آخر الأخبار

قراءة موضوعية في قانون العنف الأسري




 

بهاء النجار

 

 

في البداية نتمنى أن تكون قراءتنا بالفعل موضوعية تحليلية، وهي قراءة مستندة الى المسودة التي نشرها موقع رئاسة الجمهورية بتأريخ 16-9- 2019 * والتي لا تختلف عن النسخة المرسلة مؤخراً بتأريخ 4-8-2020 من مجلس الوزراء الى مجلس النواب بحسب بعض وسائل الإعلام .

 

 

إن كل إنسان متحضر واعي يؤيد أي قانون يناهض العنف الأسري ، ومن حق الشعب أن يُبدي رأيه ويدلو بدلوه في ما يخص هذا القانون ، لأن الأمر أولاً وآخراً يخص الشعب وهو مصدر السلطات ، وما البرلمان والحكومة إلا ممثلون له .

 

 

وسنقسّم قراءتنا للقانون على شكل نقاط كي يستفيد منها أصحاب الشأن والرأي العام أفضل استفادة ، وهي كالآتي :-

 

 

1-   المادة (1/ أولاً) : تعريف العنف الأسري عام وفضفاض بحيث يشمل كل شيء ، فحتى (الخَزرة بالعين) يمكن أن تعتبر عنفاً وتؤدي الى ضرر مادي أو معنوي .

 

 

لذا لا بد أن يكون التعريف أكثر دقة وتفصيلاً ، لأن عموميته سيكون سبباً للعنف الأسري وليس لمناهضته ، وأن يشمل تعريف العنف بأنه (غير مبرر) ، فكما نعلم أن هناك عنفاً مبرراً والغاية منه التربية ، ولا يمكن أن نعمم بعض الحالات القليلة على كل المجتمع ، فالقليل هم ممن يقومون بفعل او تهديد غير مبرر ربما لا تتعدى نسبتهم الواحد بالألف ، ومن غير المنطقي أن نشرّع قانون يعم الألف بسبب شاذ واحد .

 

فمثلاً لو عنّف الأبُ ابنَه لسبب ما ( بسبب شربه للخمر أو تناول المخدرات مثلاً ) بالكلام أو بالضرب ، ومثل هذا التعنيف بحسب القانون المطروح يُعد جُرماً ، فهل يحق للابن - من الناحية القانونية - الردّ على أبيه بالتعنيف كذلك ؟

 

فإذا قلنا نعم يحق له باعتبار أنه ردة فعل ودفاع عن النفس فهذا يعني أن العنف والتعنيف جائز ومبرر إذا كانت مقدمته مقبولة ، وهذا ما يمكن أن يحتجّ به الأب أو الزوج عند تعنيفه لأحد أبنائه او زوجاته ويطالب القانون بأن يضع حلاً لها .

 

وإذا قلنا لا يحق له ذلك ، فلماذا يتم تشريع مثل هذا القانون ؟!

 

2- المادة (1/ ثانياً - أ) : توسيع نطاق الأسرة لتشمل ( الأحفاد وأبناء أحد الزوجين من زوج آخر و والدي أي من الزوجين و الإخوة والأخوات لكلا الزوجين و الشخص المشمول بالوصاية أو القيمومة أو الضم ) ، وهذا الأمر سيعقّد الموضوع ، لأن الأسرة إذا كانت بهذا الحجم فمن الطبيعي أن يكون فيها اختلاف ثم خلاف ثم عنف مبرر وربما غير مبرر ، وهذا سيؤثر على الأسرة نفسها وكذلك سيشكل عبئاً على الدولة والمحكمة ومديرية الأسرة وكل جهة معنية بتطبيق هذا القانون .

 

يفترض أن تحدد الأسرة بالأب وزوجته وأبنائه فقط لتقليل التعقيدات والمشاكل التي يمكن أن تحدث بينهم .3- المادة 2 : تبين هذه المادة الهدف الذي وراء القانون وهو (حماية الاسرة) ، وهذا أمر جيد ، ولكن إضافة عبارة ( وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات ) يُعد تمييزاً على أساس الجنس وهو مخالف للدستور ومبادئ حقوق الإنسان ، إضافة الى أنها توصل رسالة الى المجتمع أن الرجال هم المستهدفون آباءً كانوا ام أزواجاً ، خاصة وأن المجتمع العراقي يوصف بالذكوري والمحافظ ، وهذا يثير حفيظة هذه الفئة .

 

وقد تكررت هذه الرسالة أكثر من مرة ، فمثلاً جاء في فقرة (الأسباب الموجبة) من القانون عبارة ( وقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة) ! أليس من المفروض أن تكون وقاية الأسرة عموماً رجالاً ونساءً من العنف ؟! وكذلك وردت عبارة (ونظراً لكون العنف ضد المرأة يعد شكلاً من اشكال التمييز) !

 

 

وهل العنف ضد الرجل لا يعد شكلاً من أشكال التمييز ؟! ألا توجد حالات تقوم بها امرأة بإهانة الرجل أو حتى ضربه وقتله ؟!

 

مثل هذه العبارات تجعل الشعب والنخب متوجّسين من أن يكون الهدف من هذا القانون هو استنساخ التجارب الغربية التي تختلف كثيراً عن مجتمعنا ، وهذا ما تؤكده العبارة ( وسيراً على خطى مبادئ المجتمع الدولي ) الواردة في فقرة (الأسباب الموجبة) والتي تبرر لمثل هذا التخوف .

 

 

إضافة الى ذلك فإن هذه العبارات ستكون قرائن تجعل القضاء يستند إليها عندما يريد فهم مادة قانونية ليطبقها على قضية معينة ، وهذه ليست في مصلحة الأسرة والمجتمع الذي يمثل الرجال أكثر من نصفه .

 

 

ومما يزيد المخاوف ما جاء في المادة (6/ سادساً) التي تؤكد على (تبادل الخبرات والتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة على الصعيدين الاقليمي والدولي) ، ونحن نعلم أن الجهات المختصة على المستوى الاقليمي والدولي تنظر بعين المجتمعات الغربية حيث تكون الأسرة عندهم أمراً ثانوياً ، فليس المهم أن يُكوِّنَ الإنسان عندهم أسرة ، وهذا ما لا يمكن أن يكون في المجتمع العراقي .

 

4- المادة (3/ ثالثاً) : تنص على أن تختار (اللجنة العليا لمناهضة العنف الأسري) مُمثلَين أثنين عن منظمات المجتمع المدني ! إن وجود مثل هذه المنظمات بهذا المستوى وتشارك في رسم خارطة طريق هذه اللجنة أمر مخيف ، إذ لم يبين القانون تفاصيل اختيار هاتين المنظمتين ، وكيفية ضمان اختيارهما بطرق تصب في مصلحة الأسرة والمجتمع بعيداً عن الحسابات السياسية الداخلية والخارجية ، كما لم يبين القانون اختصاص هاتين المنظمتين هل هو في مجال الأسرة أم في غير ذلك ، ولم يذكر هل أن هاتين المنظمتين مرتبطتان بالخارج من حيث الدعم والتمويل أم مشروطتان بأن تكونا محلّيتين ، هذا فضلاً عن أن قرارهما بمستوى قرار مدير عام في وزارة اتحادية أمر مبالغ به .

 

 

إن كان وجود هاتين المنظمتين ضرورياً فليكن استشارياً او بصفة مراقب من دون امتلاك حق التصويت على القرار في اللجنة ، والأفضل أن تكون اللجنة حكومية صرفة ، ويحق لمنظمات المجتمع المدني أن تراقب وتتابع وتنتقد وتقدم الاستشارات عن طريق الإعلام او مباشرة الى اللجنة العليا ، كما يمكن أن تكون لمنظمات المجتمع المدني دور من خلال البند ثالثاً من المادة (5) ،حيث يمكن للجنة العليا الاستعانة بمن تراه من ذوي الخبرة في مجال مكافحة العنف الاسري ، وتُمنَح لها مكافأة تشجيعية ، وكذلك المادة (6/ سابعاً) حيث تنسق اللجنة العليا مع منظمات المجتمع المدني لأعداد البرامج والخطط لبناء قدرات العاملين ومقدمي الخدمات في مجال العنف الأسري .

 

 

5- المادة (12/اولاً) : السماح لموظف - بصفات معينة ذكرها القانون - بالإخبار عن وقوع جريمة عنف أسري سيجعل وضع الأسرة مُربَكاً متضعضعاً مؤهلاً للتفكك مكشوفاً لأي غريب يمكن أن يتدخل بشؤونها وربما استفزاز أفرادها ، وإلزام من يتلقى الإخبار بعدم الكشف عن هوية مقدم الإخبار سيزيد من الطين بلة ، إذ ستكون الدعاوى الكيدية على قدم وساق ، ولنا في (المخبر السري) تجربة واضحة .

 

هذه المادة مرفوضة جملة وتفصيلاً .

 

6- المادة (18/ثانياً) : تنص على ( منع المشكو منه من دخول منزل الضحية او الاقتراب من أماكن تواجده ) .

 

 

إذا كان الضحية أحد الأبناء أو إحدى الزوجات ، والمشكو منه هو الأب أو الزوج - وهو على ما يبدو هو الغالب وأن القانون مصمم وفق ذلك - فإذا مُنِع الأبُ أو الزوجُ من دخول منزل أحد الأبناء او إحدى الزوجات ، وفي الأعم الأغلب يكون منزل الأبناء و الزوجات هو منزل الأب او الزوج ، فهل هذا يعني أن الأب او الزوج سيُطرَد من منزله ؟

 

 

إذا كان الأمر كذلك فهذا سيزيد من المخاوف التي ذكرناها في النقطة (3) أعلاه ، وهذا ما يؤكده البند (خامساً) من نفس المادة التي تمنع اتصال المشكو منه ( وهو الأب أو الزوج بحسب الفرض ) بالضحية ( وهي أحد الأبناء او إحدى الزوجات بحسب الفرض ) في المنزل ، مما يعني أن الأب أو الزوج خارج المنزل ولو كان في المنزل لما احتاج الى اتصال ! لا بد من بيان ذلك لتبديد المخاوف لدى الرِجال .

 

7- المادة (18/ثالثاً) : تنص على ( تمكين الضحية، أو من يمثلها من دخول بيت الأسرة بوجود الموظف المكلف، لأخذ ممتلكاته الشخصية بموجب محضر اصولي ) .

 

 

وجود مثل هذا البند يفتح الباب للأبناء المعنَّفين بالخروج من البيت وتركه وبسند قانوني ، وهذا سيفكك الأسرة ويحطمها ، لذا يجب أن يلغى هذا البند .

 

8- المادة (20/أولا) : توضح آلية فتح (المراكز الآمنة) التي تستقبل ضحايا العنف الأسري .

 

 

وما يُسجَّل على (المراكز الآمنة) أنها ستجمع المعنفين عموماً ، ومن الطبيعي أن لا يكون كلهم مظلومين ، فقد يكون بعضهم وربما أغلبهم مخطئين ، وبالتالي ستكون اللقاءات بينهم فرصة ليتعلم المعنَّف المظلوم أخطاء المعنَّف المخطئ ، وبذلك سوف لن تكون هذه المراكز آمنة بالفعل .

 

ثم لماذا تُفتَخ (مراكز آمنة) لإيواء المعنفين وتكليف الدولة أجور إنشائها ونفقات إدارتها في ظل وضع اقتصادي متدهور من سيء الى أسوأ ؟ أليس من المفروض أن يؤخذ المعنِّف المشكو منه الى السجن كي نقلل أثره السيء على الأسرة ونقلل من هذه الأجور والنفقات ؟ فوجود هذا المعنِّف في البيت سيجعل غيره معرضاً للتعنيف وستتدهور حالة الأسرة شيئاً فشيئاً الى أن تنهار ، لأن الأسرة بأكملها ستكون في (مراكز آمنة) ما عدا المشكو منه .

 

 

ومن المثير أيضاً إقحام منظمات المجتمع المدني بهذا الحجم في أكثر من مكان ، وهذا يضع عدة علامات استفهام ، خاصة وأن القانون لم يبين الآلية القانونية التي تنظم عمل هذه المنظمات وما هي مواصفاتها ، لأن هناك منظمات ظاهرها منظمات مجتمع مدني لكن باطنها خبيث ، وتدعمها دول ومؤسسات دولية ، ولا نريد أن تخرّب هذه المؤسسات وهذه الدول مجتمعنا كما خرّبوا مجتمعاتهم .




إرسال تعليق

0 تعليقات