نصر القفاص
كنت – ومازلت – من المؤمنين بخطأ إلغاء وزارة الإعلام, وبعد ما حدث
خلال فترة غياب هذه الوزارة أرى أن الأمر كان خطيئة.. بعد عودة وزارة الدولة
للإعلام, وتولى الزميل "أسامة هيكل" حقيبتها.. لم أعلن سلبا أو إيجابا,
سوى خلال جلسات خاصة مع أصدقاء كانوا يلحون أن يسمعوا منى تعليقا.. أظن أن بعضهم
سمع رأيي, وقد يعلق على ما أكتب أو يمتنع وله كل الحق.. فرضت الصمت على نفسى فى
تلك المسألة لسببين.. أولهما إعطاء التجربة فرصتها.. وثانيهما أننى أتجنب الخوض فى
كل ما يتعلق بأمر الإعلام, حتى لا أعطى من يجيدون سوء الفهم والنوايا فرصة أن
"ينبحوا"!! ويلزم الإشارة هنا إلى أننى قدمت رؤيتى كاملة وتفصيلا للأزمة
والحل إلى رئاسة الجمهورية حين طلبت منى ذلك.. وللحقيقة اعتقدت فى أن اختيار وزير
الدولة للإعلام, سيكون كاشفا وموضحا لرؤية مغايرة تستحق أن نراها ونتابعها لنحكم
عليها!!
ألزمت نفسى بالصمت بإصرار متجنبا أى تعليق, حتى تابعت وزير الدولة
للإعلام مؤخرا متحدثا فى حوار مع الزميل "أسامة كمال" رغم أنه سبق أن
تكلم.. وتكلم.. ثم تكلم!! وفى كل مرة كان يظهر فى الإعلام كنت أرغب فى التعليق,
لكننى قاومت.. حتى كان الحوار الأخير – حتى الآن – لأرى أن استمرار الصمت يمثل خطأ
وفرط حساسية, يمكن أن ينقلب إلى جريمة!! وأصارحكم القول بأن الحوار مع وزير الدولة
للإعلام, أصابنى بحالة فزع.. لأن المحاور كان هادئا.. واعيا.. رصينا.. مهنيا.. أما
الوزير.. فقد تكلم دون أن يقول شيئا على مدى 55 دقيقة!! رغم أنه حاول أن يشرح
بديهيات حول آليات الإعلام وأدواته.. وحاول الاعتراف بالأخطاء – الجرائم – أملا فى
انتزاع "لايكات" كما يحدث فى عالم التواصل الاجتماعي الإلكتروني.. وحتى
أكون أكثر وضوحا.. قال الوزير أنه أعد خطة للعرض على الرئيس تشمل رؤيته للإعلام حتى
2030, وذلك كفيل بأن يجعل الأخرس يتكلم!!
إذا كانت هذه النظرة الساذجة التى تحدث بها عن واقع الإعلام, هى
التى تخطط لإعلام فى غرفة الإنعاش – لا أقول مات – تأدبا ورفضا للتشاؤم.. فمعنى
ذلك أن المريض – الميت – سيموت مستمتعا!! وقبل أن أخوض فى أسباب فزعى, يجب أن أكشف
عن مبرراتى وبراهينى التى أستند إليها.. يتكشف ذلك باستعراض المشوار المهنى للزميل
"وزير الدولة للإعلام" لأنه كان صحفيا من بداية مشواره حتى تم استوزاره
للمرة الأولى داخل جريدة "الوفد" التى التحق بها كدارس للعلوم – ليس
الإعلام – وفى وسطنا الصحفى عشرات الموهوبين والمبدعين صحفيا, كانوا خريجى هندسة
وزراعة وحقوق وطب.. لتأكيد أن تلك ليست نقيصة!! وكان تفوقه بأن عمل كمحرر عسكرى,
ثم محرر طيران حين تولى تلك الحقيبة الفريق "أحمد شفيق".. وفى توقيت
معين وحين تولى مسئولية رئاسة تحرير جريدة "الوفد" وتحديدا قبل ثورة 25 يناير
بشهور.. كانت فترة رئاسته لتحرير الجريدة قصيرة, بما يجعل تقييم تجربته فيه ظلم
لإمكانياته وقدراته.. تم استدعاؤه من هذه التجربة ليصبح وزيرا للإعلام فى حكومة
"عصام شرف" ثم غادرها بعد شهور.. وتقييمه كوزير ومهندس لإعلام دولة بحجم
مصر, فى ظل فترة استثنائية تشوبه عدم الموضوعية.. بعدها ظهر علينا كواحد من أقطاب
تشكيل كيان مات بالسكتة القلبية إسمه "إئتلاف دعم مصر" تولى قيادته
اللواء "سامح سيف اليزل"!!
تم ترشيحه ضمن قائمة لا داعى للحديث عن تفاصيلها, باعتبارها حاضرة
فى الأذهان والذاكرة.. نجح وتولى رئاسة لجنة "الثقافة والإعلام" فى مجلس
النواب لأربع سنوات.. واكب ذلك تعيينه رئيسا لمدينة الإنتاج الإعلامى, ومازال
يترأسها وزيرا!!
عرضى لمشواره باختصار يعطيك الحق فى أن تحكم على قدراته ما شئت..
وإذا اعتبرتونى مواطنا أتمتع بالحق نفسه, إضافة إلى دراستى وعملى وتجربتى فى
الإعلام طولا وعرضا وارتفاعا.. فيجوز لى أن أكشف عن تقييمى لزميل له الاحترام, وحق
الرد والتوضيح والاختلاف مكفول.. خاصة أن الأمر وصل إلى حد يصعب أن تطيقه نفس
سوية, إحتملت ما لا يمكن أن يطيقه صحفى عمل فى ميدان الإعلام لما يقرب من نصف
قرن.. وإذا أضفنا لذلك أنه تم فرض الصمت عليه, خلال أغلى سنوات عمره وتجربته.. هنا
يصبح الصمت جريمة!!
لن أخوض فى تفاصيل كثيرة.. لكننى سأتوقف فقط أمام تجربة "وزير
الدولة للإعلام" كبرلمانى وكرئيس لمجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى..
باعتبارها استمرت لسنوات.. ثم أتوقف عند تجربته وزيرا فى حكومة الدكتور
"مصطفى مدبولى" وسأوجز فى عدة نقاط وأكتفى بطرح أسئلة تجنبا لفرق
"النباح" وإن كانوا سينبحون بحكم العادة!!
أولا.. أتمنى أن يدلنى من يعرف.. ومن لا يعرف "أسامة
هيكل" عن مواقفه البرلمانية ودوره كرئيس لأهم وأخطر اللجان فى السنوات
الأخيرة, وهى لجنة "الثقافة والإعلام" المعلوم بالضرورة أن كليهما من
محاور أزمة مصر.. فنحن نعلم أن سيادة النائب.. قطب ائتلاف دعم مصر.. لا تحفظ له
مضابط جلسات مجلس النواب سوى مداخلات قصيرة وقليلة يصعب أن نتذكرها ونقف عندها..
ونتذكر للجنة برئاسته أنها قامت بتمرير قوانين, احتاجت إلى تعديلها فى الفصل
التشريعى الذى انتهى.. وطوال أربع سنوات ترأس خلالها اللجنة, كانت الأمة كلها تصرخ
والرئيس يشكو من سوء وتدهور حالة الإعلام.. إكتفى هو خلال هذه الفترة بالرصد
والمتابعة والصمت, وأن يعتصم بمنصبه كرئيس لمدينة الإنتاج الإعلامي.. وإذا قارناه
بأى من "فايدة كامل" التى ترأست اللجنة نفسها.. أو "سعد الدين
وهبة" باعتباره الأبرز فى رئاستها خلال سنوات طويلة مضت.. ستصل أنت للتقييم
الذى تراه, مع وضع تحفظ أن المقارنة لا تجوز تقديرا لكل من "فايدة كامل"
و"سعد الدين وهبة"!!
ثانيا.. أنتظر أن يحدثنى من يعرف.. فقد أكون لا أعرف.. عن إنجازات
"معالى الوزير" خلال فترة رئاسته لمدينة الإنتاج الإعلامي.. لاحظ أننى
أتحدث عن الإنتاج.. وهذا يعنى أن البراهين يجب أن تقترن بالإنتاج.. ودون داع
للتشويش بحديث عن أدب وتواضع وأخلاق الوزير!! مع العلم أن هذا المنصب يجنى صاحبه
مئات الآلاف شهريا غير ما يتقاضاه كنائب أو وزير.. وذلك لا يشغلنى ولا يهمنى.. فمهما
كان ضاغطا على البعض, فهو يبقى هامشا.. وتجنبا لنباح النابحين سأكتفى بالملاحظة
والسؤال, ولكل أن يجيب مع نفسه قبل أن يبوح بما يراه.
ثالثا.. تولى "وزير الدولة للإعلام" منصبه, فألقت عليه
الأقدار ما يعتبره كل من يشتغل بالإعلام ثروة مهنية هائلة.. تلك الثروة تتمثل فى
تحديات ضخمة, هو اختصرها خلال حواره بأنها كانت "أزمة السيول" ثم
"جائحة كورونا" دون إدراك لخطورة تحديات الأمن القومى على الجبهة
الغربية – ليبيا – أو أزمة سد النهضة.. ووصفى لها بأنها أزمة تقديرا للجهد المبذول
من الدولة فى معالجتها والتعامل معها.. وكم كان مؤسفا أن الوزير أصدر حكما مبرما
بنهاية الصحافة المطبوعة, وقوله أن الأمر انتهى.. ليفسر لماذا تم اختيار مدير
مطابع سابق, كرئيس للهيئة الوطنية للصحافة!!
وتحدث الوزير عن آليات ووسائل الإعلام, متجاهلا التقارير التى
أعدها البرنامج وتابعها وتابعناها.. وكانت تصرخ بأن الإذاعة من أهم الوسائل
الإعلامية لمعرفة الأخبار حسب ما تم عرضه من آراء المواطنين.. ومضى يقول كلاما
مكانه "حكاوى القهاوى" عن الإنترنت والإعلام الإلكتروني والتليفزيون..
متجاهلا أن مصر فيها الآن "إعلان" فقط بعد أن اختفى الإعلام..
وللإنصاف.. تدخل الزميل "أسامة كمال" بأدب مبالغ فيه ومعروف عنه,
بالإشارة لذلك لعل الوزير يلتقط الإشارة فيصول ويجول.. لكن الإشارة تم تجاوزها
ليتكلم.. ثم يتكلم.. دون أن يقول شيئا!! المهم أنه انتهى من إعداد رؤية وخطة
للإعلام حتى عام 2030.. هنا أمسكت رأسى واكتفيت بالقول "يا نااااافوخى"!!
اكتفى بتلك الملاحظات.. ولن أتناول إنجازه بتقديم لقاء لرئيس
الجمهورية مع رؤساء التحرير ومجالس الإدارات للصحف والهيئات الوطنية على هامش إحدى
الجولات, وقوفا.. بما يسىء للرئيس والذين أمامه.. ولن أتناول إنجازه بتنظيم لقاء
لرئيس الوزراء مع قيادات الإعلام, بعد أيام من استوزاره!! ولن أشير إلى المؤتمرات
الصحفية التى عقدها لبعض الوزراء, كما لو كان مستشارا إعلاميا وليس وزيرا.. ولن
أتحدث عن شكوى الأستاذ "مكرم محمد أحمد" الرئيس السابق للمجلس الأعلى
للإعلام, حول جريمة موظفى وزارته.. لأن الوزير واضح أن هذا الأمر يهمه, بإصراره
على ذكر أن مقر وزارته "مؤقت" أملا فى أن يعود إلى مكتب شغله "صفوت
الشريف" واعتقد من خلفوه أن المكان هو صانع الإنجاز.. لكنهم لا يعلمون أن
الدكتور "محمد عبد القادر حاتم" الذى يستحق وصف "أبو الإعلام"
الحديث أنجز معجزات بعقله وفكره وإبداعه.. ويستحق عشرات المقالات للحديث عما قدمه
للإعلام المصرى, ورغم ذلك فشل فى أن ينجح كوزير للثقافة.. لأن "الثقافة"
اقترنت بالمبدع الكبير "ثروت عكاشة" الذى أنشأ الثقافة, وغيره سكن فيها
حتى الآن!!
إذا كنا قد وصلنا إلى هذا المستوى, لكى يجاهر به وزير.. فالصمت فى
تقديرى يصبح جريمة فى حق وطن ومجتمع, لا يستحق ذلك.. وإذا كان الصمت المفروض علينا
عبر وسائل إعلام يسخر منها ويستخف بها الوزير, لم يعد مبررا باعتبار أننا نعيش زمن
الإعلام الإلكتروني – باعتراف الوزير – فقد قررت النزول للملعب الذى يراه الوزير
ضرورة حاضر وحتمية مستقبل!!
0 تعليقات