في ذكرى رحيل النجم العربي الكبير نور الشريف أعاد د. مالك خوري،
أستاذ السينما بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فتح ملف فيلم “ناجي العلي”، والأزمة
التي نجمت عن إنتاجه، ولكي تكتمل الصورة أعيد نشر مقالي “شاهد عيان على اتهام
“الشريف” بالخيانة العظمى”، الذي نشرته جريدة “القاهرة” في 15 أغسطس 2015، ثم
أعادت المجلة الإلكترونية “سينما إيزيس”، التي تُعني بفكر السينما المعاصرة، نشره
في 18 أغسطس من نفس العام ... ونحن نعيد نشره فى اغسطس وفى ذكرى وفاة المبدع نور الشريف..
مجدى الطيب
في السادس من سبتمبر عام 1991 وقع اختيار الكاتب الكبير سعد الدين
وهبه، بوصفه رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، على فيلم «ناجي العلي»، تأليف
بشير الديك وإخراج عاطف الطيب وبطولة النجم الكبير نور الشريف، الذي شارك بالإنتاج
مع مجلة «فن» اللبنانية، التي أصدرها وتولى رئاسة مجلس إدارتها الكاتب اللبناني
الكبير وليد الحسيني، المستشار السياسي للفيلم، ليكون فيلم افتتاح الدورة الخامسة
عشر لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لكن قراره الجريء أثار أزمة كبيرة بدأت
بوصول ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى مصر خصيصاً لمقابلة الرئيس
«مبارك»، وتحريضه ضد الفيلم بحجة أنه يُسيء إلى شخصه، ويتهمه بالوقوف وراء جريمة اغتيال
الرسام الكاريكاتوري الفلسطيني ناجي العلي، في لندن يوم 29 أغسطس 1987 !
يومها استدعى «مبارك» الدكتور أسامة الباز، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب الرئيس
للشئون السياسية، ووكيل أول وزارة الخارجية المصرية، لسؤاله عن حقيقة الأمر، وفي
خطوة استباقية وجه سعد الدين وهبة الدعوة للدكتور الباز لمشاهدة الفيلم في عرض خاص
ليُشاهد الفيلم، ويبت في إمكانية عرضه من عدمه، ومع دقات الساعة التاسعة من مساء
يوم السبت الموافق 30 نوفمبر؛ أي قبل يومين من افتتاح المهرجان، دخل «الباز» قاعة
العرض، ومرت الدقائق ثقيلة كالدهر، قبل أن يقف مُعلناً موافقته من دون تحفظ على
عرض الفيلم في افتتاح المهرجان، في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وبحضور الفريق محمد
فوزي، الأستاذ سامي شرف، جنباً إلى جنب مع فاروق حسني وزير الثقافة وعبد المنعم
عمارة رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وشهد حفل افتتاح مهرجان القاهرة منح
نجلي الموسيقار محمد عبد الوهاب والكاتب الكبير د.يوسف إدريس درع تكريم المهرجان
كما صافح سعد الدين وهبة الفنانة الكبيرة فاتن حمامة وأهداها درع المهرجان .
ولم ينته عرض «ناجي العلي» بإلقاء «حنظلة» وأطفال المقاومة الحجارة على العدو الإسرائيلي فحسب، بل انهالت الحجارة على كل من شارك بدور في الفيلم، وبدأت التداعيات مع المؤتمر الصحفي، الذي أقيم صبيحة اليوم التالي، في فندق ماريوت بالقاهرة، وأداره الناقدان علي أبو شادي وفوزي سليمان، وشهد احتجاج الصحفي اللبناني محمد حجازي على ما أسماه «نشر غسيلنا العربي القذر»، وسجل استياءه كون الفيلم يُشير بطرف خفي إلى تورط أياد عربية في قتل «ناجي العلي» (راجع ما قلناه عن زيارة ياسر عرفات) ومع صدور صحف يوم السبت الموافق 7 ديسمبر 1991 كانت المفاجأة المدوية في نشر صحيفة “أخبار اليوم” مربعاً يحمل عنوان «رخا أم ناجي العلي ؟»، استنكر كاتبه إبراهيم سعدة،رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم آنذاك، قيام مهرجان مصري بعرض فيلم غير مصري في الافتتاح (!)
وقال إن رسام
الكاريكاتور «رخا» كان الأولى بأن يُنتج فيلم من أجله، وتساءل عن السر وراء امتناع
نور الشريف عن تجسيد أدوار مئات الأبطال المصريين، واندفاعه وراء تجسيد شخصية
«ناجي العلي»، الذي لا يعرفه أحد في مصر، حسب قول “سعدة”، في إيحاء بأنه الدولارات
أعمته، ولأن «المنتجين المصريين لن يغدقوا عليه الأموال التي يريدها»، وصبيحة
السبت الموافق 18 يناير 1992 نشرت جريدة «أخبار اليوم» في صفحتها الأولى صورة لنور
الشريف مع عنوان يقول :
«نور الشريف ودولاراته»،وفي الصفحة الثانية أكد إبراهيم سعدة أنه سجل اعتراضه، منذ اللحظة الأولى، على «قيام نور الشريف بتجسيد شخصية ناجي العلي، أو المساهمة في إنتاج فيلم عن “رسام متواضع الموهبة جند ريشته من أجل التشهير بمصر حاكماً وحكومة وشعباً ودورا بكل ما هو وضيع ومقزز وبأقذر الاتهامات”، لكن نور الشريف،كما أوحى أبو سعدة، «قبل من أجل المال» وتساءل : «هل تستحق كنوز الدنيا كلها أن تبيع بلدك من أجلها .. لا أظن» واختتم بقوله إنه إذا كان نور الشريف يُباع بالمال فإن أخبار اليوم لا تُباع لهذا رفضت نشر إعلانات الفيلم .
ومع إدراك «أبو سعدة» أن حملة استهداف النجم نور الشريف لم تنجح عاد ليفتح النار من جديد؛ حيث خصص الصفحة الأولى من عدد السبت 25 يناير 1992 لما أطلق عليه «هذا هو ناجي العلي الذي يريد نور الشريف تخليده !»، ثم انضم الكاتب الصحفي سمير رجب إلى المعركة، وهاجم نور الشريف صبيحة الخميس 30 يناير 1992، بحجة «الخضوع المهين»، وسعى د.عبد العظيم رمضان، صباح الأحد 2 فبراير 1992 في مجلة «أكتوبر»، إلى تذكير الجميع بأن نور الشريف لم يؤيد كامب دافيد ما يدمغه ويُشكك في وطنيته، وأعلن إبراهيم سعده أنه لم ولن يشاهد الفيلم، وأن ما كتبته حسن شاه في مجلة «الكواكب»، التي كانت تترأس تحريرها، قد أغناه عن مشاهدة الفيلم، وكانت ابنة أخبار اليوم قد كتبت في افتتاحية المجلة، صباح الثلاثاء 28 يناير 1992 تتهم نور الشريف،ومعه “عاطف الطيب” و:بشير الديك”، بانعدام الضمير الوطني، لأنهم صوروا المصري (محمود الجندي) في صورة الممزق والمخمور ووصفت الفيلم بأنه مريض وموجه ومليء بالكراهية.
وسرعان ما تطور الهجوم
ليصل إلى اتهام نور الشريف وعاطف الطيب بالخيانة العظمى، وتورط بعض خربي الذمم،
ومعدومي الضمير، من الفنانين، وكتاب المقالات، في الهجوم طمعاً في احتلال مساحة
مميزة من الصفحات التي خصصها أبو سعدة للحملة المغرضة، فيما حذر الكاتب الكبير عبد
الحي أديب، في ندوة عُقدت بنقابة الصحفيين، من المكارثيين الجدد، وعاد سمير رجب
ليُشعل النار بمطالبته الدولة (الجمهورية يوم الأربعاء 5 فبراير 1992) بمنع عرض
«ناجي العلي» في المهرجان القومي الثاني للأفلام الروائية؛ إذ انتهز أبو سعدة
الفرصة، وقال في أخبار اليوم (السبت 8 فبراير 1992) إن «عرض الفيلم يعني أن حكومة
عاطف صدقي ممثلة في وزارة فاروق حسني الثقافية لا تهتم بسمعة مصر ولا بزعامة مصر
ولا بوطنية وعروبة مصر»، وفي العدد نفسه كتب عصام بصيلة : «خسارة .. أقولها من
قلبي فأنا أحب نور الشريف لذلك أنا حزين على فقده شعبيته».
وفي واقعة غير مسبوقة نشر نور الشريف إعلاناً بجريدة «الأهرام»
يؤكد فيه بدء عرض الفيلم في الإسكندرية وسوهاج والإسماعيلية وسمالوط وقويسنا، تضمن
مقالات عن ناجي العلي بأقلام : مصطفى أمين، كامل زهيري، أحمد عبد المعطي حجازي،
اللباد، البهجوري وبهجت لكن الحملة المُغرضة نجحت في إقناع فاروق حسني وزير
الثقافة بتشكيل لجنة تصفية، للمرة الأولى في تاريخ المهرجان القومي، تكونت من
المخرج كمال الشيخ، الناقد أحمد صالح ومهندس الديكور صلاح مرعي، انتهت إلى استبعاد
«ناجي العلي» من المهرجان، ومن باب ذر الرماد في العيون استبعدت معه ستة أفلام
أخرى !
مات نور الشريف لكن إلى اللحظات الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه ظل
الجرح الذي خلفته معركة «ناجي العلي» غائراً في قلبه، ولم يندمل في ذاكرته، وأكثر
ما أحزنه، وأوجعه، أن بعض الرفاق شاركوا في «المذبحة»، كما وصفها، ولم يترددوا في
تخوينه، واتهامه بأنه باع بلده نظير ثلاثة ملايين من الدولارات !
أما عاطف الطيب فله قصة أخرى، ربما تُروى في ما بعد، لكنني لن أنسى
ما همس به، يوماً، وهو يتعذب ألماً، :”لشد ما أحزنني أن استمع لوالدي وهو يسألني
:” صحيح ما يقولوه عنكم ؟ هل خنتم بلدكم بالفعل” ؟
0 تعليقات