علي الأصولي
من الشخصيات التي ختمت عاقبتها بأحسن الختام والتي ناصرت الإمام
الحسين(ع) في موضع قل الناصر وخذل فيه الصديق. هي شخصية زهير - رحمه الله –
هذا البطل لمكان فروسيته وحنكته وأقدامه وحكمته. أنيط به أن يكون
قائد الميمنة في معركة ألطف الخالدة.
عرف عنه وقبل التحاقه في كربلاء أنه - عثماني الهوى - وهذه الصفة.
كما سمعت من غير واحد أنها تطلق على - كل من يعتقد بمظلومية عثمان بن عفان وانه
قتل مظلوما شهيدا محتسبا - وبالتالي من كان - حسب فهم هؤلاء - عثماني الهوى فهو
يعادي عليا (ع) وبنوه. هذا ببساطة معنى ( عثماني الهوى ) عندهم .
بينما هذا التفسير في الإطلاق غير صحيح وبالنتيجة الكلية غير صحيحة
تبعا، إذ ليس كل سني شيعي الهوى فهو شيعي، وكما ليس كل شيعي سني الهوى فهو سني، إذ
لا بد من التفريق بين الهوى والميل وبين الاعتقاد والعمل!
ما يعنيني سوف نستعرض هذه المسألة وكيف حاول بعض الفضلاء الاستقتال
الصناعي في سبيل نفي الهوى العثماني عن زهير بن القين. مع ان الهوى لا يأتي من
فراغ بل من قناعات غير متطرفة بدلالة حصول الهوى لا الاعتقاد وقصة قميص عثمان،
أكاد أجزم لولا مشهورية حادثة ( الجعجعة ) التي ارتبطت بإسم الحر
بن يزيد الرياحي (رض) قبل التوبة. لسمعنا منهم وعلى طريقة ( الاستقتال الصناعي )
بإن الحر علوي الهوى إذ لم يقولوا شيعيا.
الهوى غير الهوية!
إذن. لا بد من التفريق بين الهوى والهوية وكل مقولة لا تعني
الأخرى. وأن حصل ميل لوجود قناعة فكرية أو عاطفة نفسية ونحو ذلك. والأمثلة على ذلك
كثيرة وتبقى المصاديق من حصة المتلقي.
فهوية - زهير بن القين - لا تحددها طبيعة هواه وميله. سواء كان هذا
الميل فكريا أو عاطفيا.
ما يعنيني هو أن أول مصدر تاريخي ورد فيه الإشارة بصراحة إلى
عثمانية هوى زهير بن القين. هو - تاريخ الطبري - وكذلك كتاب - أنساب الإشراف -
للبلاذري.
ويبدو لي بأن الثاني أخذها من الأول لمكان أقدمية الطبري على
البلاذري.
والآن نعرض الروايات في هذا الشأن فإليك ما يلي:
الرواية الأولى:
وقال أبو مخنف : لما أجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي
الجوشن : يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة ، والحسين (ع) جالس أمام بيته محتبيا
بسيفه ، وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت أخته زينب منه وقالت : يا أخي قد
اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرم بعد العصر ، وجاءه العباس فقال :
يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثم قال : " يا عباس اركب إليهم حتى تسألهم عما جاء
بهم " فركب العباس في عشرين فارسا منهم حبيب بن مظهر وزهير بن القين فسألهم
العباس ، فقالوا جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم العباس :
لا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له :
ألقه فأعلمه ، ثم القنا بما يقول ، فذهب العباس راجعا ، ووقف أصحابه . فقال حبيب
لزهير : كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم أنا ، فقال زهير أنت بدأت فكلمهم ،
فكلمهم بما تقدم في ترجمته ، فرد عليه عزرة بن قيس بقوله : إنه لتزكي نفسك ما
استطعت ، فقال له زهير : إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة ، فإني لك من
الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية .
فقال عزرة ( وهو موضع الشاهد ) يا زهير ما كنت عندنا من شيعة هذا
البيت إنما كنت عثمانيا .
قال : أفلا تستدل بموقفي هذا على أني منهم ! أما والله ما كتبت
إليه كتابا قط، ولا أرسلت إليه رسولا قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمع
بيني وبينه، فلما رأيته ذكرت رسولا قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمع بيني
وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله (ص) ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من
عدوه وحزبكم : فرأيت أن أنصره، وأن أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه، حفظا
لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله .
قال : وأقبل العباس فسألهم إمهال العشية ، فتوامروا ثم رضوا فرجعوا
. ( تاريخ الطبري : 3 / 314 )
الرواية الثانية:
روى أبو مخنف عن بعض الفزاريين قال : كنا مع زهير بن القين حين
أقبلنا من مكة نساير الحسين (ع) فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ،
فإذا سار الحسين (ع) تخلف زهير ، وإذا نزل الحسين تقدم زهير ، حتى نزلنا يوما في
منزل لم نجد بدا من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ، ونزلنا في جانب ، فبينا
نحن نتغذى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين فسلم ودخل ، فقال : يا زهير بن القين
إن أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده
حتى كأن على رؤوسنا الطير.( تاريخ الطبري : 3 / 30).
قال أبو مخنف : فحدثتني دلهم بنت عمرو ، امرأة زهير قالت : فقلت له
: أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ! سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثم
انصرفت ، قالت : فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه :
فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوض وحمل إلى الحسين (ع) ، ثم قال لي
: أنت طالق ، الحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ، ثم قال لأصحابه
: من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا ، غزونا بلنجر ،
ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان : أفرحتم بما فتح الله عليكم ،
وأصبتم من المغانم ؟ فقلنا : نعم . فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمد (ص) فكونوا
أشد فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم ، فأما أنا فإني أستودعكم الله ، قال :
ثم والله ما زال أول القوم حتى قتل معه. ( تاريخ الطبري : 3 / 302).
وأما البلاذري فقد قال : (قالوا : وكان زهير بن القين البجلي بمكة
وكان عثمانيا فانصرف من مكة متعجلا فضمه الطريق وحسينا فكان يسايره ولا ينازله ،
ينزل الحسين (ع) في ناحية وزهير في ناحية ، فأرسل الحسين.(ع) إليه في إتيانه
فأمرته امرأته دلهم بنت عمرو أن يأتيه فأبى ! فقالت : سبحان ألله ! أيبعث إليك ابن
بنت رسول ألله فلا تأتيه ؟! فلما صار إليه ورجع إلى رحله قال لامرأته ، أنت طالق ،
فالحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خيرا . ثم قال لأصحابه : من أحب
منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد وصار مع الحسين عليه السلام ؟) . (أنساب
الأشراف ج3 ص 378 ـ 379 )
0 تعليقات