بحق هذا المترف المنعم وغيره، ولكن كل هذا لم يشفع للشهيد صفاء السراى الذي
مات من أجل أن يعيش الجبناء ...
2 تعليقات
غريب انك تكتب عن شخص فاجر ومتجاهر بالفسق بل متجاهر بالإلحاد وتضعه موضع القديسين.. هزلت
ردحذفسوف ارسل لك قبل ان اكتب ماذا اقول وما الذى لا اقول
حذف