نصر القفاص
أستطيع القول على سبيل القطع, أن حزب "مستنقع وطن" نجا
من محاولة اغتياله خلال فترة التعديلات الدستورية الأخيرة.. لكنه تمت تصفيته تماما
– شعبيا – خلال انتخابات "مجلس الشورى" التى أعادت التوتر والقلق إلى
المجتمع.. فعندما يكون هناك حزب يدافع عن الرئيس, بينما الرئيس يؤكد أنه لا علاقة
له بالأحزاب.. فهذا معناه أنه لا يستحق الانتساب له والتشرف بدعمه.. وعندما يكون
هناك حزب يؤيد حكومة بكل وزرائها ومحافظيها ومسئوليها ويدافع عنهم.. بينما الجميع
يفاخرون بأنهم ليسوا أعضاء فى هذا الحزب ولا علاقة لهم به.. وعندما يتجه هذا الحزب
إلى عقد اتفاق – بقصد جنائى – مع عشرة أحزاب أخرى, فنجد هذه الأحزاب نفسها منبوذة
ومرفوضة من المجتمع.. فهذا معناه أن هذا الحزب انتهى تماما ولو بقى على أجهزة
التنفس الصناعى لفترة طالت أو قصرت.
سبق أن حدث ذلك فى تاريخ مصر قبل نحو مائة عام مع حزب
"الاتحاد" وتكرر مع حزب "الشعب" ورغم أنهما اندمجا فيما بعد
باسم "الاتحاد الشعبى" إلا أن التاريخ فقط هو الذى يحتفظ فى صفحاته
بحكاية وتفاصيل ممارسة هذا "الفعل الفاضح" فى ميادين السياسة!! وماتت
هذه الأحزاب فى الذاكرة الشعبية, ولا يرد ذكرها حتى على ألسنة المثقفين.. ولا
تندهش إذا قلت لك أن "الحزب الوطنى الديمقراطى" سيبقى له أثر فى الذاكرة
المجتمعية والشعبية, باعتباره حزب شطبته عدالة القضاء.. كذلك سيكون حزب
"الحرية والعدالة" لأن كليهما انتهى بفعل ثورة شعبية, وتأكد بحكم محكمة
القضاء الإدارى التى وصفتهما بما استحقا.. وذلك لم يحدث مع حزب
"الاتحاد" ولا حزب "الشعب" ولا "الاتحاد الشعبى"
لأنهم انتهوا شعبيا رغم وجودهم "شكلا" فى الساحة السياسية حتى قامت ثورة
23 يوليو 1952.. وهو المصير نفسه الذى سيلقاه حزب "مستنقع وطن" بعد أن
ظن ثعالبه وضباعه أنهم أسود!!
البراهين كثيرة على رؤيتى التى أعلنها بحسم.. فهذا حزب – مستنقع
وطن – لا أصل له ولا جذور.. فإذا كان مؤسسه "محمد بدران" قد اختفى
فجأة.. فإن الأمر نفسه حدث مع الذى زعم أنه رئيسه – أشرف رشاد – فضلا عن أن رئيسه
الحالى – المستشار عبد الوهاب عبد الرازق – لم يخاطب الأمة مرة واحدة.. لم نسمعه
يتكلم عن حزب وبرنامج.. بل لم يتحدث عن الريح الطيبة التى جعلته رئيسا لهذا
الكيان!! فضلا عن أن رئيس الحزب الذى تم تخفيضه دون "أوكازيون" لم يشرح
سر قبوله لما حدث.. ربما حرصا على الاستمرار كعضو مجلس نواب ورئيس لجنة.. والأمر
كذلك بالنسبة للأمين العام الذى فاز بعضوية مجلس الشيوخ خلال انتخابات تجاهلها
الشعب المصرى العظيم.
لم يحدث فى تاريخ العمل السياسى منذ عرفت مصر المجلس النيابى, أن
ذهب حزب أو جماعة أو سلطة إلى تقديم مرشحين سبقت إدانتهم شعبيا وجنائيا فى المحاكم
كما فعل حزب "مستنقع وطن" الذى جرب غسل سمعة "رشاد عثمان"
بتقديم ابنه كعضو مجلس شيوخ.. ولم يحدث فى التاريخ السياسى أن عقد حزب
"اتفاقا جنائيا" مع أحزاب صغيرة لتجميل صورته وخداع شعبه.. سوى عندما
فعلها حزب "الحرية والعدالة" الذى تحالف مع بضعة أحزاب وهمية, كان بينها
أحزاب لليسار للأسف.. وجاء حزب "مستنقع وطن" ليقلده باعتباره خليط شديد
التركيز من "الوطنى الديمقراطى" و"الحرية والعدالة"!!
عندما يقدم لنا حزب ما, "التوريث" كمنهج بترشيح أبناء
متهمين بالفساد والخيانة.. فهذا معناه أنه يثأر من شعب رفض "التوريث"
كفكرة.. فنحن بصدد حزب يقدم لنا أبناء مرفوضين شعبيا ومحكومين قضائيا.. وعندما
تصدمهم عاصفة الرفض الوطنى, يقولون لك أن الرئيس قادر على تصحيح ذلك من خلال مائة
عضو سيقوم بتعيينهم.. وكأنهم يقولون منطق.. مع أن هذا الكلام الرخيص يحمل اعترافا
وتفاخرا بالجريمة!! وإذا قلنا أنهم – أى المرشحين – يتمتعون بسذاجة وجهل يؤكدان
أنهم عصاميون فى بناء جهلهم.. نسمع من يقول لنا أنهم سيتعلمون من المحترمين الذين
سيعينهم الرئيس!! ثم يتطاول البعض ليقول عن "ورثة الفساد" بأنهم سيكونون
أعضاء فى مجلس لا حق له فى التشريع ولا مساءلة الحكومة.. كما أنهم لا يقدرون على
تقديم خدمات للمواطنين.. فهؤلاء سيشكلون "بيت الحكمة" الذى هو
"مجلس الشيوخ" وذلك يدفعنا لقول الشاعر: رب يوم بكيت منه, فلما.. صرت فى
غيره بكيت عليه!!
كلنا يعرف أن حزب "مستنقع وطن" حصل على أقل من عشرة
بالمائة فى انتخابات مجلس النواب قبل أربع سنوات.. ثم تم إعلانه حزبا للأغلبية قبل
عام ليسيطر على لجان المجلس, رغما عن أنف الدستور الذى يمنع تغيير الصفة الحزبية
التى تم انتخاب النائب عليها.. وعندما تقع هذه الجريمة تحت سمع وبصر الشعب,
ويتعامل معها بعدم اكتراث.. فقد فهموا أن هذا الشعب وافق على إهانتهم واستخفافهم
بالدستور.. ثم يتحدثون عن الدستور!! والحقيقة أن انصراف الشعب عن تلك الجريمة, كان
لتعلق الشعب بالرئيس "عبد الفتاح السيسى" باعتباره البطل الشعبى الذى
خلص مصر من خطر داهم.. كما أنه الرجل الذى أنجز عشرات.. بل مئات المشروعات
العظيمة.. ومقابل ذلك تسابق الشعب على تقديم مدخراته لشق "قناة السويس
الجديدة" وتحامل على نفسه بتجرع دواء الإصلاح الاقتصادى رغم مرارته وصعوبة
احتمال تعاطيه.. وربما لهذا السبب يصرخ الشعب مذهولا, ومتجها نحو الرئيس متسائلا..
هل توافق على ما يحدث؟! فيخرج علينا محامو الدفاع عن هذه الجرائم.. الرئيس لا
يتدخل فى عمل الأحزاب.. الرئيس يحمى الدستور الضامن لحق كل مواطن فى الترشح.. ونسى
هؤلاء أن حماية الرئيس للدستور كانت تفرض عليه التدخل عندما تعرض للاعتداء, بتحول
حزب أقلية إلى حزب أغلبية بكسر رقبة الدستور!!
حاول حزب "مستنقع وطن" وشركاؤه فى جريمة انتخابات مجلس
الشورى, الزعم بأن اتفاقهم الجنائى هو اتفاق انتخابى فقط.. دون أن يجيبوا على سؤال
حاسم حول توجهاتهم السياسية, باعتبار أنهم يتكلمون سياسة بلغات متنافرة يصعب أن
تلقى حتى على حد أدنى من الفهم.. ولعبوا ورقة التخويف من السلفيين الذى شاركوهم فى
الاتفاق على الجريمة.. وأذهلهم حجم السخرية من تلك الحجة الواهية.. فالمعروف
والثابت أن السلفيين كانوا شركاء للحزب "الوطنى" ثم شاركوا "الحرية
والعدالة" وشركاء لحزب "مستنقع وطن" الذى زكى أعضائهم لتولى وكالة
اللجان فى مجلس النواب.. بل أن نواب السلفيين شاركوا فى مؤتمرات خارجية بمباركة
رئيس المجلس وتوقيعه وتدليله لهم!!
إرتكب حزب "مستنقع وطن" جنحة خلال التعديلات الدستورية,
وتغاضى عنها الشعب إكراما وتقديرا للرئيس.. باعتبار أن هذه التعديلات هدفت إلى مد
فترة حكم الرئيس من أربع إلى ست سنوات, وسمحت له بالترشح استثنائيا لفترة ثالثة..
فأقدم هذا الحزب على ارتكاب الجناية خلال انتخابات مجلس الشيوخ.. ويتردد أنهم
انتهوا من الإعداد لجناية جديدة خلال أيام بطبخة طبق الأصل من تلك لانتخابات مجلس
النواب القادمة.. والوقائع تؤكد أن ذلك سيحدث.. لكن الواقع يقول أن الأفق تتشكل
فيه نذر خطر داهم على الوطن والمجتمع.. ومن يرفض التحذير أدعوه أن يجهد نفسه قليلا
ويقرأ بعض صفحات التاريخ بهدوء.. وأتفق مع القائلين بأن التاريخ لا يكرر نفسه..
وأدعوهم إلى التفكير فى أن التاريخ يجدد نفسه.. فهذا شعب عبقريته فى صمته!! وغضبه
العارم – ثوراته – تتفجر عند إهانته.. وما يحدث فيه مس بكرامة شعب أضروه..
والتاريخ علمنى أن "قل كلمتك وامشى" دون أن تلتفت لنباح من يفكرون
بلسانهم.. وتفوح من كلماتهم روائح كريهة!!
0 تعليقات