عمر حلمي الغول
عندما تجول في أوساط
المواطنين الفلسطينيين في الوطن والشتات وداخل الداخل ستلاحظ حالة عامة من الإحباط
والسخط والاستياء، وفقدان الأمل بين الغالبية منهم. ولم يبلغ المواطن الفلسطيني
هذة الحالة لرغبة شخصية، أنتاج سخط مفتعل، او انعكاسا لنزوة، أو كنوع من جلد
الذات، إنما له أسبابه الموضوعية والذاتية، منها:
فقدان الأمل بالمسيرة السياسية؛ تعنت ورفض
حكومات إسرائيل المتعاقبة لخيار السلام، ومواصلة خيار الاستعمار الاستيطاني والحرب
على الشعب الفلسطيني ومصالحه؛ الانقسام والانقلاب الحمساوي على الشرعية، وإغلاق الطرق
امام عربة المصالحة؛ التراجعات والانهيارات في المواقف الرسمية العربية، وادارة
الظهر عمليا للقضية الفلسطينية؛ انتقال إدارة ترامب الأميركية إلى الهجوم المباشر
على الحقوق والمصالح الفلسطينية، وقطع كل خطوط التواصل مع القيادة الشرعية
الفلسطينية؛ الأخطاء والعيوب والمثالب الداخلية الفلسطينية، فضلا عن الأزمات
المتعددة، التي يعيشها المشروع الوطني ... إلخ
هذه العوامل ولدت
القنوط والإحباط في أوساط العباد، لاستشعارهم ان مستقبل القضية بات في مهب الريح،
وبسبب تسيد شعار وخطاب "وانا مالي" و"من اين تؤكل الكتف" و"لحم
كلاب في ملوخية" و"ساق الله على زمن الإدارة المدنية!" وهو ما يعني
تمني البعض عودة الاستعمار كاملا على كل الأرض الفلسطينية، وإسقاط خيار السلطة
والدولة المستقلة، وغيرها من الشعارات والمقولات الهدامة. ولم يدرك أبناء الشعب
العربي الفلسطيني، أنهم سقطوا في متاهة خطاب وإستراتيجية العدو الصهيوني الاستعماري،
الذي يرفض من حيث المبدأ وجود دولة فلسطينية بين البحر والنهر، وعلى حدود الرابع
من حزيران عام 1967، ويرفض كليا حق العودة للفلسطينيين لوطنهم الأم تحت حجج وذرائع
استعمارية مفضوحة، ويعمل بشكل منهجي ومدروس على تكريس خيار الترانسفير في أوساط
الشعب، أو البقاء ك"عبيد" تحت بسطارهم الاستعماري.
ولتعميق الأفكار
الهدامة تقوم أجهزة الأمن الإسرائيلية، والإدارة الاستعمارية (المدنية) بإنتاج
وتعميم مقولات ومفاهيم خطيرة، ومتناقضة مع مصلحة الشعب، وتنشر الإشاعات المغرضة
والمستهدفة لتهبيط وإستنزاف الروح المعنوية الفلسطينية، وضرب ركائز الانتماء
الوطني، وخلق مناج من التشاؤم، والتركيز على مفاهيم "بدنا نعيش" و"ما
في حدا احسن من حدا" وتضخيم الأخطاء والنواقص الموجودة، والضرب على وتر
المناطقية والعشائرية والهويات القزمية، وتشويه صور الرموز الوطنية، والتقليل من
الإنجازات والنجاحات، التي تحققها القيادة على اكثر من مستوى وصعيد، ويتم الضرب
على المصالح النفعية الضيقة، بالإضافة لفتح أبواب العمل أمام الشباب الفلسطيني في
المستعمرات الإسرائيلية، والسعي لاستدراجهم وإيقاعهم في حبائل الأجهزة الأمنية ..
مما لا شك فيه ان
الساحة الفلسطينية تعيش مرحلة معقدة وصعبة، وتشهد مخاطر جمة على أكثر من مستوى
وصعيد، لكن كل ذلك لا يجيز لنا جميعا وبشكل فردي كفلسطينيين ان نستسلم لمشيئة
العدو الصهيو أميركي ومن لف لفهم من عرب وعجم ومن مدارس وفرق معادية للوطنية
الفلسطينية، وللممثل الشرعي والوحيد، لإن وقوعنا في مستنقع الإحباط والقنوط
والهزيمة، يضاعف من حجم وعمق الهزيمة، ولا يساعد الشعب على الخروج من وحولها
ومثالبها. وبالتالي كل منا مطالب التمسك بالآتي: اولا بالوطنية الفلسطينية، والاعتزاز
بها، والافتخار بانه فلسطيني عربي؛ ثانيا الدفاع بقوة ودون تردد أو تعلثم عن
الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير وعن المشروع الوطني المتمثل باستقلال دولة
فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمة ابدية لها، وضمان حق
العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194؛ ثالثا الدفاع عن
وحدة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي الفلسطيني كثابت من الثوابت الوطنية، وعدم
السماح للغة الانقسام والانقلاب من الترسخ في الوعي الجمعي الفلسطيني؛ رابعا الرد
على مقولات اجهزة الأمن أسرائيلية وإدارته المدنية وموقعهم "بدنا نعيش"،
بالتأكيد على حقنا في الحياة، ولكن لا نبادل ذلك بالتفريط بالمشروع الوطني، بل
بتعميق التمسك بهويتنا وموروثنا التاريخي والحضاري؛ خامسا الأخطاء والعيوب
والنواقص الموجودة في الساحة بمختلف مستوياتها في اوساط الشعب، لا تلغي تمسكنا
بحقوقنا ومصالحنا الوطنية، ولا بتخلينا عن ممثلنا الشرعي والوحيد. ونحن لسنا
استثناءً بين الشعوب، فكل شعب فيه ما يكفيه من العيوب والمفاسد، وهذا لا يعني
تبرير الأخطاء والخطايا، انما شكل من اشكال المقاربة الواقعية مع شعوب الدنيا
كلها؛ سادسا التمسك الثابت بعدالة قضيتنا، وبمستقبل الشعب العربي الفلسطيني،
المرهون بوعي وإدارك الأجيال الجديدة لمسؤولياتها تجاه نفسها وشعبها والأهداف
الوطنية، وعدم الإنزلاق في متاهة ومستنقع برنامج "الشاباك" و"الموساد"
والإدارة الإستعمارية اي كانت الملاحظات والإستياء من النواقص الداخلية.
لكل ما تقدم، علينا
كل من موقعه، وبغض النظر عن ملاحظاته على الوضع الداخلي، نشر الأمل داخل الذات
الشخصية، وفي اوساط عائلته وجيله، وقطاع العمل الملتحق به، وحيثما ولى وجهه. لا بد
من إستنهاض الذات الخاصة وطرد غيوم الهزيمة، وتعزيز روح الشراكة الوطنية عبر
ممارسة النقد الموضوعي والبناء لإية أخطاء أو نواقض، ودون الوقوع في مخططات العدو
الصهيو أميركي. فلسطين تكبر بابنائها، وتعلو هامتها بتضحياتهم، وبنجاحاتهم،
ووحدتهم، وكل من ابناء الشعب يمثل عنوانا له اينما كان، ولكن تحت راية العنوان
الأول الممثل الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية. فلسطين لنا، والمستقبل لنا،
لا يجوز التفريط بهذة الحقائق مهما كانت تعقيدات المؤامرة.
0 تعليقات